لقد تميّز عام 2020، على الرغم من سلسلة الأزمات التي تمرّ بها البلاد، بالإحتفال بالذكرى المئوية لإعلان دولة لبنان الكبير، في 1 أيلول 1920. حدثٌ سمح للعديد من المراقبين والمحلّلين بتقديم لمحة عامة عن الأصول التاريخيّة والجذور الإجتماعيّة - السياسيّة والمجتمعيّة للبنان في شكله الحالي.
وقد ثبت الآن على أساس الواقع التاريخي، أنّ جبل لبنان شكّل العمود الفقري والأساس لدولة لبنان الكبير، جغرافياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وديمغرافياً، وتعليمياً. ويتّفق معظم المؤرّخين في هذا السياق على أنّ "شخصية لبنانية" معيّنة قد تكوّنت تدريجيّاً على مرّ القرون تحت تأثير المظهر الجغرافي، الذي يتألّف أساساً من سلسلة جبال عالية تميّز لبنان عن بلدان أخرى في المنطقة. غير أنّ الكيان اللبناني لم يبدأ في التبلور وفرض نفسه، كبنية إدارية وسياسية مستقلّة نسبياً، إلّا اعتباراً من القرن السادس عشر مع بداية العهد العثماني. وفي عام 1516، حقّق الجيش العثماني بالفعل نصراً حاسماً على المماليك في مصر في معركة "مرج دابق"، شمال حلب. وكانت هذه بداية الإمبراطورية العثمانية.
إنّ السلطة الجديدة، التي أرادت التركيز بشكلٍ رئيسي على القضايا الإستراتيجيّة، ستعهد بإدارة الشؤون اليومية إلى الزعماء الإقطاعيين في الجبل. وهكذا سيشهد جبل لبنان عهداً طويلاً من حكم الأمراء. لكنّ لبنان في شكله الحالي، بدأ يتبلور إلى حدٍّ ما خصوصاً مع الأمير فخر الدين الثاني، في نهاية القرن السادس عشر وبداية القرن السابع عشر. إنّ الأمير فخر الدين، الذي ينحدر من قبيلة معن الدرزية التي حكمت الشوف، والذي رعاه وعلّمه منذ صغره أعيان موارنة كسروان (شيوخ بيت الخازن)، سيتعهّد بمجرّد وصوله إلى السلطة بعد بلوغه سنّ الرشد، بأن يغزو من الشوف الأراضي التي ستشكّل، إلى حدّ ما، لبنان الحالي.
وسينجح فخر الدين الثاني، الذي يتمتّع بصفات رجل دولة حقيقي، في تطوير الكيان اللبناني القائم حول جبل لبنان والحفاظ على إستقلاليته نسبياً. وسيستمرّ حكم إمارة الجبل، الذي سيتولّاه المعنيّون حتى عام 1697، ثم الأمراء الشهابيون حتى عام 1842، تاريخ إنشاء نظام سياسي جديد من قبل القوى في ذلك الوقت، والذي سيبقى قائماً حول جبل لبنان باعتباره عموده الفقري. وسيستمرّ هذا الوضع حتى سقوط الإمبراطورية العثمانية في عام 1918، في أعقاب الحرب العالمية الأولى، لينتهي المطاف في أيلول 1920، بإعلان دولة لبنان الكبير الذي سيظلّ دائماً جبل لبنان دعامتها المركزيّة بسبب ثقله الإقتصادي والديموغرافي والتعليمي.