لماذا يعتبر النقل في لبنان مسألة متعددة الجوانب؟

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 17 حزيران 24 بقلم جنى بيضون، طالبة في الجامعة الامريكية في بيروت 5 دقائق للقراءة
لماذا يعتبر النقل في لبنان مسألة متعددة الجوانب؟

كنت في السادسة عشرة من عمري عندما استقليت حافلة للنقل العام غير رسمية في صيدا للمرة الأولى. ولكن ذلك لم يقلل من الارتباك والقلق اللذين شعرت بهما. لم أفهم كيف يمكنني أن أقف ببساطة في مكان من اختياري على الطريق الذي تسلكه الحافلة في العادة. ثم، وفقاً للمواعيد غير الرسمية التي لا يمكن أن تنتقل إلا من شخص إلى آخر، استقل الحافلة عند مرورها. لم أتعرض للاعتداء، وحتى لم ينظر إلي أحد. ولكن هناك شيء ما في هذه التجربة جعلني أشعر بعدم الارتياح. تساءلت لفترة طويلة عما إذا كان الرجال يفكرون بنفس الطريقة.

المرة التالية التي استقليت فيها الحافلة كانت في بيروت. كانت تجربتي الأولى في الحافلة في عقلي اللاواعي، لكنني تجاهلتها لأنني كنت في منطقة أكثر شعبية في لبنان. اعتقدت أن هذا يعني المزيد من الراحة وإمكانية الوصول. كنت أنتظر في شارع الحمرا إلى جانب رجل عجوز، وعندما وصلت الحافلة، شاهدته يبذل جهداً كبيراً للصعود إليها. بدأ صف طويل من السيارات يتشكل خلف الحافلة، وكان كل من فيها يطلق الأبواق بغضب، فغضبت أكثر مما ينبغي وفكرت في جميع الفئات المهمشة في لبنان التي تعاني في استخدام نظام النقل في لبنان. وبوصفي طالبة هندسة مدنية، لم أكن أبداً على علم بمعاناة هذه المجموعات. كان عليّ أن أشهدها بنفسي لأعلم بوجودها، مما يعني أن العديد من المواطنين اللبنانيين يجهلون هذه المشاكل أيضاً. وعادة ما ينسى الأشخاص المحظوظون الذين يمتلكون سيارة، وأنا منهم، أن الحافلات غير الرسمية يمكن أن تكون في بعض الأحيان وسيلة النقل الوحيدة التي يستطيع المواطنون اللبنانيون استخدامها.

 

هناك ثلاثة أنواع من وسائل النقل العام غير الرسمية في لبنان: الحافلات والفانات والسرفيس. على الرغم من أن نظام النقل ليس حكومياً بشكل مباشر، لا يزال يتعين على وزارة الأشغال العامة والنقل الموافقة على المركبات. ولكن سيارات الأجرة في طرابلس يمكنها العمل دون هذا الترخيص، مما يخضعها لقدر أقل من المساءلة من جانب المواطنين ويجعلها أقل أماناً بالنسبة لهم. ولهذا السبب يصعب التعميم عندما يتعلق الأمر بالنقل في لبنان حيث أن كل مدينة يمكن أن تكون مختلفة. ومع ذلك، فإن بعض المعاناة شائعة وفقاً لمعايير محددة.

 

أولاً: أساس المعاناة

 

أ) النوع الاجتماعي

بعد أن سألت عدداً قليلاً من أصدقائي الذكور، وجدت أن جميعهم يشعرون بالأمان في الحافلات العامة. هنا يجب أشير إلى تمييز ذكره صديقي كريم حيث شرح لي كيف أن تجربته تتغير بحسب نوع وسيلة النقل. وهو يشعر أن الحافلات أكثر أماناً من الفانات أو سيارات الأجرة بسبب العدد الكبير من الأشخاص فيها والطريق الواضح الذي تسلكه الحافلات. في المقابل قد تكون الفانات غير آمنة لكلا الجنسين لأن مسارها ربما لا يمكن التنبؤ به.

 

من ناحية أخرى، أجابت النساء بأنهن يفضلن السير على الأقدام إلى وجهتهن المقصودة بدلاً من استخدام وسائل النقل غير الرسمية بتاتاً. بالإضافة إلى ذلك، لا توجد محطات للحافلات في لبنان وبالتالي، من المفترض أن تقف النساء منتظرات على الطرق المضاءة بشكل سيء على أمل أن تصل الحافلة سريعاً. وحتى بعد وصولها، تنتقل النساء إلى مكان آخر يفتقر إلى الأمن أو المراقبة بسبب مشكلة الاكتظاظ. عادة ما يفترض الرجال، مثل كريم، أن الاكتظاظ يسفر عن الأمان، لكن الأمر ليس كذلك. ونادراً ما يرى الأشخاص في الحافلات فتاة في وضع غير مريح/محرج ويساعدونها.

 

ب) الإعاقة

عند معالجة المشكلة التي يواجهها الأشخاص المعوقين جسدياً، يمكن ملاحظة عدم وجود محطات للحافلات أيضاً في هذه الحالة. لا يمكن للأشخاص المعوقين أن يقفوا على قارعة الطرق منتظرين. ناهيك عن أنه يكاد يكون من المستحيل أن يصعد شخص على كرسي متحرك إلى الحافلة، فالسبيل الوحيد الممكن هو المساعدة من الآخرين، ويستغرق الأمر وقتاً طويلاً. ومن المعروف أن الحافلات بطيئة للغاية أساساً بسبب توقفها المتكرر، لذلك فإن منح المزيد من الوقت للأشخاص المعوقين للصعود يكون حلاً غير مستحب. وبدلا من ذلك، يجب اعتماد حل أكثر فعالية من حيث الوقت.

 

ج) الجنسية

هناك عدد كبير من المهاجرين الذين لا يستطيعون شراء سيارات خاصة، وهم الأقل تمتعاً بالحماية القانونية، حيث تشعر النساء المهاجرات بقدر أكبر من عدم الأمان مقارنة بالنساء اللبنانيات إذ أن قانون التحرش الجنسي اللبناني الصادر عام 2020 لا يشملهن. وبحسب دراسة أجرتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة عام 2022، كانت النساء السوريات والفلسطينيات أكثر عرضة للتحرش من النساء اللبنانيات.

 

الرجال ليسوا بمأمن أيضاً. فقد وثّقت المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان (لايف) حالات لإنزال اللاجئين السوريين من الحافلات والفانات بهدف الاعتداء عليهم. وفي حين أن هذه الحوادث غالباً ما تحدث في منطقتي البقاع وبرج حمود، إلا أنها تنتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء لبنان.

 

ثانياً: الحلول

 

لجعل النقل في لبنان أكثر شمولاً، يجب أن يكون المهندسون المدنيون مثقفين تثقيفاً جيداً فيما يتصل بهذا الموضوع لأنهم يستطيعون إجراء تغييرات كبرى. في البداية، يجب أن تكون محطات الحافلات مضاءة جيداً وآمنة، بالاضافة إلى ضرورة وجود حراس الأمن وكاميرات المراقبة في محطات الحافلات وفي داخل الحافلات. وهناك طريقة أخرى لمساعدة النساء على الشعور بالراحة تتمثل في تحويل ربع العدد الإجمالي للحافلات إلى أماكن مخصصة للنساء فقط حيث لا داعي أن تقلقن بشأن الاعتداء من الجنس الآخر. كما يجب تركيب منحدرات في محطات الحافلات للسماح لها بالتوقف بطريقة تجعل المنحدر يؤدي إلى مدخل الحافلة مباشرة. هذا هو الحل الأقل تكلفة واستهلاكاً للوقت للسماح للأشخاص المعوقين بالصعود إلى الحافلات.

 

أما بالنسبة للاجئين والمهاجرين، ينبغي تعديل قانون الاعتداء الجنسي بحيث يشملهم/ن؟، ويجب تطبيق القوانين الموجودة أصلاً بشكل صارم لمنع الاعتداء عليهم/ن؟.

 

تجدر الإشارة إلى أن الحلول المذكورة أعلاه ليست كافية. يجب إجراء إعادة تصميم كاملة لوسائل النقل العام لجعل الحافلات مناسبة للكراسي المتحركة. ولكن لم أذكر الحلول البعيدة المنال لأنه من الصعب بالفعل تنفيذ الحلول الأبسط.

 
 

المراجع

 

لبنان ـ عنف متصاعد يستهدف اللاجئين السوريين. منظمة هيومن رايتس ووتش. (30 أيلول/سبتمبر 2014). 

https://www.hrw.org/ar/news/2014/09/30/264387

 

كارلي فوغلي (آب/أغسطس 2021). تجارب لنساء تعرضنَّ للتحرش في سيارات الأجرة. دراسة حالة: مدينة طرابلس، لبنان.

https://lebanon.unwomen.org/ar/digital-library/publications/2022/03/tjarb-lnsa-trdnwa-llthrsh-fy-syarat-alajrt-drast-halt-mdynt-trabls-lbnan

A+
A-
share
أنظر أيضا
17 حزيران 2024 بقلم ايليو مبيض، صحافي
17 حزيران 2024
بقلم ايليو مبيض، صحافي
02 حزيران 2024 بقلم عبير مرزوق، صحافية
02 حزيران 2024
بقلم عبير مرزوق، صحافية
13 شباط 2024 بقلم غيدا جابر، صحافية
13 شباط 2024
بقلم غيدا جابر، صحافية
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
16 آب 2024 بقلم كاثرين ابراهيم، صحافية
16 آب 2024
بقلم كاثرين ابراهيم، صحافية
16 آب 2024 بقلم روان مهنا، صحافية
16 آب 2024
بقلم روان مهنا، صحافية
تحميل المزيد