الدراما السوريّة: أملٌ في حزنٍ يتحدّى الحرب و«فرنغات» الرأسماليّة

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 كانون الأول 18 10 دقائق للقراءة
الدراما السوريّة: أملٌ في حزنٍ يتحدّى الحرب و«فرنغات» الرأسماليّة
© مشهد من مسلسل «غداً نلتقي»
«إنّو شو يعني؟! نحطّ الحزن بالجرن ونقعد؟ لازم نعيش، ما لازم نزعل أبداً... كل شي من الله منيح»، هكذا تصبّر وردة (التي لعبت دورها كاريس بشّار) جارتها «إم عبدو»، قبل أن تنفجر «إم عبدو» بالبكاء... مخنوقة مخنوقة. تبكي وردة آلام الحرب السورية في مسلسل «غداً نلتقي»، كتابة إياد أبو الشامات ورامي حنّا وإخراج الأخير. وتبكي نزوحها وتضحك وتبكي وتتألّم وتتذكّر الحرب وتحبّ بصدق وتخجل وترقص. وردة هي الحزن الجميل والألم الذي يصادفه السوريّون جرّاء الحرب وعينان صادقتان لحالمة «تحبّ الحبّ». هكذا كان المسلسل (2015) يعبّر عن الحرب ومأساتها وانعكاساتها. الحرب السوريّة لم تطرق باباً إلاّ تاركة خلفه ما تحمله من فقدان، وموت، وعذاب، وتهجير، وألم...
تكبّدت الدراما التلفزيونيّة جزءاً من الوجع السوريّ بسبب الحرب، وعانت في كلّ مكان لجأ إليه صنّاعها، ودخلت كبوتها بعد محاولات - من هنا وهناك - تستمرّ حتّى الآن. إنّ دخول الدراما السوريّة في ركودها هذا ليسَ مفاجئاً ولا يستدعينا كمتابعين أن نستنكر أو نعلن موتها. إنّ الدراما نالت نصيبها الطبيعيّ من «الحزن السوريّ» ومن تعب سنوات حربٍ سبع. لا تستحقّ منّا إلاّ أن نتنظرَ عودتها كما انتظرنا مسلسلاتها سابقاً، من دون أن نثقلها بأحكامٍ وأن «ننظّر» على فنانّيها، بل لِنأملْ أن تتخلّص من حزنها ومن رأس المال المستغِلّ.
فرغم كلّ الآلام، لا يشدّ معظم رجال الأعمال في سوريا وخارجها سوى رأس المال وكيفيّة استثماره. إنّ الحرب في نهاية النهار - بتشتيتها وتهجيرها وتدميرها- هي مساحة يستطيع فيها رجل الأعمال إكمال عمل سابقيه أو اغتنام فرصة عثرة الدراما السوريّة. يقول إياد أبو الشامات، الممثّل السوريّ وكاتب مسلسلي «غداً نلتقي» و«تانغو»، إنّ صنّاع القرار في الدراما السوريّة بغالبيتهم هم أشخاص بعيدون عن المهنة وعن حاجاتها الحقيقيّة. وهذا غير مفاجىء في ساحة معركة ماديّة تهدفُ إلى السيطرة على سوق جديدة.
من ينتج الدراما السوريّة حاليّاً هم رجال أعمال وسياسة يتحكمّون بالمسلسلات - وبمضمونها تلقائيّاً - كسلعة تُباع وتشترى وتخضع لأهواء السوق لا الفنّ. الأمر هذا ليس بغريب عن أيّ قطاع إنتاجيّ وإن كان فنيّاً. ففي أواخر عقود القرن الماضي، بدأ القطاع الخاصّ بالدخول إلى مجال الدراما التلفزيونيّة وكانت الشركات لأصدقاء الحكومة السوريّة أو مقرّبين منها.
ما يختلفُ الآن هو أنّ بعد أحداث عام 2011 وخروج عدد كبير من الممثلين والمخرجين والكتاب وحتى المنتجين طوعاً أو قسراً إلى مدن قريبة أو مدن أوروبيّة، زادت أعداد شركات الإنتاج الصغيرة والمتوسّطة. وكان ذلك بحجّة إنقاذ الدراما السوريّة من مأزقها ودعمها للعودة إلى فترة التألّق؛ وأغلقت شركات كبيرة أخرى في المقابل.
«أنا بالأساس رجل أعمال... وصناعة الدراما هي أحد مجالات عملي. صار لازم نكون نحنا موجودين بالسوق تنعيد للدراما السوريّة ألقها»، هكذا يعرّف رجل الأعمال رضا الحلبي عن نفسه وعن عودته إلى إنتاج الدراما السوريّة مجدّداً عبر شركة «كت آرت برودكشن-Cut Art Production» التي أنتجت مسلسل «هوا أصفر». إنتاج الدراما هو «إحدى هواياته»، يزيد الحلبي بعد مؤتمر صحافي أطلق فيه «هوا أصفر» الذي فشل في أن يحقّق توزيعه وعرضه في رمضان الفائت، بالرغم من استخدام ممثلين لبنانيّين (يوسف الخال وفادي ابراهيم) إلى جانب سلاف فواخرجي ووائل شرف وفادي صبيح.
أصبح إطلاق الشركات شائعاً من دون أن تثبّت واحدة منها خطاها في هذا المجال حتّى الآن. وتظهر شركة «إيمار الشام» التي تأسست عام 2016 بإدارة باسم زيتون، عضو مؤسّس في شركتي هندسة وعقارات وعضو مجلس إدارة في «بنك سورية الدولي الإسلامي» الذي أوضح أنّ الشركة تأسسّت بهدف إعادة «ألق» الدراما السوريّة. أطلقت الشركة قناة خاصّة هي قناة «لنا» عرضت على شاشتها مسلسلها الأخير «الواق واق» ومسلسلات أخرى. يملك هذه القناة رجل الأعمال السوريّ سامر فوز صاحب الأصداء السياسيّة والذي يدخل بقوّة إلى العالم التجاري عبر شراءات ضخمة في سوريا وخارجها.
تأسّست «شركة سما الفنّ الدوليّة للإنتاج» في العام 2012 على يد رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب محمّد حمشو الذي تثار حوله مواضيع سياسيّة عديدة، من دون أن يكون قريباً من الدراما السوريّة كمهنة وفنّ. ومحمّد قبنض، مدير شركة «قبنض للإنتاج والتوزيع الفنّي» (تأسّست عام 2007)، هو أيضاً رجل أعمال ونائب في البرلمان السوريّ. وتأسسّت شركة «مايسترو للإنتاج الفنيّ» في العام الفائت بإدارة المهندس عزام عليان (ولا تبعد قصص السياسة عنه)، بالإضافة إلى شركات عديدة حديثاً ولا يملك معظمها أكثر من مسلسل في رصيدها الإنتاجيّ.
إذن، معظم شركات إنتاج الدراما في سوريا، والتي زاد عددها كثيراً، هي لرجال أعمال وسياسة يهدفون علناً إلى إعادة «ألق الدراما السوريّة»، فيما يطمحون إلى زيادة الربح الماليّ وترسيخ النفوذ السياسي الشخصي أو نفوذ نظام الحكم الذي يتبعونه. «الدراما عم تنشغل بفرانغات»، هكذا يعرّف أبو الشامات الوضع الحالي للدراما. أمّا من خارج سوريا، فتعملُ بعض الشركات، إمّا عبر مكاتب لها في بيروت أو الإمارات بهدف إنتاج مسلسلات تجدُ حصتها التسويقيّة خارجاً.
استنفدَ رمضان الدراما السوريّة كما استنفدتها الحرب، وأغرقها أكثر في دوّامة مصالحَ ماديّة (عرض وطلب)، وفي سباق كميّ لا نوعيّ، فاشتدّ الخناق عليها. أمرٌ صعبٌ جدّاً هو اشتراط المنتج تصوير مسلسل من ثلاثين حلقة في فترة 60 أو 70 يوماً، بحسب أبي الشامات الذي يرى أنّ ذلك «ضدّ العمليّة الإنتاجيّة والفنيّة ككلّ. وما كان سارياً قبل عام 2010 أصبح استخدامه للمنافسة اليوم صعباً، وبخاصّة أنّ خيارات المشاهدة عند الجمهور زادت وأصبح معظمه يشاهد Netflix».
تحضير أعمال سريعة للحاق بـ«السباق الرمضانيّ» يُضعف قيمة العمل الفنيّ السوريّ، وبذلك تجد معظم الأعمال نفسها خارجة من «السباق» قبل أسابيع قليلة من بدئه، كما الحال مع «هوا أصفر» ومسلسلات أخرى؛ منها ما تأجّل عرضه من العام الماضي كمسلسل «كوما» أو «سايكو» بطولة أمل عرفة وشراكتها الإنتاجيّة. وإنّ آلية التحضير الدراميّ، بطريقتها الماديّة تشتري قصّة معيّنة وتنتجها مستخدمة ممثّلين مشهورين أو «وجوهاً» معروفة وغالباً ما تطلق منتوجها عملاً رديئاً على المستوى الفنيّ.
وبعد العثرة التي وقعت فيها الدراما، استغلّت الوضع أيضاً المحطّات التلفزيونيّة. أصبحت هذه المحطّات تشترط قبولها مسلسلات معيّنة وترفضُ عرض هذا المسلسل أو ذاك إذا كان عملاً سورياً كاملاً. أمّا في حال وافقت إحدى الإذاعات على عرض مسلسلات سوريّة، «فهي تفضّل ألاّ تكون الأعمال شديدة الواقعيّة أو تتناول ظروف الحرب»، كما يصرّح أبو الشامات. ويضيف: «هناك محاولة لتتفيه المحتوى الدراميّ. إنّه اتفاقٌ ضمنيٌّ على ما يبدو بين السوق والمحطات برفض الأعمال الجدية وطلب ما يسلّي الناس. هذا ما فُرض علينا كعاملين في هذه المهنة، فإمّا أن نتجاوب وطلبات السوق وإمّا أن نبحث عن مهنة أخرى».
لا سوق دراميّة خاصّة بسوريا ممّا يجعلها بحاجة إلى محطّات خارجيّة. ولذلك، لم تغب السياسة عن مشكلة عرض الدراما السوريّة عربيّاً، خاصّة بعد الحرب. فتخلّت المحطّات الخليجيّة عن عرض الدراما السوريّة وذلك كموقف وردّ سياسيّ على النظام في سوريا. لم تستمرّ عمليّات العرض والإنتاج إلاّ في الإمارات حيث يتدفّق رأس المال وتعرض إذاعات دبي وأبو ظبي بعض الأعمال السوريّة وأحياناً التي تنتجها كمسلسل «المهلب». ومع هذا، لا تعتبر المسلسلات المنتجة هناك سوريّة، فمثلاً ترشّح مسلسل «بانتظار الياسمين» (2015) بفريق عمل سوريّ بحت إلى جائزة عالمية كمسلسل إماراتيّ (إنتاج شركة «إيبلا»).
قلّت فرص عرض الدراما فأصبحت تحاصَر على صعيد الإنتاج والتوزيع والعرض. ومن الأعمال الدراميّة التي أطلقت خارج سوريا، كان لبنان حاضراً في غالبيتها إمّا تصويريّاً وإمّا إنتاجيّاً بحيث شارك ممثلون سوريّون في مسلسلات من إنتاج لبناني، من دون أن يعتبرها كاتب «تانغو» محسوبة على الدراما السوريّة.
في لبنان، حاول فنانون سوريّون التعبير عن مشاعرهم ومعاناتهم وعن وجع الحرب والنزوح وآلامه من خلال أعمال مسرحيّة وموسيقيّة مستقلّة في معظم الأحيان. ليس المهمّ عدد تلك المحاولات أو تفاصيلها الفنيّة، بل وجودها بحدّ ذاته.
يشارك ممثلون سوريّون في مسلسلات لبنانيّة عديدة، فنرى مسلسلات «جوليا» و«طريق» و«الهيبة» بجزأيها هذا فضلاً عن مسلسلات سابقة كان أبطالها عابد فهد وتيم حسن وغيرهما. «الظرف الإنتاجيّ أفضل، إن من حيث عدد أيّام التصوير أو الإمكانيّات الماديّة، ولديها فرص توزيع أفضل ونسب مشاهدة أعلى»، هكذا يصف كاتب مسلسل «تانغو» المُنتج لبنانيّاً (شركة «إيغل فيلمز») الأعمال المشتركة. ويزيد: «غالباً ما ينقصها العمق الذي قد نصل إليه في حال كنّا ننتج دراما سوريّة في ظرف أفضل... في الدراما المشتركة، نكتفي بالتوضيب».
الدراما اللبنانيّة ليست في وضع أفضل من الدراما السوريّة إلاّ على صعيد رأس المال المُنتج، وللأسف هذا ما يربح في سوق اليوم. ما يهمّ شركات الإنتاج اللبنانيّة هو شراء نسب المشاهدة بنصّ وتمثيل رديئين غالباً، معتمدة على عنصر التشويق. الدراما ليست بعيدة عن السياسة والطبقات واعتبارات رأسماليّة كما الحال في سوريا، لذلك فهي تمثّل طبقة معيّنة في لبنان، قد يكون أكبر قضاياها التقارب الدينيّ الإسلاميّ - المسيحيّ من دون التعمّق في تفاصيله حتّى. الأعمال الكوميديّة ليست أفضل.
«الفائدة مشتركة» كما يرى أبو الشامات، فالدراما المشتركة (وهي أقرب إلى اللبنانية بالنسبة إليه) منفذ للفنّان السوريّ الذي يريد حفظ مكان له في الدراما، «إلى أن تعيد الدراما السورية ترتيب أوراقها». ولكن هذه المشاركة ساهمت في تحسين الدراما اللبنانيّة إن من حيث ظهور ممثلين فيها يملكون قدراتٍ فنيّة عاليّة، وإن من حيث قصص ذات حبكة أفضل ممّا كان سائداً. ولكنّ الأعمال المشتركة لن تبقى سوى «حلّ مؤقّت».
«تانغو» (إخراج رامي حنّا)، هو بالنسبة إلى كاتبه «مسلسل تلفزيونيّ هدفه المطلوب كان أن يحقّق نسب مشاهدة عالية. تانغو هو قصّة غير ذاتيّة ولا يمكن أن أسمّيَه مشروعاً دراميّاً. هو مسلسل حاولنا أن نكون أمينين على مادّته وأن نصنعه بسويّة فنيّة مقبولة». يبتعد المنتجون عن قصص الحرب ومعاناة السوريّين وحياتهم اليوميّة، وبهذا يُبعدون صنّاع الدراما عن التعبير عمّا يجنحون إلى كتابته تلقائيّاً بفعل الحرب ويوميّاتهم المصطحبة للحزن والمعاناة. هذه المواضيع تصبح «وجع راس» لكل الجهات المنتجة بتعبير أبي الشامات.
غابت أعمال كثيرة تحملُ «الحزن السوري» في طيّات حلقاتها، ولكن ظهر بعض منها في العلن ليكون أجملها فنّاً ومضموناً «غداً نلتقي». ومن الطبيعيّ أن يُنتجَ عملٌ جميل لم ينطلق سوى من محاولة صادقة. يصف كاتب «غداً نلتقي» عمله بأنّه «كان رغبة ذاتيّة جداً في التعبير عن واقعنا كأشخاص. قمنا بمشروع نعيشه ونعيش تفاصيلَه وتداعياته ومشاعره وآلامه. فهو كان مشروعاً ذاتيًّاً جداً وخاصّاً بنا وبالسوريّين... فتعاملتُ معه كفيلم سينمائيّ». هذا الفرق بين الدراما السوريّة وبين دراما لبنانيّة مشتركة يهدفُ إلى أن يتابعها عددٌ كبير من دون خوض قضيّة أو قصّة واقعيّة.
في مقابل المشكلات المذكورة، يضع معظم العاملين في الدراما لوماً كبيراً على كتّابها. ففي ندوات داخل سوريا يقوم بها ممثلون مثل دريد لحام ومصطفى الخاني (عام 2017) مع وزير الإعلام بالإضافة إلى مقابلات مع فنانين سوريّين، يُتهم معظم الكتّاب الحاليين بضعف القصّة.
الحرب لا تفرضُ معايير معيّنة، بل فيها تختفي كل المعايير وتفتح بخرابها فرصاً للاستغلال بطريقة واعية أو بطريقة بريئة. فكما يكتنز رجال الأعمال فرصة السيطرة، يصعد عدد كبير من الكتّاب ليفرضوا مكاناً لهم في ظلّ تضعضع النصوص وغياب الكتّاب القدامى. هذا في ظلّ صدمة حرب لم يتمّ استيعاب نتائجها بعد كي ينتظر أحدٌ الشفاء منها. إنّ معظم كتّاب الدراما الشباب، برأي أبي الشامات، يقدّمون أعمالهم من دون إلمام بعناصر كتابتها، فهُم يكتفون فقط بفكرة لقصة «ومتى أصبح الكاتب يعرف كيف تقسّم الصفحة، يبدأ فوراً بكتابة المشهد الأوّل. وهذا ما أدّى بالدراما السوريّة إلى هذا المكان. أمّا الكتّاب الذين يعرفون تقنيّات المهنة فمعذورون».
لن يتحمّل الكتاب الآخرون الجزء الأكبر من المسؤوليّة. وعمل الكتّاب خصوصاً لم يكن سهلاً حتّى قبل سنوات الحرب، هذا باعتراف ممثلين وكتاب ما زال عدد منهم يدعم الحكومة السورية حتّى الآن. فهم يعتقدون أنّ الكاتب يعرف الخطوط الحمراء ويحاول ألاّ يتخطاها. وعن وضع كاتب الدراما يقول إياد أبو الشامات: «الكاتب معذورٌ فهو يمشي بين مسارات ضيّقة رقابيّاً ولديه مجموعة معادلات عليه أن يوازن بينها في عمله بين إرضاء المحطّة الخليجيّة وضميره ككاتب ورغبته الفنيّة في أن يقوم بعمل نوعيّ، في حين أنّ المنتج يطلب منه ألاّ ينتقي خيارات ضيّقة أو إشكاليّة. فما يهمّ المنتج هو التوزيع».
لم تفارق الضغوط الرقابيّة أو السياسيّة الأعمال السوريّة خلال الحرب وحتّى قبلها. ومعظم المسلسلات يخضع لأهواء الرقابة أو لشركات الإنتاج، ولكلّ مسلسل (أو معظم المسلسلات) الجريئة حكايةٌ في الخلفيّة ومصالح سياسيّة وماديّة مع سيطرة أكبر للأولى. والآن، لا يختلف الوضع سوى أنّه يخضع لضغوط الأسواق التي تبتعد عن معاناة السوريّين وبالتالي تعتبرها سلعة لا طلب عليها، وضغوط المنتجين الجدد، أولئك الذين جمعوا رأس المال والسلطة ليدخلوا عالماً يرون فيه فرصة ربح جديدة، وتمرير رسائل -هنا وهناك- لا رسائل دراميّة واقعيّة.
إنّ الحربَ ما زالت تترك حزناً خلفها في بلدان النزوح وفي كل الظروف التي يعيشها السوريّون، ولكنّ الحزن هذا لن يترك الدراما من دون شغف في النهوض من الكبوة. الحربُ -بمراراتها- ولّادة شيءٍ جميل، وشغفٍ وسعيٍ إلى أن يلتئم الجرح.
 
 
لن تنتهي هذه الدراما بالنسبة إليّ وإلى مشاهدين متحمّسين للجمال الحزين المنتظر ولكاتب «غداً نلتقي» الذي يرى أنّ كبوة الدراما هي مراجعة ذاتيّة لها ولصنّاعها وأنّ مسألة نهوضها هي «مسألة وقت لا أكثر»، وأنّ الأزمة الدرامية ستنتهي «لأنو في مواهب كتير، في ناس عندن هاد الشغف، في أرضية منيحة». حلّ الدراما يأتي عندما تبدأ الناس بالسؤال عن حلّ الدراما، على حدّ قول الكاتب، ويترافق هذا مع إيجاد سوق سوريّة تبعد الارتهان لرضى هذه المحطّة أو شفقة لتلك.
سننتظرُ، ولهذا نعيشُ أحياناً، أن يمضي الوقت وتعود الدراما السوريّة تحاكي حزنها والشغف الذي تخبّئه الحرب في نصوص لا بدّ من أن تأتي. وفي انتظارنا أملٌ اعتياديّ، وحلمان، صغير وكبير: أن تُصعد الدراما من بين الممرّات الضيّقة ومن معاناتها ما يواسي مسيرتها، وأن تأخذ من النظام الرأسماليّ رأسماله وتعملَ ضدّه، أي تُطلق العنان لما يُمليه شغفها وحزن الحرب من دون خضوع.
A+
A-
share
أنظر أيضا
01 كانون الأول 2018
01 كانون الأول 2018
01 كانون الأول 2018
01 كانون الأول 2018
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد