سوريون يحفرون ملامح بيروت

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 كانون الأول 14 4 دقائق للقراءة
سوريون يحفرون ملامح بيروت
© دار المصور هناك بيروت شارع الحمرا ومار مخايل وبرج حمود وقريطم حيث يعيش نشطاء سوريون وف ّنانون يعملون في الموسيقى والمسرح والكتابة
بيروت كانت حلماً يراود فنّاني سورية وكتّابها المتمرّدين على تراتيل جيل «طلائع البعث» و«شبيبة الثورة» ضمن النظام الشمولي «البعثي» في سوريا. هذه المدينة التي لا تفصلها عن دمشق سوى مسيرة ساعتين ونصف الساعة بالسيارة، كانت متنفساً للحلم، ومنصة للإبداع، و مجالاً لحريتهم المأسورة.
فذلك الجيل الذي لم يعش الحرب الأهلية اللبنانية، ولا يتذكر اتفاق «الطائف»، لم يرث التنميط الظالم تجاه اللبناني بوصفه «كارهاً» و«عنصرياً». كذلك كُسر التنميط المقابل من بعض اللبنانيين تجاه السوريين من خلال اعتبارهم كتلة واحدة «محتلّة» في شخصين: رجل أمن وعامل.
بيروت التي كانت «حلماً» للشباب الباحثين عن عمل بعيداً من قيود «بروليتارية» الاقتصاد «الاشتراكي»، كانت أيضاً ذاكرة جيل الشيوعيين واليساريين الذين عاصروا انقلابات عسكرية وحروباً صغيرة وكبيرة. وتعج ذاكرتهم بزمن جميل وأصدقاء قريبين فكراً وروحاً يتقاسمون معهم اليوتوبيا والأحلام ذاتها... ويناضلون ضد «عدوّ» واحد.
أيضاً، كانت بيروت نزهة المسؤولين السوريين وعائلاتهم. وقد لا تمتد أعناقهم إلى أبعد من بلدة شتورا أو مدينة زحلة في المقلب الآخر من الحدود، حيث المطاعم الفخمة والمحال التجارية المترعة ببضائع لا تصل إلى سوريا.
كذلك كان في بيروت، «الملهى الليلي» لأبناء المسؤولين والتجار الدمشقيين ورجال الأعمال، يجدون فيه مرتعاً وتمريناً لـ«التشبيح» المبكّر. كان هؤلاء يتركون دمشق مساء الخميس، فيقضون الليل في البارات والملاهي اللبنانية، يأكلون، يشربون، يرقصون، يعيشون حياتهم بجانبيها «الافتراضي» و«السرّي»، ثم يعودون مع بداية الأسبوع إلى «علبة الكبريت»، وكأن شيئاً لم يكن. وعندما خرجت القوات العسكرية والأمنية السورية من لبنان في العام 2005، صنع هؤلاء المتنفذّون «بيروتهم» في دمشق، واستوردوا باراتها ومقاهيها ومحالها وسياراتها ومصارفها... وعادات «بعضها».
ما هي الوجوه التي تقابل السوريين في بيروت؟
ثمة بيروت التي فتحت حدودها لمليون ونصف مليون لاجئ سوري هارب من القصف والدمار والكيماوي والخوف، ومن الخدمة الإلزامية في القتل، ومن السجن والتعذيب. تلك الـ«بيروت» كانت خِيماً عدة يقطنها أشخاص كثيرون لم تتأقلم أجسادهم بعد مع الحرارة القاتلة في الصيف والبرد القارس في الشتاء. وقبل أيام قليلة، توفيت طفلة في أحد المخيمات من البرد (هذا ما نعرفه).
يعيش السوريون القادمون من محافظات عديدة ظروفاً معيشية صعبة إلى حد يخفت فيه نبض القلب. مواد غذائية قليلة، ملابس قديمة، استسلام لرحمة «شاويش» المخيم الذي يصدف أن يكون سيء الأخلاق أحياناً ولا يفوّت فرصة للابتزاز والاستغلال. وهناك أيضاً، تحوّلت المرأة السورية أماً وأباً ومعيلاً، نظراً الى هشاشة الأزواج واستسلامهم للإحباط والقلق. ومن هؤلاء رجل فقد عقله، فراحت زوجته «تخدم» في بيوت قريبة.
وثمة بيروت المطلة على البحر، حيث الأبنية الإسمنتية الكئيبة رغماً عن الأضواء المتلألئة في واجهاتها الزجاجية. تلك الأبنية تعجّ بعائلات رجال الأعمال السوريين، ورؤساء أجهزة مخابرات، ومسؤولين موغلين في الدم السوري. ولكن بعيداً من الدم، تعيش تلك العائلات في انفصال كامل عما يجري على بعد أقل من مئة كيلومتر. فهي دفعت مبالغ طائلة لشراء تلك العقارات المكلفة، وحملت معها بيوتها بكل ما فيها من تفاصيل وكأن شيئاً لم يكن. وأبناؤها قد يقصدون عرض أزياء للمصمم اللبناني الشهير إيلي صعب، لكنهم يستثقلون زيارة المخيمات التي يقطنها سوريون. نضرب مثلاً ابنة مسؤول سوري جاءت إلى بيروت في بداية الثورة، وسجلت أبناءها في إحدى المدارس الفرنسية، وبعد أقل من شهر، «هربت» بأبنائها إلى مدرسة أخرى لأن الأهالي الذين تلتقي بهم صباحاً وظهراً على باب المدرسة، ينتمون إلى الطبقة الوسطى في لبنان، ويأتون من عملهم بثياب عادية متواضعة، ويحكون بأمور حياتية يومية لا تستسيغها ابنة الضابط التي كانت، حتى انطلاق الثورة، تعيش في سوريا وليس في باريس!
وهناك بيروت شارع الحمرا ومار مخايل وبرج حمود وقريطم حيث يعيش نشطاء سوريون وفنّانون يعملون في الموسيقى والمسرح والكتابة. هؤلاء حلموا طوال طفولتهم ومراهقتهم بالانتقال للعيش في هذه المدينة، وها هم يعيشون فيها، بعضهم لا يملك جواز سفر، وبعضهم يعيش قلقاً لاقتراب موعد انتهاء صلاحية أوراقه الثبوتيّة، وبعضهم ملاحق، وبعضهم اعتقل وتعرّض لضرب وإهانة. إنهم في الواقع مسجونون في هذه المدينة التي كان هواؤها يملأ صدورهم.
كذلك هناك بيروت الـ«سوبرماركت»، حيث يعمل صِبيةٌ كبروا في شوارعها، يحملون أكياساً ثقيلة، ويدورون فيها إلى بيوت اللبنانيين أو السوريين. وفي تلك الأكياس ما لا يستطيعون امتلاكه وأكله. إنهم يكرّرون تجربة العمال السوريين الذين عمّروا قصوراً وبيوتاً فارهة وينامون في الأقبية وغرف العشوائيات.
ماذا في بيروت أيضاً؟
هناك الشرخ الذي تحفره بين السوريين. تصوّروا صَبيّةً كانت تملك بيتاً وعائلة وسيارة بسيطة، وتعمل ممرضة في مستشفى بمدينة حلب، وها هي تعمل الآن خادمة في بيوت «أخوة» سوريين أثرياء بعدما قصف بيتها، وفقد زوجها عمله، ودفن والداها تحت الأنقاض. هي صَبيّة لم يبق لها ولملايين غيرها سوى ذاكرة قديمة... وأخرى تُحفر الآن... وثالثة حين تعود.
 
هناك بيروت شارع الحمرا ومار مخايل وبرج حمود وقريطم حيث يعيش نشطاء سوريون وفنّانون يعملون في الموسيقى والمسرح والكتابة
A+
A-
share
أنظر أيضا
01 كانون الأول 2014
01 كانون الأول 2014
01 كانون الأول 2014
01 كانون الأول 2014
01 كانون الأول 2014
01 كانون الأول 2014
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد