حكايات سورية: لجوء آخر!

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 آذار 16 4 دقائق للقراءة
حكايات سورية: لجوء آخر!
© أنور عمرو
على طاولة مستديرة في أحد مقاهي العاصمة بيروت تجتمع ثلة من «النخبة» السورية، دورياً. اعتادوا على الموعد، كما المكان، بوصفه فسحة «نوستالجيا» تشاركية، بعيداً عن واقع اللجوء إلى لبنان، والمعاناة. يتذكرون بعضاً من سوريا، وكثيراً من الحميمية، ويسرحون في خيالهم بين الشوارع والأزقة والمدن.
عند الساعة العاشرة من كل يوم سبت تجتمع «الثلة». تتغير الوجوه. يضاف إليها، وينسحب منها. على مر الأعوام الخمسة الأخيرة كثر ممّن جلسوا على هذه الطاولة، في هذا المقهى، غادروا، وقلة بقيت في لبنان، فقط لقربه من الأراضي السورية، أو انتظاراً على أمل المغادرة. ما يجمعهم، وهم القادمون من مدن سورية مختلفة، ليس المعاناة، يعترفون بأنهم في لبنان يعيشون حياة جيدة إقتصادياً.


في الجلسة الأخيرة التي تختلط فيها المواضيع بين السياسية، والإرهاب، بين النظام و«داعش» والمعارضة، كان حديث مطوّل عن لبنان، وعن اللجوء إليه، وعن معاناة السوري في الخيم، وعلى الحدود، وعلى نقاط العبور. ثمة شعور واضح لدى كل من لجأ إلى لبنان، حتى وإن كان من «النخبة» – مع التحفظ الشخصي على التعبير - التي تتمتع بحد أدنى من القدرة الإقتصادية على الإكتفاء، بأن لبنان فشل في التعاطي مع الأزمة السورية، واستغلالها إيجاباً لمصلحته.
على هذه الطاولة، ثمة وجه آخر لانعكاسات الأزمة السورية على لبنان. لا يبدو المشهد شبيهاً بالمعاناة السورية، لا خيم هنا، ولا طوابير تنتظر بعضاً من مساعدات.. تأتي أحياناً، وتنقطع أحياناً، بانتظار أموال الدول والجهات المانحة.
من بين «الثلة» الحاضرة، مصمّمة مجوهرات. مع بداية دخول العامل العسكري والحربي إلى مدينة حلب، قررت باكراً تصفية أعمالها في المدينة، خصوصاً أنها كانت أسيرة الخوف من أي أعمال نهب قد تحصل. بسرعة جمعت كل ما تملك. توجهت إلى الحدود الفاصلة بين سوريا وتركيا. وعبر إحدى النقاط الحدودية تمكنت من الدخول إلى الأراضي التركية، بعد معاناة طويلة لتسوية أوضاع نقل ممتلكاتها. تسرد القرار الذي اتخذته. ليست المرة الأولى التي تقدم فيها روايتها على هذه الطاولة. تستمهل الحاضرين. تعتذر عن التكرار. وتكمل روايتها: خلال أسابيع قليلة قررت الانتقال إلى بيروت جواً، ومزاولة أعمالها من جديد. خيار بيروت بالنسبة إليها، كان مرتبطاً بالقدرة على إكمال ما بدأته في حلب في مدينة عربية أخرى، ومرتبطاً أيضاً بشؤون عائلية خاصة. تكرارها هذا كان للقول للحاضرين أن حضورها في لبنان أضاف إلى هذا البلد. هي تعترف بأن الأزمة السورية ألقت بثقلها على لبنان، لكن في المقابل ثمة بعض الإيجابية. وتشير انطلاقاً من حديثها الشخصي عن حالتها، إلى عشرات الحالات المشابهة، من رجال أعمال، وتجار، ومستثمرين، انتقلوا إلى لبنان.
على الطاولة ذاتها، سينمائي سوري، في بداياته المهنية. قرار التوجه الى بيروت بالنسبة إليه، كان محسوماً. توقّع مع بداية الأزمة السورية أن تتحول العاصمة اللبنانية إلى ملجأ فني وثقافي للسوريين. توقعاته أصابت. وحصلت، وفق ما يقول، قفزة كبيرة على صعيد الدراما اللبنانية تحديداً، بسبب الأعمال المشتركة، وبسبب الخبرات السورية التي وجدت في بيروت مساحة يمكن مزاولة النجاحات السورية فيها. يعود بالذاكرة إلى سوريا، أيام الدراسة، يقارن بين مساحة الحرية الممنوحة في لبنان ثقافياً وتلك التي في سوريا. وحدها المجالات التي تخضع للقطاع الخاص، مثل القطاع الذي يعمل فيه، نجح في تحقيق ايجابيات على صعيد التعاون اللبناني–السوري.
تتنوع النقاشات. تختلط بين العوامل الإقتصادية، والثقافية، التي يقولون إن لبنان فشل عبرها في تحويل انعكاسات الأزمة السورية، إلى عامل إيجابي، بدل إبقائه في خانة السلبية. يتشعب الحديث. يستلم الدفة من هم على تماس مباشر مع معاناة الغالبية السورية الموجودة في لبنان. اثنان من الحاضرين يعملان في حقل الإغاثة. بين بيروت والأراضي التركية يتنقلان دورياً. متطلبات العمل فرضت عليهما الحضور في لبنان. يشيران بإسهاب إلى انعكاسات إيجابية على لبنان في هذا الحقل تحديداً، بعدما تحول البلد الصغير إلى مركز ووجهة لعدد كبير من المؤسسات والجمعيات الدولية التي تعنى بهذا الشأن. يعتذران قبل فضّ الجلسة. يغادران صوب البقاع لإتمام عملهما، ونقل بعض المساعدات التي وصلت للتو عبر إحدى المؤسسات الدولية.
حتى سياسياً، وعلى الرغم من أن الحاضرين يحاولون دوماً عدم الخوض في هذه التفاصيل، إلا أن لبنان بالنسبة إليهم فشل في استغلال الأزمة السورية لمصلحته. السياسة بالنسبة إليهم بعد كل ما حصل في سوريا، أضحت كابوساً يؤرقهم. حالة من شبه الإستسلام للواقع السوري تسود أحاديثهم، وغالباً ما يرسمون صورة قاتمة حول مستقبل بلدهم، وسط انعدام الأمل. يشير أحد الحاضرين (يعمل في حقل الدراسات) إلى أن الواقع السوري أصبح حقيقة، فيما لبنان لا يزال قادراً على المبادرة، إن توفرت الإرادة.
يقفل سريعاً الحديث. لا مجال على هذه الطاولة سوى لفسحة من الأمل. غالباً ما يحاولون إبقاء الإيجابية حاضرة. تنتهي الجلسة. يهم من تحلق خلف الطاولة بالمغادرة. يفاجئهم أحد الأصدقاء، الذي أقام في بيروت لمدة ثلاثة أعوام، عاملاً في مجال التجارة، بخبر مغادرته نهائياً الأسبوع المقبل. الوجهة: فرنسا. والغاية: غد أفضل. بعض من الحميمية، والعناق، والقبل، واتفاق على أن تكون الجلسة المقبلة، جلسة وداعية..
A+
A-
share
آذار 2016
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد