بيروت، قبل ستّة أشهر، لم يتخيّل سامر سعادة، وهو طبيب طوارىء في مستشفى ومركز بيلفو الطبي في جبل لبنان، أنّ وحدات العناية المركّزة المخصّصة لفيروس كورونا سوف تفيض بالمرضى الذين يعانون من حالة حرجة.
يحتوي المستشفى على 22 سريراً عادياً و8 أسرّة في وحدة العناية المركّزة، مخصّصة لمرضى فيروس كورونا. علماً أن الطاقم الطبّي كان يستعدّ لأزمة صحيّة منذ أشهر، وقد بلغت كلّها الآن قدرتها الإستيعابية.
مع ذلك، قال سعادة أنّ أعداد مرضى كورونا فاق ما كان يتوقّعه. إذ شهد لبنان في كانون الثاني أخطر موجة من حالات الإصابة بفيروس كورونا، حيث قفز من حوالي 3000 حالة مسجّلة يوميّاً إلى أكثر من 6000 حالة في غضون أيام.
"كان تدفّق المرضى الوافدين مرتفعاً للغاية إلى حدٍّ بلغنا فيه قدرتنا الإستيعابيّة. وكان علينا معالجة المرضى ]فيروس كورونا[ في غرفة الطوارئ لأنّنا لم نستطع نقلهم إلى أيّ مكان آخر"، أضاف سعادة:
"كلّ مستشفى في جبل لبنان كان ممتلئاً".
تضم محافظة جبل لبنان نحو 10 مستشفيات موزّعة بين أقضيتها الستّة: عاليه، بعبدا، الشوف، جبيل، كسروان، والمتن. ويقدّر عدد السكان المحلّيين في محافظتي بيروت وجبل لبنان بنحو مليوني نسمة، أي ما يقرب من نصف سكّان لبنان.
تمّ تسجيل ما مجموعه 141988 حالة إصابة بفيروس كورونا في الأقضية الستّة من جبل لبنان (إعتباراً من 9 شباط الفائت)، أي ما يمثّل 43.7% من 324,859 حالة في البلاد منذ 21 شباط 2020.
بعد أن ترافقت مع جائحة فيروس كورونا، ظلّ لبنان منذ أكثر من عام يعاني من أسوأ أزمة إقتصادية يشهدها منذ عقود، ممّا وضع عبئاً إضافياً على القطاع الصحّي الهشّ أصلاً خلال فترة حرجة.
وقال سعادة: "لقد غادر 30% من موظّفينا بسبب الأزمة الإقتصادية، وكان الضغط مهولاً".
وأوضح: "في العام الماضي، إنخفضت قيمة العملة الوطنيّة اللبنانية بنسبة 80%. كنا نقبض رواتبنا بالدولار، والآن نحن نحصل عليها بالليرة اللبنانية. إذا كنتُ أتقاضى ما يعادل 6000 دولار من قبل، إلاّ أنها تساوي الآن 100 دولار فقط. لذا، يذهب أفراد الطاقم الطبي إلى بلدان عربية أخرى حيث يمكنهم الحصول على رواتبهم بالدولار".
كما أثّرت الأزمة الإقتصادية على قدرة المستشفيات على تحمّل تكاليف تجهيز نفسها بمعدّات الوقاية من فيروس كورونا. وأشار سعادة إلى أنّه بينما قدّمت وزارة الصحة بعض الدعم، فقد اضطرّت المستشفى إلى تقنين معدّات الوقاية الشخصيّة، بما فيها الأقنعة والشاش قبل نفادها.
إستقبل مستشفى جبل لبنان، وهو من أكبر المستشفيات في المحافظة، 650 مريضاً بفيروس كورونا منذ بداية الجائحة، حسبما ذكر المدير الطبي للمستشفى الدكتور إيلي غاريوس. من بين هؤلاء، توفّي 90 شخصاً، أي حوالي 13% من مرضى المستشفى المصابين بفيروس كورونا.
يذكر أنّ المستشفى مجهّز بـ80 سريراً لعلاج مرضى كورونا، 40 منها في وحدة العناية المركّزة، أكد غاريوس أنّها ممتلئة كلّها.
محافظ جبل لبنان محمد مكاوي قال إنّه تمّ تنفيذ إجراءات الإغلاق الصارمة بعد فوات الأوان إثر إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب. وأصبحت تدابير الوقاية من فيروس كورونا، أقلّ أولويّة لسكّان لبنان في أعقاب الدمار الذي خلّفه الإنفجار، والذي ألحق أضراراً بنصف العاصمة.
وأشار إلى أنه "في شهر آب بعد الإنفجار، تجمّع الناس بكثافة في الشوارع للإحتجاج والمساعدة في تنظيف الزجاج والحطام".
وقد جاء اللبنانيّون من جميع أنحاء البلاد ومن مختلف أقضية جبل لبنان إلى بيروت، وتجمّعوا للمساعدة فى إزالة الحطام خلال الأسابيع التي تلت الإنفجار. وقد تأثّرت بعض مناطق جبل لبنان بالإنفجار، بما في ذلك برج حمود، وسن الفيل، والحازمية.
قبل وقوع الإنفجار مباشرةً، سجّلت وزارة الصحّة 177 حالة إصابة بفيروس كورونا على مدى 24 ساعة في جميع أنحاء البلاد. وفي 19 آب، أي بعد أسبوعين من الإنفجار، قفزت حالات الإصابة بفيروس كورونا إلى 589 حالة.
أضاف مكاوي: "كان يجب علينا أن ننفّذ إغلاقاً شاملاً لمدة 20 يوماً في شهر أيلول لمنع انتشار الفيروس، فربّما كنّا قد تمكنّا من إبطائه".
واعتبر أنّ الأزمة الإقتصادية أثّرت بشكلٍ كبير على قدرة السكان على الإلتزام بإجراءات الإغلاق.
"إنّ التأخير في تطبيق القيود قد جعلنا نخضع لإغلاق شامل لمدة أطول، لكنّه الآن يطبّق في ظلّ وضع إقتصادي لا يستطيع معظم الناس البقاء فيه من دون عملٍ لفترة طويلة".
وكان لبنان قد نفّذ في كانون الثاني الفائت إغلاقاً شاملاً غير مسبوق على مدار 24 ساعة في اليوم من أجل وقف تفشّي أخطر موجة فيروس كورونا شهدتها البلاد حتى الآن، ومن المقرّر أن يستمرّ هذا الإغلاق حتى نهاية آذار. وقد تمّ إلقاء اللّوم في هذا التفشّي، إلى حدّ كبير، على قرار السلطات برفع معظم قيود الإغلاق خلال فترة الأعياد.
قامت الدولة، التي تضرّرت من الأزمة، بطرح لقاحات ضدّ فيروس كورونا إعتباراً من 14 شباط الفائت. وقد حجزت الحكومة حوالي 2.1 مليون جرعة من لقاح فايزر - بيونتيك، التي من المقرّر أن تصل بشحنات مختلفة إلى لبنان. تهدف المرحلة الأولى من اللقاحات، إلى تلقيح السكان الذين يعانون صحيّاً من أمراض مزمنة والذين تزيد أعمارهم عن 65 عاماً، بمن في ذلك العاملون في مجال الرعاية الصحيّة في الخطوط الأماميّة.