«بكل سرور»، أجبتها، «بس شو موضوع الحلقة؟». فردّت عليّ «العنصرية تجاه السوريين في لبنان»..أخذتُنفساً عميقاً وشعرت بالتردد لكن «ديمة» صديقتي ولن أكون سلبية حيالها. أكّدت مجيئي وفعلاً حضرت وشاركت في الحوار الذي مرّ بهدوء، وإن كنت أشعر أنني لم أكن بالزخم والانطلاق الذي افترضت أن أكون عليهما. فطوال الوقت غلبني الشعور بأن علي دائماً الانتباه لأي تفصيل يصدر عني في هذا الموضوع. كنت أشعر بأنني متيقظة لكل ما يقال كما كنت أيضاً أترصّد هفوات أو عبارات ملتبسة من هنا أو هناك حتى ولو لم تُقَل صراحة.
مشاركتي في نقاشات أو نشاطات حول الوضع السوري اللبناني هو أمر سبق أن فعلته مراراً في السنوات الأخيرة. لكن ما جعلني أتوقف عند هذه الحكاية هو شعوري بذلك الثقل الكبير المستجد إزاء الخوض في مناقشة الالتباس اللبناني السوري الحاصل والإحساس بأن أي دعوة لحوار أو تواصل من هذا النوع قد تكون مغامرة شائكة خصوصاً مع ارتفاع منسوب التراشق والصدام في أوساط لبنانيين وسوريين حتى ممن يفترض بهم التصدي لاعتوارات تحيط بالعلاقة المعقدة بين الطرفين والتي باتت تنفجر على شكل أزمات كثيرة.
في الحقيقة، مررتُ كما مرّ غيري من لبنانيين وسوريين أعرفهم بمراحل مختلفة من الفهم وسوء الفهم أيضاً. فهذه السنوات التي شهدت توافد أعداد كبيرة من السوريين للإقامة في لبنان إما هرباً أو لجوءاً أو انتقالاً نحو بلد آخر ساهمت في تقارب واكتشاف وصداقات من ناحية وصدامات وسجالات حادة من نواحٍ أخرى. لعل السنوات الأولى من عمر ما بدأ كثورة كانت بمثابة الاكتشاف والتعارف والمصارحة، لكنها مع تصاعد الوضع ومع ضيق أفق الحل باتت مساحات الصدام أوسع..
فإلى جانب السياسة ومواقفها المتفاوتة والمريبة في أحيان كثيرة، بتنا نرى عبر «فايسبوك» و«تويتر» سجالات تتغذّى من حكايات يومية وتراكم عليها ما جعل طرح أي قضية خلافية لبنانية سورية بمثابة فتيل اشتعال جبهات لبنانية سورية بأكملها..
ليست هذه المداخلة لتكرار مواقف خيضت حول وضع اللاجئين الصعب أو الانقسام اللبناني حيال قتال «حزب الله» في سوريا أو القلق من دخول عناصر متطرفة على خط الداخل والتي كانت معارك عرسال الأخيرة بين الجيش اللبناني ومسلحين من «جبهة النصرة» و«داعش» حلقة خطرة من حلقاتها، بل أزيد أن أسباب القلق مشروعة وإن كانت معالجتها قاصرة وتنحو نحو تزخيم المشكلة لا احتوائها.
حتماً لن يكون بمقدوري وغيري من الأفراد العالقين في هذه البقعة من العالم التصدي لمشكلة معقدة من نوع الوضع السوري وانعكاساته الكبرى على لبنان، لكن عالمنا في النهاية يتكوّن من مجموعة من الأفراد مثلي ومثل آخرين الذين يشكلون مجتمعات صغيرة تتغذى من علاقات انسانية شخصية ومن تجارب وتفاعلات تراكم وتحدث معنى وقيمة ما.
الاقتراب من بعضنا بعضاً كأفراد كشف مساحات من المودّة ومن الاختلاف وقدم لنا نماذج لم نكن نعرفها بحكم المواقف المسبقة، لكنه في الوقت نفسه كشف ايضاً أن نظامين سياسيين واجتماعيين مختلفين أنتجا أفراداً مختلفين. الاقتراب من بعضنا بعضاً أغنى خبراتنا من دون شك، لكنه كشف أن عملية التعايش ليست بديهية وتحتاج إلى توظيف وإلى قبول متبادل بالاختلاف.
نعم هناك موقف مسبق لبناني ينمط السوريين..
كان هذا قبل بدء الثورة في سوريا واستمر الى بعد تحولها حرباً..
في المقابل هناك تنميط وعدم رضا سوري عن النموذج اللبناني..
ما يستحق أن نتصدى له كلبنانيين وسوريين افراداً هو ضرورة أن يقبل السوري لبنان بتاريخه الحديث وبنماذجه وأن يتفهم أزماته.. في المقابل، أن يسعى اللبناني لأن يفصل بين السوري الفرد والسوري اللاجئ وبين نظام استبد في سوريا قبل أن يستبد في لبنان..
لن يكون ذلك تحدياً سهلاً، فالشعور بأن الأفق مسدود يجعل من أي محاولة تقارب ونقاش مسألة فقدت جاذبيتها بعد كل ما حدث..
بالنسبة لي فإن هذا التحدي أمر أعيشه يومياً، أتقبل خيباته كما أحتفي بانجازاته، المهم أن لا نستكين للشقاء الذي يسعى كثر الى رمينا في أتونه..