لكننا ننظر بأسف وأسى كبيرين أيضاً الى حال المجتمعات اللبنانيّة، التي تكشّفت مع حركة اللجوء المستمرة والمرشحة ربما الى تزايد مع استمرار الحرب الطاحنة في سوريا.
انقسم اللبنانيون، كما حالهم دائماً، حول اللاجئين. قسم يدعم الثورة والثوّار ويرحب بلاجئي المعارضة السورية، وصولاً الى المقاتلين والجرحى منهم، ولا جواب لديهم طبعاً عن مصير هؤلاء الجرحى بعد شفائهم، وهذه حال تيّارات "أهل السنة" تحديداً.
وقسم آخر يستقبل اللاجئين من الموالين للنظام السوري، ويخص بالاهتمام الشيعة والعلويين، فيوفر لهم المأكل والدواء والرعاية، وربما التدريب العسكري، لاصطحابهم الى ساحات القتال مجدداً.
وقسم حائر في أمره، ما بين رفضه النظام السوري القائم، وخوفه من الحال الضبابيّة، الميّالة الى سيطرة اسلامية سلفيّة، تقرب من تنظيم "القاعدة" ولا تقبل الاّ بما يشبهها، ليس فقط في الدين والمذهب، وانما في الأداء المتطابق والفكر الواحد الالغائي، وهذه حال معظم المسيحيين في لبنان.
هكذا وجد اللبنانيّون مادة جديدة للانقسام، والتباعد، والخلاف، وبرز الأمر الى العلن، فلم يعد أحد يخجل من التدخل في الشؤون السورية، كأنه ردّة فعل لا واعية على التدخل السوري الفاضح زمناً في لبنان، قبل أن يستتر في الأعوام الأخيرة خلف الحلفاء والأزلام، أو كأن لبنان الذي "اعتاد" الوصاية بات ينشدها مرة بعد مرة، ويرجو السوري أن يعيد الكرة.
في كل مرة، يتأكد، أننا في لبنان، مجتمعات تنشد العيش المشترك، ولا تؤمن بالعيش الواحد في ما بينها. وتطفو الى العلن، نقاط الخلاف والتباعد، وهي كبيرة وعميقة، وأما المشترك الذي يجمعها، وهو كثير وكبير أيضاً، فتعمل الجماعات على محوه، أو طمسه، لئلا يتفرّق العشاق من حول الزعماء، وهم بمعظمهم زعماء ميليشيات، كانوا في ما مضى "قادة محاور"، وحوّلونا مرات عدة نازحين في بلدنا ولاجئين مهجّرين الى بلاد الله الواسعة.