لاجئون ومواطنون توحّدهم مأساة سبقت الحرب الأطفال المعوّقون في بيئة لا تحترم حاجاتهم

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 آذار 16 9 دقائق للقراءة
لاجئون ومواطنون توحّدهم مأساة سبقت الحرب الأطفال المعوّقون في بيئة لا تحترم حاجاتهم
الطفلة السورية ي.د. (13 سنة)، تعيش في خيمة مع ثمانية من أفراد أسرتها، غير المسجلين في لوائح «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» التابعة للأمم المتحدة،
ما يحرُمهم من التقديمات الأساسية من جهة، ومن صفة اللجوء من جهة أخرى. يحفُّ الجوع بالأسرة، المقيمة في مخيم يونين البقاعي حيث لا أحد من أفرادها يُعدّ منتجاً، ما أصاب أختها م.د بفقر في التغذية.
لدى ياسمين انحناء حاد في العمود الفقري، يتسبب لها بآلام مستمرة وصعوبات في الحركة. كانت تستطيع الوقوف والمشي على قدميها، لأداء مهمات منزلية مطلوبة منها، ما زاد من التقوّس في ظهرها. بالإضافة إلى سوء معاملة زوجة أبيها لها، وتلقيها أصنافاً من العنف اللفظي، فوالدها كان يرفض خروجها من الخيمة لأسباب «اجتماعية»، ما أدى إلى انعزالها التام في زاوية الخيمة، وتبوّلها اللاّإرادي، وخجلها من إعاقتها.
خلال زيارة ميدانية للمخيم، تعرفتْ إلى الطفلة إحدى العاملات الاجتماعيات، في «مشروع تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من التعامل مع الأزمة السورية» المنفّذ من قبل «اتحاد المقعدين اللبنانيين» في البقاع. فتم تحويلها إلى أحد برامج الهيئات الدولية لتأمين جهاز طبي لظهرها، إلا أن هذا الجهاز، بعد تأمينه، تسبب لها بآلام إضافية، واتضح أنه غير مناسب. وبعد تحويل ي.د من جديد إلى جلسات العلاج الفيزيائي بدت بعض ملامح التحسن المرحليّ عليها، إلا أن الفحص الطبي أظهر أنها بحاجة إلى تدخل سريع، فبالإضافة إلى الجهاز، هي بحاجة إلى عملية جراحية عاجلة، وبدونها يُعتقد أنها لن تتمكن من السير مجدداً. فإن تفاقمت لديها الإعاقة، هل سيكون بمقدورها التحرك على كرسي مدولب في مخيم؟ هل يمكن للعائلة اللاجئة تغيير مكان إقامتها؟ وهل البيئة المبنية ذات الاستخدام العام، للمواطنين واللاجئين معاً، ولدى الأسر التي استطاعت استئجار شقة سكنية، هي أفضل حالاً للأطفال المعوّقين؟
أرقام وحاجات
حالة ي.د. هي واحدة من 306 حالات رصدها المشروع المنفّذ من قبل «اتحاد المقعدين اللبنانيين»، وتدّخل مع 284 منها. والمشروع بجانبيه الإحصائي والإغاثي-الخدماتي، حاجة ملحة لمنطقة تضم عدداً كبيراً جداً من اللاجئين في ظل غياب إحصاء علمي لهم. فالأرقام المتوفرة من «المفوضية» عن محافظتي بعلبك-الهرمل والبقاع بشكل عام، تفيد بتسجيل 9342 معوّقاً، توزعوا وفق أنواع الإعاقة كالتالي: بصرية 1362 شخصاً (503 إناثاً، 859 ذكوراً)، حركية 1892 شخصاً (621 إناثاً، 1271 ذكوراً)، ذهنية 816 شخصاً (346 إناثاً، 470 ذكوراً)، سمعية-نطقية 1602 شخصاً (640 إناثاً، 962 ذكوراً)، إعاقات أخرى 3670 شخصاً (1257 إناثاً، 2413 ذكوراً). وبالتالي نحو 40 في المئة من اللاجئين المعوّقين الحاصلين على بطاقة «المفوضية» لم يتم تحديد نوع إعاقتهم، إما لعدم تخصص الاستمارة من جهة، أو لضيق سعة التصنيفات المحلية للإعاقة مقارنة بالتصنيفات المتبعة عالمياً، في زمن ما بعد الاتفاقية الدولية بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
لذلك، لا سبيل للوصول إلى اللاجئين المعوّقين، لاسيما الأطفال منهم، إلا عبر البحث عنهم في مخيمات ومراكز اللجوء، قبل تحديد الحاجات وإمكانيات التدخل لتلبيتها. وأظهر البحث أن معظمهم موجودون في مدينة بعلبك وجوارها، ومجدل عنجر وبرالياس والمرج (نحو 90 في المئة)، بالإضافة إلى توزع النسبة الأقل على بلدات علي النهري، وبريتال، وغزة، وجب جنين، والهرمل، وإيعات، وشمسطار، وتعلبايا، وتعنايل وتمنين.
لا يخفى أن البيئة المبنية في تلك المناطق، كما هي الحال في لبنان ككل، تغيب فيها التجهيزات الهندسية التي تحترم حاجات الأشخاص المعوّقين، سواء بحدها الأدنى كما نص القانون 220/2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوّقين في قسمه الرابع، أو بما يتلاءم مع النظام الشامل الذي تفرض احترامه الاتفاقية الدولية بشأن حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، والتي إلى اليوم لم يصادق عليها البرلمان اللبناني أو على بروتوكولها المرفق، على الرغم من مرور أكثر من تسع سنوات على صدورها.
ووفق منسقة «مشروع تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من التعامل مع الأزمة السورية» المنفّذ من قبل «اتحاد المقعدين اللبنانيين» سمر الطفيلي: إذا كانت البيئة المبنية ذات الاستخدام العام أو الخاص في البلدات والمدن كذلك، فكيف ستكون الحال في مخيمات نزوح تكاد تخلو من أي تجهيزات تخول الشخص المعوق من التحرك فيها؟ فالمعوقون السوريون لجأوا إلى بيئة مأزومة أصلاً، لا تلبي الحاجات الأساسية للمواطن المعوق، ولا تطبّق فيها حتى التشريعات المتعلقة بالخدمات الملحّة إلا استنسابياً، كما في خدمات الطبابة والاستشفاء، في ظل صعوبات في الحصول على الأجهزة التعويضية والمعاينات الطبية. أما معظم بنود القانون 220/2000 المتعلقة بالدمج التربوي والتعليم والرياضة والترفيه والسكن، والعمل اللائق... فلم يطبّق شيء منها منذ 16 سنة إلى اليوم.
رهائن المكان
تبيّن أرقام المشروع أنه تم التدخل مع 161 طفلاً في البقاعين الأوسط والشمالي (89 في المئة منهم دون 15 سنة، 37 في المئة منهم إناث) من أصل 284 لاجئاً، إذ يشكل الأطفال نسبة 57 في المئة منهم، ويتوزعون على الإعاقات الأربع (سمعية-نطقية، بصرية، حركية وذهنية)، بالإضافة إلى 19 حالة تعدد إعاقة. و75 في المئة من الأطفال يعيشون في خيم نزوح، والباقون في شقق مستأجرة أو أبنية تفتقد أدنى مقومات التجهيز الهندسي الملائم للإعاقات الحركية، والبصرية والذهنية، فهم في الواقع رهائن مكان لا يحترم حاجاتهم، بالإضافة إلى حاجات إضافية فرضها اللجوء من جهة، وأوضاعهم الصحية من جهة أخرى.
لكن، وإن كان التدخل مع الطفل المعوق يتضمن علاجات ومعينات طبية، إلا أنه لا يمكن عزله عن بقية الأطفال من لاجئين وغير لاجئين. وعلى الرغم من الصعوبة البالغة في ذلك، عمل المشروع على محاربة عزل الأطفال المعوّقين في لجوئهم، وفق الطفيلي، بالتوازي مع اللبنانيين والسوريين والفلسطينيين والعراقيين، أي نحو أربعة أضعاف عدد الأطفال المعوّقين السوريين، وذلك في إطار «برنامج الطوارئ» - قسم العلاجات التأهيلية، الذي يتضمن العلاج الفيزيائي، وعلاج النطق، والعلاج الإنشغالي، والمعينات الطبية.
فقد تم جمع معلومات دقيقة حول حاجات الأشخاص المعوّقين من خلال التقييم الميداني والإحالات من قبل الجمعيات والأطراف. وتم إجراء اتفاقيات مع الاختصاصيين وتدريب فريق العمل على معايير الإحالة لكل نوع من العلاجات، وتنظيم الآليات المتبعة في كل نوع لأفضل نتائج في متابعة تطور الحالة. بالإضافة إلى تحضير العيادات اللازمة والعيادة النقالة. وبذلك بات الأطفال اللاجئون جزءاً من عمل متكامل يتخطى الإغاثة والعلاج إلى دمجهم في نشاطات تدريبية وترفيهية. فكان لا بد من تدريب العاملين في معظم الجمعيات والمنظمات الإغاثية العاملة في البقاع على كيفية التعامل مع الأفراد المعوّقين، وقد تم تفعيل نظام الإحالة للرد على حاجات مختلفة تتخطى قدرة المشروع من المعينات الحركية، والعلاجات الطبية والصحية، والمتابعات القانونية (تمت إحالة 277 شخصاً حتى الآن وتجري متابعتهم للتأكد من حصولهم على الخدمة المطلوبة).
وعمل قسم الدعم النفسي الإجتماعي على تنفيذ نشاطات خارجية مجتمعية، ونشاطات دعم نفسي اجتماعي مختلفة للاجئين والمقيمين على حد سواء، بالإضافة إلى أنشطة ترفيهية للأطفال تدمجهم بالبيئة المحلية. وسبق ذلك تمكين وتدريب فريق العمل مع فريق من المتطوعين الذين سيقومون بتنفيذ النشاطات، مع التركيز على الأطفال والمراهقين، معايير حماية الأطفال في حالات الطوارئ، مراحل نمو الأطفال، التواصل، تقديم الدعم المعنوي للطفل والعائلة، الإعاقة والدمج، الاهتمام بالناجين من العنف. وتم تقييم الواقع النفسي الاجتماعي في الأماكن المستهدفة من خلال استبيان دقيق (عاطفي، نفسي، إجتماعي، سلوكي) وتحليل البيانات قبل وضع خطة العمل.
وتكمن الصعوبات أولاً، في التعامل مع نظرة المجتمع المتوارثة عن الطفل المعوق، وحرص بعض العائلات على إخفائه عن الأنظار، لاسيما إن كان أنثى، ما يجعل الطفلة أو المراهقة المعوقة تحت وطأة تمييز مزدوج، أولاً لكونها أنثى، وثانياً لكونها معوقة، فيساهم ذلك في تفاقم حالتها النفسية والسلوكية. ويساهم اللجوء وظروفه القاسية في حرمانها من حقوقها الأساسية، وغالباً ما يكون الحرمان منعها من الخروج من خيمة اللجوء في عائلات تكثر فيها البنات، وذلك كي لا تؤثر إعاقتها على «نصيب» أخواتها في الزواج. وربما تؤشر نسبة الوصول إلى 37 في المئة فقط من الإناث إلى جانب من ذلك التمييز. والتمييز تم رصده غير مرة عبر «مرصد حقوق الأشخاص المعوّقين»، بنسب مرتفعة في المناطق اللبنانية، بغض النظر عن مستوى دخل الأسرة أو معيشتها، فكيف الحال إن كانت الطفلة في خيمة لجوء؟
صرخة في واد
على الرغم من عدم مصادقة لبنان على الاتفاقية الدولية التي تزود منظمات الأشخاص المعوّقين بآلية رصد حسن تطبيقها، إلا أن تلك المنظمات لم تعدم وسيلة لإيصال صوتها إلى المنظمة الدولية، فأعدت تقرير ظل رفعته إلى المفوض السامي لحقوق الإنسان في إطار المراجعة الدورية بشأن امتثال لبنان للالتزامات المتعلقة بحقوق الأشخاص المعوّقين أو ما يعرف بـ«التقديم الدوري الشامل»، وهو تقرير يقدم بالتزامن مع عرض لبنان الرسمي لتقريره، وقد تم ذلك في جنيف مطلع تشرين الثاني الماضي.
أعدت التقرير منظمات «التحالف اللبناني للإعاقة» و«المنتدى اللبناني للإعاقة» وقدّمه «اتحاد المقعدين اللبنانيين» كجهة تنفيذية، وتضمن حقوق اللاجئين السوريين المعوّقين، وطالب بشملهم بتقديمات القانون 220/2000 والاتفاقية الدولية. وهذا التقرير، الذي عرضت توصياته في بيروت في كانون الأول الماضي بدعوة من «شبكة المنظمات العربية غير الحكومية»، لاحظ أن «استمارة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين غير متخصصة، ولا ترصد نوع الإعاقة ودرجتها، وتعتمد بدرجة كبيرة على أقوال اللاجئين أنفسهم (الإعاقة والحاجات) وليس على ملاحظة متدربين متخصصين». أما في التربية والتعليم فـ«يُحرم الأطفال المعوقون اللاجئون من البرامج التعليمية البديلة، في ظل عشوائية تقدم عبرها الخدمات التعليمية الرسمية والتعاقدية حيث يتركز اللجوء، وذلك بسبب غياب التجهيزات الملائمة، والمنهاج المكيف، والكادر التعليمي المدرب». كما أنه في الصحة والتأهيل «تم تقليص الميزانيات التي تغطي الطبابة والاستشفاء وعلاج الأمراض المزمنة والمستعصية إلى حدودها الدنيا تدريجياً خلال السنة الماضية، فيما لم تلحظ التقارير الدورية أعمال تأهيل متخصصة للأشخاص المعوّقين». وفي حق العمل «يُحرم اللاجئون من العمل، فيما يعتمدون على المساعدات المالية والعينية التي تقدمها لهم الجهات المانحة». في حين «يعيش معظم اللاجئين المعوّقين في مخيمات عشوائية تنعدم فيها التجهيزات الهندسية. فهم رهائن مراكز إيواء مرتجلة، أو مخيمات تفتقر إلى الحدود الدنيا من معايير السلامة والنظافة».
وطالبت المنظمات المعنية بالإعاقة بـ«تحديد درجة الإعاقة ونوعها والحاجات الإضافية للاجئين المعوّقين وفق استمارات متخصصة وموحدة، وضمان وصول ومشاركة الأطفال المعوّقين اللاجئين في البرامج التعليمية الرديفة، عبر تكييف المناهج تدريجياً من الصفوف الدنيا إلى العليا». بالإضافة إلى «اعتبار اللاجئين المعوّقين أولوية فعلية، في ضمان حق وصولهم إلى المراكز الطبية التي تتعاقد معها المفوضية، وتقديم العلاج الملائم لهم»، وكذلك «تأهيل اللاجئين المعوّقين ضمن برامج متخصصة، لاسيما أولئك الذين استجدت لديهم إعاقات جراء الحرب». كما طالبت بـ«تجهيز أماكن الإيواء وفق آلية التجهيزات الهندسية المتحركة، لضمان حق وصول اللاجئ المعوق إلى الخدمات بالتساوي مع اللاجئ غير المعوق».
المنظمات الحقوقية اللبنانية، تترقب شهر آذار 2016، موعد الجلسة الرابعة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وتطالب الدولة اللبنانية بإقرار كل التوصيات الحقوقية الـ219 التي وردت خطياً وشفوياً خلال المراجعة الدورية الشاملة، كونها تشكل الحد الأدنى المطلوب ولا يجب القبول بأقل منها. لكن الوقت يمرّ، والحكومة اللبنانية الحالية، شأنها شأن الحكومات المتعاقبة منذ إقرار اتفاق الطائف، تتجاهل تطبيق التشريعات المحلية والدولية ذات الصلة، ما يجعل نداءات المنظمات الحقوقية صرخة في واد.
أمّا المطالبة بحقوق متساوية بين اللاجئين من جهة، وبين اللاجئين والمواطنين من جهة أخرى، تعترضها بيئة غير مرحبّة، ومنطق غير حقوقي معاد لا يزال يحصر الطفل المعوق في النموذجين الطبي والخيري، وينظر إليه كمتلق للخدمة لا كإنسان تحق له المشاركة التامة في الحياة العامة، وعلى المجتمع أن يزيل العوائق التي تحول دون اندماجه. والأطفال اللاجئون المعوقون هم من الفئات الأكثر تهميشاً وإقصاء، إلى جانب النساء المعوقات وكبار السن، والبرامج التي تعمل على التدخل معهم تحتاج إلى الكثير من مقومات الصمود والاستمرارية لتراكم الجهود والخبرات مع بعضها البعض، على أمل ألا تمر سنة خامسة على اللاجئين وهم خارج ديارهم.
A+
A-
share
آذار 2016
أنظر أيضا
07 أيار 2020 بقلم آمال شريف، ناشطة ومديرة عامة لجمعية "حلتك"
07 أيار 2020
بقلم آمال شريف، ناشطة ومديرة عامة لجمعية "حلتك"
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد