السلام وإعادة تأويل الماضي: تفكيك النزاعات في جبل لبنان

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 24 آذار 21 بقلم شادي علاء الدين، صحافي 5 دقائق للقراءة
 السلام وإعادة تأويل الماضي: تفكيك النزاعات في جبل لبنان
©عدرا قنديل
إنتهت الحرب في لبنان وانطلق مسار السلام، ولكنّ ماضيها الدمويّ الأليم لا يزال ينجح مرةً تلو الأخرى في التسلّل إلى الحاضر، والتّأثير المباشر فيه من خلال جملة من المسارب الاقتصادية، الأمنية، السياسية والثقافية.

إنتهت الحرب في لبنان وانطلق مسار السلام، ولكنّ ماضيها الدمويّ الأليم لا يزال ينجح مرةً تلو الأخرى في التسلّل إلى الحاضر، والتّأثير المباشر فيه من خلال جملة من المسارب الاقتصادية، الأمنية، السياسية والثقافية.

عملت جمعيّات كثيرة على تعزيز ثقافة السلام لمواجهة تركة الحرب الثقيلة، وكان من أبرزها جمعيّة "محاربون من أجل السلام".

تأسّست هذه الجمعيّة عام 2014، وعملت بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على معالجة الآثار المتراكمة التي خلّفتها الحرب الأهليّة من خلال خطاب يتوجّه إلى الأجيال الشابة بهدف منع إعادة تجربة الصّراع والتقاتل.

منطقة جبل لبنان بما فيها من تنوّع طائفي وسياسي وما تخزّنه من صراعات دمويّة، كانت مسرحاً لآخر تجارب المؤسسة في مجال بناء ثقافة السلام في وسط الشباب. أطلقت الجمعية عام 2020 سلسلة من ورش العمل وحلقات النقاش التي استهدفت الفئة الشابة في مناطق جبل لبنان. تمّ اختيار عشرين شاباً من مناطق عاليه والشّحار وتدريبهم على تقنيات الوساطة الداخلية، وبناء السلام، وحلّ النزاعات، والعديد من المجالات التي تصبّ في صالح تعزيز قدراتهم على التواصل الإيجابي الفعّال مع الشباب المعرّضين لخطر الوقوع في دائرة التطرّف والعنف.

أهميّة النشاط الذي تقوم به "جمعيّة محاربون من أجل السلام" يكمن في نقل العمل من أجل السلام من المجال العاطفي وتحويله إلى مؤسسة، توظّف تجارب من خبروا الحرب ومآسيها وشاركوا فيها، في إطار عملية البحث الشّاقة والصعبة عن بناء مسارات السلام.

 

أسعد الشفتري: القتال من أجل لحظة تردّد أمام خطاب الزعيم

أهميّة العمل مع الشباب من منطقة جبل لبنان يكمن وفق المقاتل السّابق وعضو الجمعية أسعد الشّفتري، في فتح المجال أمام الأجيال الجديدة لطرح أسئلة حول العناوين الخطيرة، التي في حال تُركت من دون معالجة فإنّها ستمنع العبور نحو مستقبل آمن.

يلخّص تجربته في العمل مع الشباب في ثلاثة عناوين رئيسيّة، هي:

1- الوعي العام والتعرّف على الذات والآخر.

2- التّأهيل لتمكين القدرة على تعامل الشباب مع مجتمعاتهم.

3- تحويل الشباب إلى ناشرين لثقافة السلام .

يقرّ بأن الجوّ العام في البلد يخلق ثقافة مضادّة لثقافة السّلام، لأنه يعزّز خطاب العنف، ولكنه يعتبر أنّ لحظة تردّد الشباب حين يخطب الزعيم داعياً إلى العنف تستحقّ كل هذه النضالات.

بدري أبو دياب: المصالحات عظيمة لكنّها غير كافية

يشرح بدري أبو دياب المقاتل السابق الذي شارك في تنظيم وإدارة ورش العمل مع الشباب، آلية العمل معتبراً أنها تنطلق من شعارات تؤكّد أن العنف ليس حلاً، وأنه لا داعي لعيش الآلام وتكرارها، وأن درب الحلول يبدأ بالحوار.

الإطار المباشر للورش، وفق أبو دياب، قام على عمليّة وصل الأجيال والمكوّنات من جبل لبنان، واتّخذ من مناطق عاليه والشّحار وبريح ميداناً للعمل على مواضيع تحليل النزاعات، وفق معايير عامة سياسيّة، جندريّة وطائفيّة.

ولفت إلى أنّ بعض المشاركين إعتبروا أن المصالحة قد تمت مع مصالحة الجبل الشهيرة عام 2000 والتي جرت برعاية البطريرك الراحل مار نصر الله بطرس صفير والزعيم الدرزي وليد جنبلاط. خلقت هذه المصالحة مناخاً إيجابياً سمح بعودة عائلات مسيحيّة عديدة إلى قراها، تحت سقف مشروع يرمي إلى طيّ صفحة الحرب وتثبيت العيش المشترك.

كما يؤكد أنّه يرى أنّ المصالحات إيجابيّة، ولكنّها حين تتم برعاية سياسيّة ودينيّة تبقى حاملة لطابع فوقيّ، ما لم يتم تعزيزها بنشر ثقافة المصالحة في قلب المجتمعات المتصارعة وتمكينها بشكل دائم، وهو ما لم يحصل بعد، لذا فإنّ مشاكل كثيرة لا تزال تحدث بشكل متكرّر.

عبدالله ملاعب: قراءة شبابيّة لتاريخ الصراعات

يسرد عبد الله ملاعب عناوين تجربته في المشاركة في ورشة العمل في منطقة الشحار، إنطلاقاً من خصوصيّة شبابيّة ومناطقيّة. أنتجت هذه التجربة في نظره، عملية مواجهة حادّة مع التاريخ وبنت قناعة حول ضرورة وجود جيل مستقل عن الأفكار والمرجعيات المستندة إلى تاريخ الأحقاد والنزاعات.

الكشف عما جرى ضروريّ لتكوين معرفة تسمح لكل الأطراف بالاعتراف بالخطأ تمهيداً لبناء مصالحات عميقة وصلبة وواضحة المعالم.

منطقة الشّحار تحمل وفق ملاعب رمزيّة خاصة قادرة على بثّ دلالات عامّة تتصل بكل لبنان، وذلك بسبب تنوّعها الطائفي والمذهبي والسياسي، ولكنه من ناحية أخرى يعترف بصعوبة التعاطي مع الموضوع لأن التاريخ الذي يتمّ العمل عليه ليس سحيقاً بل يعود إلى فترة قريبة نسبيّاً.

من هنا، يشرح أن التّشديد كان على كيفيّة خلق تجربة شبابيّة جديدة عبر تعزيز المعرفة العلميّة، وتحليل تجارب عالميّة في حل النزاعات، ما أسّس لنشوء نوع جديد من الخطاب، يحرص على نقل خلاصة هذه المعرفة والأفكار التي تدافع عنها مثل المصالحة، والعيش المشترك، ورفض العنف، إلى المجال التطبيقي إنطلاقاً من مفهوم وحدة الإنتماء.

يختم ملاعب حديثه بالتّأكيد على أن هذه التجربة ليست سوى خطوة أوليّة لا بدّ من استكمالها بسلسلة من الخطوات المتلاحقة لتأمين نجاحها، وخصوصاً في ظل حضور سلطات تستمدّ شرعيّتها من الماضي.

في بحثها عن تأويل تاريخ الحرب والصراعات، لا تحاول جمعيّة "محاربون من أجل السلام" تبديد التاريخ ونفيه، بل تعمل على امتلاكه من خلال تثبيت وجهة النظر إليه وتوحيدها لمنعه من الإقامة الجبرية في حالة التشظي الدّلالي والمعرفي والتفسيري التي يفرضها عليه أصحاب السلطة.

لقد ثبّت المقاتلون السابقون تاريخهم الشخصي ووحّدوا مواقفهم تجاهه. نقل هذه التجربة إلى الشباب من شأنه أن يؤمّن مدخلاً للنظر في أعقد المشكلات البنيويّة التي تعاني منها عملية بناء السلام في لبنان عموماً وفي منطقة جبل لبنان خصوصاً، وهي البحث عن التاريخ الذي لا يزال حتى هذه اللحظة ضائعاً في غابات التّأويل الطائفيّة والسلطويّة.

A+
A-
share
آذار 2021
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد