لقد ضحّى أهالي عرسال كثيراً بسبب تضامنهم مع «الثورة السورية» لكنهم لم يقابلوا بالخلقيّة نفسها، بل حاول المسلحون جعلهم أسرى قرار المجموعات الارهابية، ودفعهم الى التصادم مع كل محيطهم، وتدمير منازلهم بسبب الاحتماء بها، وغيرها من التصرفات المشينة التي ارتكبت هناك.
بعد عرسال ثمّة مرحلة جديدة في العلاقات وفي الايواء والاحتضان وتوفير الدعم. تبدلت النظرة الى تجمعات اللاجئين، من نظرة الى مهجّرين محتاجين للمساعدة، الى مراقبة لتحركاتهم خوفاً من تحوّلهم قوة مقاتلة وارهابية تدمّر وتقصف وتخطف وتأسر.
لكن معالجة الأمور تحتاج الى رؤية وبعد نظر، الى المستقبل، والى الماضي أيضاً، لأن المستقبل هو النافذة لماض راكم خبراته، ولا يجوز عدم الافادة منه. في النظرة الهادئة للأمور، بعيداً من التشنج، نرى أن السوريين اللاجئين الى لبنان ليسوا مجموعة واحدة، بل يختلفون في السياسة الداخلية، وفي التصرف الأمني، وفي النظرة الى لبنان، وفي التعامل مع مسؤوليه. منهم من لم يخرج من منطق الوصاية، ومنهم من لا يعترف بالكيان اللبناني، ومنهم ارهابيون، ومنهم أيضاً لاجئون ينشدون السلام والطمأنينة والعيش الهانىء.
يهربون من جحيم الحرب هناك، ويتمنّون تمضية أيام هانئة مع ذويهم وأبنائهم، طمعاً في لجوء دائم، أو أملاً في معبر يقودهم الى دنيا الاغتراب، كما تعامل اللبنانيون زمن الحرب مع قبرص محطة الى بلدان الغرب.
من هنا يستوجب على اللبنانيين عدم النظر بعدائيّة الى كل سوري لاجىء، وعدم الاعتداء على أي سوري، حتى ولو كان مشتبهاً فيه، بل ترك الأمر للأجهزة الأمنية تقوم بدورها.
ان العلاقة التاريخيّة بين شعبين في بلدين مجاورين وشقيقين يجب ألا تداس بالأقدام لمجرد أن البعض تحوّل مجرماً. في النظر الى المرآة نرى أنّ بيننا مجرمين أيضاً، ارتكبوا مجازر بحق مواطنيهم في لبنان في زمن الحرب، ولم يحولنا الأمر جميعاً مجرمين. فحرام التعميم والأحكام الجاهزة. من هنا نقول: لا للعداء، ولا للاعتداء.