دور القانون الإنتخابي في تعزيز السلم الأهلي وبناء السلام

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 نيسان 18 6 دقائق للقراءة
دور القانون الإنتخابي في تعزيز السلم الأهلي وبناء السلام
© تصوير: عزيز طاهر
ممّا لا شكّ فيه أن مبدأ «دوريّة الإنتخابات»، يُعتبر من أهمّ المؤشّرات على انفتاح النظام السياسي وديمقراطية مؤسّسات الدولة في التعاطي مع مواطنيها. وبمعزل عن قضايا التلاعب والتزوير التي ترافق العمليّة الانتخابيّة، تدلّ دوريّة إجراء الانتخابات في موعدها المحدّد دستورياً، على أنّ السلطة السياسيّة تنطلق من مبدأ «استفتاء» الشعب على خياراتها السياسيّة والإقتصاديّة التي تحكمه على أساسها.
فالدول الديمقراطية تقوم على مبدأ حكم القانون والإحتكام إلى المؤسسات المنتخبة ديمقراطيّاً، أما الدول القمعيّة أو المتسلّطة فلا تُعير هذا المبدأ أي اعتبار إلا في ما ندر، لكونها لا تنطلق من مبدأ محاسبة الشعب للسلطة السياسية في صناديق الإقتراع. فهذه الدول تتميّز عن الدول الديمقراطية في كون الإستقرار السياسي فيها يقوم على قمع المعارضة أو إلغائها، تارة بحجّة تهديدها للإستقرار العام، وطوراً بحجة تهديد الأمن والسلم الداخليين. والنتيجة استقرار هشّ لا يتأمّن إلا من خلال قدرة السلطة السياسية على قمع الرغبات المجتمعيّة في التغيير السلمي لنظام الحكم.

ولا تعبّر دوريّة الانتخابات عن مدى الانفتاح الديمقراطي للنظام السياسي فقط، بل تساهم في تعزيز ثقافة المواطنة والحكم الرشيد. إذ تستطيع القوى المجتمعيّة تغيير الحكّام، في حال لم يُستجب لرغبات المحكومين، وذلك من خلال تطبيق مبدأ المحاسبة في الانتخابات. هذا فضلاً عن كون «المحاسبة» تجعل الحكام خاضعين لسلطة الناخبين المدنيّة، أي أنها نوع من «المساءلة» الدائمة في وضع السياسات العامة المناسبة.

كيف يؤثر النظام الانتخابي على الاستقرار السياسي؟
هناك إجماع عالمي بالمستوى الأكاديمي على أن «النظام الإنتخابي» المعتمد له تأثير مباشر على النظام السياسي والحزبي. فعندما يعتمد المشرّع «النسبيّة» لاختيار ممثّلي الشعب في السلطة التشريعيّة يكون الهدف بشكل أساسي تمثيل شرائح المجتمع كافة بحسب حضورها الشعبي. أما اعتماد النظام الأكثري فيهدف إلى تمثيل الشريحة التي تمتلك الأغلبية الشعبيّة لتسلّم السلطة التشريعية، وبالتالي تشكيل حكومة من لون واحد. أي عكس النسبيّة التي في طبيعتها تؤدّي غالباً إلى تشكيل حكومات ائتلافيّة تضمّ مجموعة معيّنة من الأحزاب قد تصل أحياناً إلى توافقات بين يمين ويسار الوسط. وعلى المستوى الحزبي، يُساهم النظام الانتخابي في تعزيز فرص فوز حزب واحد بالأغلبيّة كما هي الحال في بريطانيا مثلاً، التي تتمتع بنظام «الثنائية الحزبيّة». بينما تعزّز النسبية فرص بروز أحزاب سياسية عدّة وبعض الحيثيّات المناطقيّة والمحليّة، كما هي الحال في إيطاليا.

طبيعة النظام الإنتخابي اللبناني الجديد
بعد أكثر من 80 عاماً على اعتماد أنظمة إنتخابية قائمة على الأكثرية، حيث يفوز الحزب الواحد بكل المقاعد المخصّصة في الدوائر الإنتخابية المختلفة، أقرّ المشرّع اللبناني نظاماً نسبيّاً ستجري الانتخابات المقبلة على أساسه. فتجربة لبنان في السنوات العشر الأخيرة تُظهر مدى أهمية اختيار النظام الانتخابي المناسب، إذ تمّ تأجيل الاستحقاق الإنتخابي لأكثر من خمس سنوات بسبب عدم التوافق على نظام انتخابي يرضي الجميع.
صحيح أنّ النسبيّة التي سنختبر نتائجها في الربيع المقبل فيها «عدالة تمثيليّة» أفضل من النظم السابقة، إلا أنّ مستوى العدالة فيها سيكون في حدوده ما دون الدنيا. ومردّ ذلك، ليس إلى حجم الدوائر وكثرتها قياساً ببلد صغير، بل لكون بعض تلك الدوائر قُسّمت بدورها إلى دوائر صغيرة عدة، عنينا حصرية الإقتراع بالصوت التفضيلي على مستوى القضاء مثل دوائر: (صيدا-جزين، وصور-الزهراني، وبنت جبيل-مرجعيون، حاصبيا-النبطية، والشوف-عاليه، وكسروان-جبيل، والبترون-الكورة زغرتا-بشري، وطرابلس-المنية-الضنية). بل إنّ اعتماد الحاصل الإنتخابي كعتبة للتمثيل سيكون مرتفعاً جداً كونه سيتراوح بين 10 و20% من عدد المقترعين، ما يعني عدم تمكين القوى التي لا تمتلك تلك النسب من الدخول إلى الندوة البرلمانية. علماً أنّ عتبة التمثيل، كمقياس عالمي تكون دون الـ5% لتمثيل أكبر قدر ممكن من التوجّهات السياسيّة والاجتماعيّة. هذا فضلاً عن أنّ طريقة اعتماد الصوت التفضيلي، كما نصّ عليها القانون، ستؤدي إلى شدّ العصب الطائفي من ناحية، وجعل الزعامات المحلية صاحبة القرار في ترجيح كفة هذه اللائحة أو الأخرى. مع العلم أنّ الصوت التفضيلي الذي يُعتمد في نظام اللائحة المفتوحة يهدف إلى تسهيل تشكيل التحالفات السياسية، كون الناخبين هم من يحدّدون ترتيب المرشّحين على اللائحة عبر أصواتهم التفضيليّة، أي بخلاف نظام اللائحة المقفلة التي يقرّر الحزب القوي في التحالف ترتيب أسماء المرشحين على لائحته. ناهيك عن كون الإبقاء على طائفية المقاعد، كما هي الحال في لبنان معطوفة على الصوت التفضيلي، ستجعل المنافسة تمتد إلى داخل اللائحة الواحدة، الأمر الذي يؤدّي إلى عدم تسهيل تشكّل التحالفات الانتخابيّة المتجانسة.
إلى ذلك، لم يلحظ القانون الإنتخابي بشكل عام الإصلاحات الإنتخابية التي تعزّز حضور الشباب والمرأة في الحياة السياسية. فلم يتمّ اعتماد «الكوتا النسائية» لتمثيل النساء، ولا تخفيض سنّ الإقتراع إلى 18 سنة لتمثيل الشباب. بالتالي بقيت هاتان الفئتان الاجتماعيتان مهمشتين في صنع القرار داخل المؤسّسة التشريعيّة.

كيف ستؤثّر صيغة النسبيّة اللبنانيّة على الاستقرار السياسي والاجتماعي؟
لهذه الأسباب الآنفة الذكر بالإمكان القول أنّ النظام الجديد «شوّه» النسبيّة وجعلها أقرب إلى النظم الأكثريّة. كما أنه في الإمكان القول أنّ النسبيّة بشكلها الحالي المعتمد في لبنان، ليست في صالح القوى السياسية غير الممثّلة حالياً في السلطة، والتي لن تتمكن من الدخول إلى الندوة البرلمانية إلا بمقاعد لا يتخطى عددها أصابع اليد الواحدة. والتغيير الذي ستؤدي إليه النسبيّة اللبنانية سيكون ضمن القوى السياسية الموجودة حالياً في الحكم، بمعنى تعزيز حضور طرف سياسي على حساب آخر فقط لا غير.
ولكون الانتخابات النيابيّة تُعتبر فرصة للمواطن ولقِوى المعارضة لمحاسبة المسؤولين عبر صناديق الإقتراع، لن تسمح آليات النسبيّة المتّبعة لتلك القوى بتشكيل تحالف وطني عريض يمكّنها من حصد مقاعد وتشكيل كتل نيابية قادرة على نقل صوت «الإعتراض» من الشارع إلى الندوة البرلمانية. بل على العكس أظهرت التحالفات الانتخابية الحالية أن النسبية بصيغتها المشوّهة عزّزت التحالفات «البراغماتية»، القائمة على المصلحة في كسب المزيد من الأصوات، لا تحالفات انتخابية بين قوى متجانسة لديها برامج سياسية بديلة.

هل ستؤدي الانتخابات النيابية اللبنانية إلى تعزيز السّلم الأهلي؟
لقد أتت النسبيّة عملياً فقط لتكريس زعامات محليّة بديلة من تلك التي كانت تشكّل عصب السلطة في تاريخ لبنان الحديث. فعلاقات السلطة تلك وتوازنها لم تقم فقط على مبدأ تقاسم السلطة بين الطوائف، بل كانت الطوائف تلتحق بالزعامات المحلية المتجذّرة على كامل التراب اللبناني. وصحيح أنّ «الأحزاب» الناتجة من عصر الحداثة دخلت لبنان باكراً مع بدء تشكّل الدولة، إلا أنها بقيت دائماً على هامش تشكّل السلطة وإعادة صياغة مراكز القوة داخلها.
قانون الانتخابات الحالي الذي وصفه بعض المسؤولين بـ«الغريب والعجيب»، والذي كان نِتاج مفاوضات اللحظات الأخيرة، أتى ليُرضي الكتل السياسية الكبيرة من ناحية، والزعامات المحلية من ناحية أخرى. بالتالي، فإن الإنتخابات المقبلة ستبقي السلطة السياسية قائمة على أحزاب الزعماء التقليديين الذين استمدّوا قوتهم من التجذر المحلي أولاً والطائفي ثانياً. وستُبقى القوى الاجتماعية الجديدة على هامش تشكيل السلطة كما في السابق، فتبقى الساحة خالية للقوى التقليدية التي لم تستطع أو لم ترغب، بنقل البلد إلى الاستقرار السياسي والاجتماعي المطلوبين. فالصراع الطائفي الحالي سيبقى حاضراً كي لا نقول إنه سيتعزّز أكثر، طالما أن النسبية الحالية لا تساهم في بناء تحالفات سياسية عابرة للطوائف والمناطق ومبنيّة على أسس برنامجية.
ولكون السلم الأهلي الدائم يقوم على فضّ النزاعات من خلال مؤسسات الدولة، وعلى رأسها السلطتان التنفيذية والتشريعية، سيبقى الأخير رهن التجاذبات السياسية الحالية.

A+
A-
share
نيسان 2018
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد