صدمات ومعلومات خاطئة
لعل ذلك يبرز في الحالات، التي تقصد إختصاصيين للعلاج من "مشاكل"، راكمتها العلاقات المتعددة الغير محمية أو حتى الصدمة من واقع لم يكن كما شاهدوه على منصات التي تُعنى بنشر محتوى إباحي.
في هذا الإطار، أشارت المتخصصة في علم الجنس ومدربة علاقات حميمية، د.لينا عطالله، أن المعلومات بغالبيتها تأتي من الإنترنت، من التلفزيون، من الأفلام الإباحية والسوسيال ميديا. وبالتالي يكتسبون معلومات خاطئة منذ الصغر، مستندة إلى الحالات التي أتتها، وهي في عمر العشرين، الثلاثين، الأربعين سنة والمشاكل التي يعانون منها.
وتنضم إليها مسؤولة القسم التكميلي في مدرسة ال Besançon في كفور الكسروانية، سوزان دلبتاني بالإشارة إلى وجود أطفال يتعرضون لمحتويات إباحية على شاشات ال IPAD وغيرها من الأجهزة، مؤكدة أنها موجودة حتى في الصفوف الإبتدائية (وتتراوح أعمارهم من 6 إلى 11 سنة).
مشاهدة الأفلام الإباحية..بمنتهى السهولة!
على صعيد المحتوى الإباحي، بات الأمر يختلف مع تشكيل تلك المواقع نسبة 4% من المواقع على الإنترنت. فاليوم، يزور ما يقرب من 2.5 مليون شخص المواقع الإباحية الأكثر شعبية في العالم كل 60 ثانية.
فعام 2018، كان هناك قرابة 109 مليار مقطع فيديو تمت مشاهدتها على موقع PornHub فقط بمعدل أكثر من 14 مقطع فيديو لكل شخص في هذا العالم.
أرقام تشكل جزءا من المشهد، خاصة مع قدرة المستخدمين إستخدام شبكة VPN لمشاهدة المواد الإباحية بشكل مجهول، والتي لم تكن موجودة سابقا.
في حين باتت هذه الصناعة تنتشر بشكل واسع في العالم، مع إستقطاب عدد من التطبيقات لملايين لا بل عشرات الملايين من المستخدمين كـ OnlyFans ، حيث أقدم العديد من الممثلين الإباحيين إلى إنتاج مواد خاصة لمتابعيهم مقابل إشتراكات ترتفع مع إرتفاع الإمتيازات المُقدمة.
هذا عن الإشتراكات مقابل المحتوى المقدم، لكن الأمر أعمق بكثير مع عملية القرصنة والإستنساخ، التي طالت هي الأخرى المواقع الإباحية، وباتت القدرة على مشاهدة مقاطع فيديو على مختلف المنصات كـ X، (تويتر سابقا)، دون دفع وبمنتهى السهولة. كما أن عدد من الممثلين الإباحيين راحوا يشاركون على تلك المنصة، مقاطع ترويجية لأفلامهم دون أي إشتراكات.
علما أن المنصة تعتمد سياسة التبليغ عن أي محتوى حساس أو قد يؤذي المتابع، ومنعت من هم دون ال13 عاما من الدخول إلى المنصة، (إشارة إلى أن تزيف عمر المستخدم ليست بالمُستحيلة) ويمكن لمن هم دون ال13 عاما الدخول إلى التطبيق وتصفح أي محتوى.
"أسئلة كثيرة"...جزء من التربية الجنسية.
مع إزدياد إنتشار هذا المحتوى في العالم، تبدأ مدرسة البزنسون الكاثوليكية، سنة الصف الثامن بكتاب لمادة علوم الحياة بإسم Reproduction فيها يتم مناقشة كل التساؤلات المتعلقة بجسد الفتاة والشاب. إلى جانب التعليم الديني حيث يتم التوعية على إحترام جسد الآخر وأنه ليس بالسلعة يمكن لأي شخص أن يتعرض له.
وأشارت الدلبتاني إلى أن الطلاب لديهم الكثير من الأسئلة حول هذه المواضيع، لا سيما المثلية الجنسية وما يؤاتيها من تفاصيل. حيث تقول: "أنا بطبيعة الحال، أخبرهم عن هذه المواضيع بأحدث أخبارها، مثلا منذ عدة أشهر سمح البابا فرنسيس أن يتعمد الأولاد من أهل مثليين، لكن بموافقة الثنائي وأخبرتهم عنها (الصف التاسع) أقوم بإختيار الصفوف نسبة لتلك المواضيع."
مضيفة: "لا أدري... أعتقد أنها جزء من التربية الجنسية، لكن على الأقل بتنا نفتح مواضيع لم نكن نعالجها سابقًا".
وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، صدر عن قسم العقيدة في الفاتيكان، مجموعة قواعد سمحت بتعميد أطفال يكون أهلهم من نفس الجنس، طالما أن هناك "أملًا مبررًا في أن يتم تعليمه في الدين الكاثوليكي".
إلى جانب سماحه بتعميد الأطفال الذين يعتبرون متحولين جنسياً إذا "كانوا مستعدين وراغبين في ذلك".
"التربية الجنسية"..حاجة غير قابلة للتنفيذ!
وعن ضرورة وجود التربية الجنسية في المدرسة، قالت مسؤولة القسم التكميلي: " ممكن، أصبحت حاجة، لكن هذا الأمر مستحيل للغاية، لا يمكن العمل عليه هذه السنة، أفكر بالذهاب بعيدًا في هذا الأمر."
مشيرة إلى خطورة هكذا خطوة إن لم تكن مدروسة لأنه، بحسب الدلبتاني، يمكن أن نُقدِم على توعية أشخاص على أشياء ليسوا على علم بها، وعلينا أن نعرف كيف يفترض بنا التعاطي مع هذه المادة.
في حين أشارت منظمة الصحة العالمية إلى أدلة واضحة على أن برامج الامتناع عن ممارسة الجنس فقط - التي توجه الشباب إلى عدم ممارسة الجنس خارج الزواج - غير فعالة في منع النشاط الجنسي المبكر وسلوك المخاطرة، وربما تكون ضارة بالصحة الجنسية والإنجابية للشباب.
وتؤكد د.عطالله، في هذا الإطار، على الدور الأساسي لتربية الأهل على أنواعها في حياة الولد. ومن الضروري، بحسب عطالله، أن يكون الأهل مستعدين بالحد الأدنى للتحدث عن الأساسيات المتعلقة بالصحة الجنسية منذ الصغر، وتحديدًا عن عمر يتراوح بين ال7 و8 سنوات.
ومن المواضيع التي يفترض بدأ الحديث عنها، تُعدد المتخصصة في علم الجنس المواضيع التالية: "ما هي أعضاء جسد الفتاة والولد؟ وما الفرق بينهم ؟ فنؤكد لهم أنهم يملكون جسدهم. لماذا هذا الشيء مهم؟ فعندما نبدأ التكلم عن التحرش الجنسي، فهو لكي يفهموا ما معنى أن يتحرش بهم شخص، أو أن ينظر الشخص إلى جسدهم بطريقة خاطئة."
مضيفة: " حتى عندما يقول شخص "هذا سر بيني وبينًك" يجب أن تكون هذه عبارات بمثابة إنذار يجب الوقوف عنده. من هذه الأعمار نقوم بالتوعية ونرشد حتى عمر ال12 سنة حيث تكون التربية الجنسية ضرورية."
أما عن الأهل غير المستعدين وغير المُرتاحين لتلك الخطوة، تدعو د.عطالله الأهل الولوج إلى أخصائيين ليحدثوهم وأطفالهم عن تلك التفاصيل الأساسية وتوعيتهم.
هل هذه الخطوات كافية؟
في إطار متصل، تبقى تلك الخطوات في سياق توعوي، أمام حالات جدية تكون فيها الفتاة، إما بسبب زواجها المبكر وإما بسبب حالة عرضية لدى ممارستها الجنس مع أولاد من عمرها أو حتى عند تعرضها لإغتصاب (لا سيما من البالغين، سواء كانوا جماعة أم فردا).
فالأمر لا ينطلي على الفتايات فقط بل حتى على الأولاد الذين يتعرضون للتحرش وصولا للإغتصاب، لما فيها من تبعات متطورة. لعل أبرز مثال، قضية العسكري المُتقاعد في بلدة القاع اللبنانية الذي ارتكاب سلسلة اعتداءات بحق أطفال مطلع شهر يوليو/ تموز 2022.
أطفال معرضون للفورة الهرمونية، وهم في بداياتهم، علما أنها المرحلة الممتدة بين 8 و14 سنة للأولاد والفتايات، ما يدفعهم إلى عدم القدرة على التعاطي مع إعتداءات وهم لم يكتشفوا أجسادهم بعد.
عليه وخلال الحمل غير المُخطط له، ترى د. عطالله أنه يُفترض بالفتاة أن تكون قريبة جدا من طبيب/ة نسائي/ة أو ما يُعرف بال Gynecologist لتتأكد أن جسدها قادر على أن يحمل هذا الجنين. ثانيا، أن تقوم بجملة من الفحوصات لتتأكد من أن الجنين ينمو بطريقة صحية.
كما أشارت إلى ضرورة التأكد من عدم تعرضها لكمية من الكحول في الفترة المُمتدة قبل شهر أو شهرين قبل الحمل، وخلال الحمل.
كذلك حبذت العمل مع معالج نفسي لأنه وفي حالة المرأة بشكل عام، فعند حملها، وهي في عمر العشرين والثلاثين، فإنها تعاني من ضغوط. خاصة مع كل التغيرات المُترتبة من الهورمونية حتى الجسدية منها.
أدوار بارزة!
وتسألت: "ماذا لو كانت مراهقة لا زالت في رحلة إكتشاف نفسها، ومن هنا قربها من طبيب نفسي ضروري لمُساعدتها في هذه المرحلة الصعبة من ناحية المشاعر ومن ناحية الأفكار السلبية خاصة في مجتمع صعب في حالات كهذه تحديدًا.
وكررت الأمر نفسه للأولاد الذين يتعرضون لحالات مماثلة في صغرهم.
ومن هنا، للعديد من الأخصائيين أدوار بارزة ومختلفة في مسار التربية الجنسية، يتركز كل منها في مرحلة معينة من حياة الطفل. إنطلاقا من العائلة، إلى المدرسة والتدريبات من جانب أخصائيين وصولا لمتابعة من جانب ضالعين في مجال معالجة التبعات المُتربة لنشطات الأولاد الجنسية.