تمثل المساحات العامة عنصراً حيوياً في الجو الحضري الذي يمهد الطريق لمزيد من التفاعل والمشاركة المدنية والأنشطة الترفيهية. ولكن يمكن لهذه المساحات أن تُبرز وتعكس ديناميكيات السلطة وعدم المساواة الحالية القائمة على العديد من العوامل الاجتماعية والإنسانية مثل نوع الجنس والطبقة الاجتماعية والعرق والدين والقدرة الجسدية والعقلية. يتجلى عدم المساواة بين الجنسين في جوانب مختلفة من الحياة اليومية في لبنان، وخصوصاً في المساحات العامة حيث تواجه المرأة التمييز والاستبعاد. ويمكن لتصميم المساحات العامة على أساس التصورات الجنسانية النمطية أن يحد كثيراً من تفاعلات النساء ويقيد وصولهن إلى الأماكن الآمنة والترفيهية وتلك التي تتوفر فيها وسائل النقل. من الأهمية بمكان النظر في كيفية إضفاء الطابع الجنساني على المساحات العامة في لبنان، وكيف يمكن لمخططي المدن تصميم مساحات عامة أكثر شمولاً وأماناً للنساء. ولجعل المساحات العامة في لبنان أكثر شمولاً وإنتاجية، من الضروري الأخذ في الاعتبار تصميمات مبتكرة معدة خصيصاً للنساء تعالج في نفس الوقت مسائل مثل المعايير الاجتماعية والثقافية، والمخاوف، والتحرش، وعدم كفاية البنى التحتية، ونقص الخدمات التي تعيق تنقل المرأة وصحتها وتعليمها وتوظيفها وتمكينها. ومن خلال الإقرار بأهمية التصميم الشامل، يستطيع مخططو المدن وواضعو السياسات إنشاء مساحات عامة تقدم نطاقاً أكثر تنوعاً من التفاعلات المجتمعية، وتشجع المشاركة الآمنة للمرأة، وزيادة فرص وصولها إلى المساحات العامة.
وصف المشهد العام المتعلق بالمرأة في لبنان
صادق لبنان على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي تعزز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، مثل اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) ومنهاج عمل بيجين.[1] ولكن على الرغم من هذه الإنجازات، لا يزال لبنان يواجه تحديات وثغرات هامة في ضمان المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة في الممارسة العملية.[2] وعلاوة على كون المرأة اللبنانية مقيدة في حياتها بسبب عدم وجود قانون مدني موحد وإساءة استخدام السلطة الأبوية بحقها، لا تملك القدرة على اللجوء إلى المساحات العامة لأنها غير آمنة، وتفتقد إلى التقيد بأي قوانين، وتفتقر إلى الخدمات، وتعاني من ضعف البنى التحتية، وتعرّض المرأة للتحرش والعنف.[3] ومن أجل تخفيف حدة هذه التحديات، يمكن لمخططي المدن وواضعي السياسات تصميم مساحات عامة أكثر شمولا وأماناً.
في لبنان، تواجه المرأة العديد من التحديات والقيود التي تعيق وصولها إلى المساحات العامة وتحقيق أهدافها الشخصية، ولا سيما في المناطق الريفية حيث يُتوقع منها إعطاء الأولوية للواجبات المنزلية على التطلعات الفردية. ولكن بعض المنظمات الشعبية تعمل على تحدي هذه المعايير وتمكين المرأة عن طريق توفير مساحات آمنة لها وتدريبها على تنمية المهارات في أماكن مختلفة، سواء في المراكز أو المساحات المحلية في تلك المناطق/القرى. على سبيل المثال، في بعض الأنحاء من بيروت، يمكن للمرأة المشاركة في الأنشطة والدورات التي تعزز ثقتها بنفسها وقيادتها، مثل دروس الدفاع عن النفس والتدريب على القيادة. تقدم هذه الخدمات مجموعة "نساء على خطوط المواجهة" التي تدعو إلى المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة في طرابلس. كما أنشأت مراكز للتوظيف تساعد المرأة على تحقيق الاستقلال المالي ومتابعة مساراتها المهنية. تعتبر هذه المرافق المحلية حيوية لدعم النساء من خلفيات اجتماعية فقيرة في سبيل التغلب على الصور النمطية الجنسانية وتحقيق الاستقلال الاقتصادي.[4] وثمة مبادرة أخرى هي "جمعية البرامج النسائية" في البقاع في لبنان وهي تهدف إلى تمكين المرأة الريفية من
خلال تقديم التدريب لها في عدة مجالات مثل التسويق والأعمال التجارية والزراعة.[1] وتساعد المجموعة هؤلاء النساء على أن يصبحن مساهمات فاعلات في التنمية الاقتصادية لمجتمعاتهن من خلال تزويدهن بالتدريب الملائم. لا يقتصر هذا البرنامج على تعزيز الاستقلال المالي للمرأة فحسب، بل يتحدى أيضاً الصور النمطية الجنسانية السائدة في المجتمعات الريفية التقليدية.
كما تتقدم المبادرات التي تقودها المجتمعات المحلية بخطوات حثيثة نحو المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، بما في ذلك إقامة مشاريع تقودها النساء، وزيادة المشاركة السياسية. وتهدف هذه الجهود إلى تحدي الأدوار الصور النمطية الجنسانية، وتعزيز ثقافة المساواة بين الجنسين. ولكن تجدر الإشارة إلى أن المساحات العامة التي تشمل عموماً مواقع العمل، لم تكن متاحة للمهندسات والمهندسات المعماريات على مر التاريخ.[2]
في هذا السياق، تلعب مبادرات مثل منظمة "ورشة"، وهي منظمة غير حكومية أسستها المهندسة المعمارية أناستازيا الروس، دوراً بالغ الأهمية في هذا الصدد،[3] بحيث تكرس جهودها لتوفير التدريب الشامل وفرص العمل للنساء في قطاع البناء. ومن خلال تحطيم الحواجز وتوفير المعدات والمهارات اللازمة، تعمل منظمة "ورشة" جاهدة لتمكين المرأة من دخول المهن التي يسيطر عليها الذكور تقليدياً مثل الحرفيين، والتقنيين، والبنّائين، والمهندسين المعماريين، والمهندسين، ومهندسي المناظر الطبيعية، ومخططي المدن.
يكمن الهدف النهائي للمنظمة في تمكين المرأة من تحقيق إمكاناتها الكاملة، وتيسير الفرص المتكافئة، وتعزيز الثقة بالنفس والاستقلال المالي من خلال التوظيف في القوى العاملة التنافسية في لبنان. من خلال التركيز على إزالة الحواجز داخل المساحات العامة ذات الصلة بالعمل وتقديم الدعم اللازم، تساهم مبادرات مثل "ورشة" في بلوغ الهدف الأوسع المتمثل في إنشاء مساحات عامة أكثر شمولاً وإتاحة للمهندسات والمهندسات المعماريات في لبنان.
هناك المزيد من المبادرات التي تسعى إلى دعم المرأة، مثل سوق المزارعين الذي تديره النساء في دوما في شمال لبنان، وهو يدعم المزارعات والحرفيات من خلال منحهن مساحة لبيع منتجاتهن. ومن الأمثلة الأخرى منظمة "نساء رائدات" التي تدعم المرشحات للمناصب السياسية بهدف زيادة عدد النساء في الحياة السياسية.[4]
على الرغم من المبادرات الجديرة بالثناء المذكورة أعلاه، من الواضح أن تمثيل المرأة في المجالات العامة والسياسية في لبنان غير كاف. ففي عام 2023، تشغل النساء ستة مقاعد فقط من أصل 128 مقعداً في البرلمان وأربعة من أصل 30 منصباً وزارياً. [5] ويتأثر هذا التمثيل الناقص بالقيود القانونية والمعايير الاجتماعية التي تحد من مشاركة المرأة في عمليات صنع القرار. ومع الإقرار بأهمية المساحات العامة في تعزيز الشمولية، لا بد من التأكيد على أن المساحات العامة لا تضم المواقع المادية فحسب، بل تشمل أيضاً المؤسسات الرئيسية مثل البرلمان ومجلس الوزراء. وتتضمن الجهود المبذولة لمواجهة هذه التحديات برامج مثل الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية (NCLW) التي تدافع عن حقوق المرأة والمساواة بين الجنسين عن طريق صياغة السياسات، وإطلاق الحملات، وزيادة الوعي.[6] بالإضافة إلى ذلك، تقوم "مجموعة العمل الجندري في لبنان"، والتي تضم وكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية ومجموعات من المجتمع المدني، بمعالجة المسائل والمبادرات الجنسانية في البلاد بشكل تعاوني.
كما أن المساحات العامة مثل المنتزهات والملاعب والحدائق والساحات والشوارع والأرصفة والأسواق ووسائل النقل العام والمكتبات والمتاحف في لبنان تتخذ طابعاً جنسانياً لتعكس المعايير الجنسانية اللبنانية التقليدية. تواجه النساء تحديات كبيرة في المساحات العامة بسبب خيارات التصميم الحالية التي تحد مباشرة من مدى قدرتهن على استخدام المساحات العامة. هذه المعايير ليست بديهية أو مبنية على الضرورة المادية وحدها، بل تحركها التوقعات الصريحة أو الضمنية لما هو طبيعي أو مقبول. على
سبيل المثال، قد تؤدي الإضاءة غير الكافية في المساحات العامة ليلاً إلى جعل النساء يشعرن بقلة الأمان، وبأنهن أكثر عرضة للهجمات العنيفة أو التحرش، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى الحد من حركتهن. وقد تسبب وسائل النقل العام المصممة بشكل سيء أيضاً عدم الراحة، مما يجعل وسائل النقل العام مخصصة للرجال فقط، فتُجبر النساء على تحمل تكاليف نقل عالية نتيجة لاختيار وسائل النقل الخاصة.
تؤثر مشكلة عدم المساواة بين الجنسين والاستبعاد في المساحات العامة في لبنان على النساء منذ فترة طويلة. وفي إطار الجهد المشترك بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان وجمعية "كاتاليتيك أكشن" الخيرية تم تنفيذ مشروع لتدريب وتوظيف علماء المواطنين، بمن فيهم النساء واللاجئين السوريين الذين استخدموا أدوات الحياة العامة المراعية للاعتبارات الجنسانية لتحديد الاحتياجات ومواطن الضعف داخل المساحات العامة في حيهم والمشاركة في الإنتاج المشترك لمجال عام أكثر شمولاً ومرونة. وتُبرز الدراسة التي أجريت [1] كيفية مواجهة النساء والفتيات لمختلف الحواجز والتحديات التي تعيق وصولهن إلى المساحات العامة واستخدامها، مثل انعدام الأمان والخدمات والبنى التحتية والاحترام. على سبيل المثال، يخدم جسر المشاة الذي يربط بين الكرنتينا ومار مخايل غرضاً هاماً يتمثل في الربط بين الجانبين، مما يتيح للسكان زيارة الأصدقاء والأسرة وحضور إقامة الشعائر الدينية. ولكن نسبة استخدام النساء للجسر منخفضة بحيث تسجل 28 في المائة فقط. وكشف تحليل منطقة الجسر أنها مكان مثالي للقيام بالأنشطة الإجرامية بسبب المساحات الضيقة والمخفية وغير المضاءة والعوائق. كما تغطي الجسر لوحات إعلانية كبيرة وتحيط به أشجار طويلة مهملة مما يحد من امكانية الرؤية على الجسر. وأفاد سكان الكرنتينا عن تكرار عمليات السطو والمضايقة التي تطال النساء على هذا الجسر. بالإضافة إلى ذلك، تمتنع النساء عن الاقتراب من منطقة المصانع في الكرنتينا كونها منطقة يسيطر عليها الرجال. وتتميز المنطقة بحركة مرور غير منظمة ومواقف للشاحنات، والإضاءة السيئة، والمباني المهجورة المستخدمة كمكب للنفايات أو كمباول، والحيوانات الشاردة، وغيرها من الظروف الخطرة التي تنجم عنها بيئة غير آمنة وغير صحية، مما يدفع النساء إلى تجنب المنطقة بالكامل. تكشف دراسة الحالة هذه أن النساء في لبنان لديهن قدرة محدودة على الوصول إلى الموارد العامة والخدمات والفرص واستخدامها، وكذلك إلى مراكز صنع القرار، مما قد يحسن حياتهن ورفاههن.
حيوية المساحات العامة
تتسم المساحات العامة بأهمية بالغة بالنسبة لرفاه المرأة اللبنانية وتنميتها وتمكينها، وتوفر فرصاً لعيش حياة أفضل. ومن خلال تعزيز سلامة المرأة وأمنها وكرامتها وسعادتها، يمكن للمساحات العامة الأكثر شمولاً ومرونة أن تدعم أيضاً حقوق المرأة وصوتها ومشاركتها في المجتمع اللبناني.
المساحات العامة ليست مساحات مادية فقط بل إنها مساحات اجتماعية أيضاً تشكل حياة وهويات الأشخاص الذين يستخدمونها. ويُعد توفير مساحة عامة شاملة وآمنة للنساء أمراً حيوياً لتحقيق العدالة والمساواة والاستدامة.[2] ومن خلال إنشاء مساحات عامة تحترم التنوع وتقدره، فإننا نلهم الجميع ونربطهم ببعضهم البعض. إن الاستثمار في هذه القضية يؤثر على الجميع، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. كما يمكن لتحسين إمكانية وصول النساء إلى المساحات العامة أن يفضي أيضاً إلى تحسين إمكانية الوصول للجميع. إن تمكين المرأة من القيادة والمشاركة في المساحات العامة يمكن أن يمكّنها أيضاً من المساهمة والقيادة في مجالات أخرى من الحياة.
تتجاوز الفوائد التي توفرها المساحات العامة الشاملة الفوائد الاجتماعية والسياسية لتشمل الفوائد الاقتصادية والبيئية والثقافية. وتساهم المساحات العامة الشاملة بتعزيز التماسك الاجتماعي والمشاركة المدنية والنمو الاقتصادي وحماية البيئة والتنوع الثقافي. يستفيد الناس من فرص التفاعل والتواصل والتواصل الاجتماعي وبناء العلاقات والتعبير عن أنفسهم وعن آرائهم والمطالبة بحقوقهم والمشاركة في الأنشطة المدنية. كما أنهم يحققون المكاسب من خلال ريادة الأعمال، والتوظيف، والتجارة، والسياحة، مما يدعم للنمو الاقتصادي ويحسن مستويات المعيشة. وتوفر المساحات العامة الشاملة فرصاً لتقدير البيئة الطبيعية وحمايتها والحفاظ عليها، وممارسة الرعاية البيئية، والتعرف على الثقافات الأخرى مع الاحتفال بتراثنا الثقافي والحفاظ عليه. وتُبرز الفوائد التي توفرها المساحات العامة الشاملة المساهمات الهامة التي يمكن للمرأة أن تقدمها في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والثقافية.
تصميم المساحات العامة الشاملة
تتغلب المساحات العامة الشاملة على التحيزات القائمة التي تشكل البنى التحتية، وتتناول نوع الجنس في تصميم المساحات العامة لتعزيز سلامة المرأة وإمكانية وصولها إلى المجالات العامة والتمتع بها. ويمكن أن يؤدي دمج عناصر التصميم الشامل إلى توفير مساحات عامة أيسر في الوصول إليها وأكثر أماناً وجاذبية. وتشكل المقاعد ومناطق الجلوس والممرات الممتدة ومسارات الدراجات والإضاءة الكافية العناصر الضرورية التي تعزز سلامة المرأة وتشجع النشاط البدني، مع ضمان إتاحة المساحات العامة لمجموعات متنوعة من الناس. [3]
يكتسي التمثيل الشامل للنساء والفئات المهمشة في القرارات المتصلة بتصميم المساحات العامة أهمية كبرى، إذ أنهن أصحاب مصلحة ومستخدمات دائمات للبنى التحتية. من الضروري اتباع نهج تشاركي وتمكيني ومراعي للاعتبارات الجنسانية في تخطيط المساحات العامة وتصميمها، وهو يشمل النساء والفئات المهمشة في كل مرحلة. يمكن لهذا النهج أن يوفر حلولاً تركز على المستخدم لتعزيز الاستخدام الآمن للمساحات العامة من قبل النساء. ويتضمن التصميم الشامل أيضاً مبادئ التصميم وإمكانية الوصول العالمية التي تضمن أن تكون المساحات العامة قابلة للاستخدام وممتعة للجميع. وتشمل هذه المبادئ الممرات الملساء، والإضاءة واللافتات الكافية، والنقل العام، ودورات المياه. كما أنها تستوعب الأشخاص بمعزل عن أعمارهم وهوياتهم الجنسانية وقدراتهم. ومن الأهمية بمكان تعزيز ثقافة الاحترام والتنوع في المساحات العامة من أجل رفع مستوى الوعي وتحدي الصور النمطية والأحكام المسبقة المتعلقة بالمرأة والفئات المهمشة الأخرى. كما تضمن أن تصبح المساحات العامة منصات للحوار والتعليم والتعبير والاحتفال بالهويات والثقافات المختلفة. وأخيراً، من الضروري تعزيز الأطر القانونية والمؤسسية التي تحمي النساء والفئات المهمشة الأخرى من التحرش والعنف والتمييز والاستبعاد في المساحات العامة، وإنفاذ ورصد تنفيذ السياسات. ويضمن هذا النهج اتباع نهج شامل ومتكامل لحكم المساحات العامة وإدارتها من خلال التعاون والتنسيق مع مختلف الجهات الفاعلة وأصحاب المصلحة على جميع المستويات.
ولا بد من إشراك المجتمع المحلي ومشاركته في تصميم المساحات العامة الشاملة للجنسين في لبنان. قد تُفهم بالكامل الاحتياجات والتجارب لدى المجموعات السكانية المختلفة داخل المجتمع، ولا سيما الفئات المهمشة مثل النساء والأطفال واللاجئين والأفراد ذوي الإعاقة، من خلال هذه المشاركة. ونتيجة لهذا الإشراك في عملية التصميم، يتم إنشاء المساحات العامة لتلبية الاحتياجات المتنوعة، ومعالجة المشاكل المتعلقة بالسلامة وإمكانية الوصول والراحة، وتعزيز الشعور بالملكية والاستثمار في المنطقة.
قد تشكل المشاركة المجتمعية أيضاً تحدياً للمعايير الأبوية التي تمنع النساء والفئات المحرومة الأخرى من المشاركة الكاملة في الحياة العامة في لبنان، حيث ينتشر العنف والتمييز القائمين على أساس نوع الجنس. يمكن لمخططي المدن وواضعي السياسات
تطوير المجتمع بحيث يصبح أكثر شمولاً وإنصافاً، ويدعم المساواة بين الجنسين واحترام جميع أفراد المجتمع من خلال تقدير مشاركة هذه المجموعات. يمكن أن ينجم عن ذلك قيام مساحات عامة أكثر حيوية وتنوعاً وازدهاراً تخدم مصالح الجميع في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك، قد تضمن المشاركة وإشراك المجتمعات المحلية أن تكون المساحات العامة مستجيبة ومرنة ومستدامة، مع الأخذ في الاعتبار احتياجات المجتمع وطموحاته المتطورة طوال الوقت. وهذا يشجع الشعور بالملكية والانتماء والمسؤولية المدنية، مما قد يحسن التماسك الاجتماعي ويعزز الثقة بين مجموعات مختلفة من الأفراد الذين يستخدمون المساحات العامة.
يعتبر التعاون بين المنظمات والجمعيات وأصحاب المصلحة أمراً حيوياً لإنشاء مساحات عامة شاملة للجنسين تعزز التنوع والشمولية. ومن الأمثلة البارزة على هذه المبادرة "ورشة المعارف" في فرن الشباك التي تضم مكتبة نسوية تشكل مساحة آمنة. [4] تم تصميم هذه المساحة لتوفير بيئة مرحبة حيث يمكن للأفراد أياً كان نوع جنسهم الوصول إلى المعرفة والمشاركة في الحوار واستكشاف وجهات النظر النسوية.
بالإضافة إلى ذلك، تشكلت "شبكة المرأة للسلام والأمن في لبنان" نتيجة لجهد تعاوني يضم 12 مجموعة تقودها نساء.[5] ويُبرز تركيزها على بناء السلام ومنع نشوب الصراعات وحقوق المرأة قوة العمل الجماعي في إيصال أصوات النساء والفتيات. تسلط هذه المبادرات التي تقودها المجتمعات المحلية الضوء على أهمية التعاون والمشاركة الفعالة في تعزيز التغيير ذات المغزى المؤدي إلى الشمولية بين الجنسين في لبنان. من خلال التأكيد على إنشاء مساحات شاملة للجنسين ، مثل المكتبة النسوية في "ورشة المعارف"، والاعتراف بالجهود المتضافرة التي تبذلها منظمات مثل "شبكة المرأة للسلام والأمن"، يمكن للبنان أن يحرز تقدما ملحوظاً في بناء مجتمع يقدر التنوع ويوفر فرصاً متكافئة لجميع الأفراد
هناك حاجة إلى معالجة التحديات الجنسانية في المساحات العامة من خلال ممارسات التصميم المراعية للاعتبارات الجنسانية التي يتيحها التخطيط الحضري والقطاع العام. يمكن لاستراتيجيات التصميم الشاملة المتمحورة حول عناصر مثل الممرات الواسعة ومسارات الدراجات والمقاعد والإضاءة المناسبة أن تجعل المساحات العامة أكثر استيعاباً للنساء ودعماً لهن وترحيباً بهن. إن تصميم المساحات العامة الشاملة والآمنة للنساء ليس فقط مسألة عدالة ومساواة، بل هو أيضاً مسألة استدامة ومرونة. من الأهمية بمكان معالجة عدم المساواة بين الجنسين والاستبعاد الجنساني في المساحات العامة في لبنان لأنه يؤثر على الجميع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. ويمكننا أيضاً تحسين جودة المساحات العامة وإمكانية الوصول إليها للجميع من خلال تحسينهما بالنسبة للنساء. بالإضافة إلى ذلك، من الأمور الأساسية التمثيل في عملية صنع القرار المرتبطة بالتصميم والتركيز على التصميم المتمحور حول المستخدم، بما في ذلك النساء. وتوفر التدخلات المقدمة ذات الصلة بالتصميم إمكانيات لتعزيز استخدام المساحات العامة كمكان لإقامة علاقات أفضل وأكثر تمثيلاً بين الجنسين.