عن الارواح التي ترجو ربّها أن يأخذَ وديعته لترتاح أيها العالم الحرّ.. أولادنا يتناولون وجبة واحدة وينامون في العراء فهل تسمع ؟!

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 حزيران 13 5 دقائق للقراءة
عن الارواح التي ترجو ربّها أن يأخذَ وديعته لترتاح أيها العالم الحرّ.. أولادنا يتناولون وجبة واحدة وينامون في العراء فهل تسمع ؟!
هل تنسيهم الضحكة ما عانوه في بلادهم من قصف وخوف ودمار؟ (تصوير: بومدين الساحلي)
.. لم يتجاهلني حَمَد في المرة الثانية لسؤالي، لكّنه اكتفى بالإشارة إلى قدميه، كان يلبس حذاء بلاستيكياً رخيص الثمن، يتفرّج على اترابه يلعبون ويصرخون من دون أن يشاركهم لهوهم، أخبرتني إحدى قريباته أنه على هذه الحال منذ أيّام، عندما جاء ذلك المُحْسِن حاملا كيساً من الأحذية ووّزعه على عائلات المخيّم، وأردَفتْ " يخاف أن يتّسخَ ويخربَ، هو بقي من قبل أكثر من شهرين حافياً".

هنا مخيّم (x)، واحد من المخيمات الكثيرة التي تنتشر في السهل الحدودي الممتدّ بين شرق نهر العاصي وأقدام السلسلة الشرقية شمالي بلدة القاع، لم ينتبه أحدٌ بعد لتسميتها أو ترقيمها، لكنّ ذلك ليس ببعيد إذا طالت الحرب في سوريا، عددٌ منها نُسِبَ لصاحب الأرض التي يقوم عليها. هنا يعيش أبو حسن الهارب من أقصى البلاد المنكوبة، من دير الزور، ثلاث عائلات في خيمة واحدة أو كما يدعونها " برّاكِيَّة "، عائلته وعائلة ابنه وعائلة أخته، ثمانية عشر نفراً بالتمام والكمال، يأكلون ويشربون ويعيشون وينامون في مساحة لا تتجاوز الثلاثين متراً مربّعاً، يشتركون مع خيمتين أخريين في حمّام ترابيّ واحدٍ مفتوحٍ على السماء، مساحته متر مربع واحد، مصنوعٌ من أكياس القنّب المنتصبة على أربعة أعمدة مورين خشبية، ولا حاجة أكثر لتبيان مصير خرائهم اليومي، لكنهم استقلّوا عنهما بمكان خاص للاستحمام يشبه تماماً حمّامهم الآخر ويفترق عنه بوجود سطل ماءٍ وطاسةٍ دائمين.

هربت عائلة أبي حسن من اتون الحرب السورية قبل سنة، هو تأخر عنهم ثلاثة أشهر أملاً في حصاد موسم الحنطة وبيعِهِ، لكن الاشتباكات التي دارت بين جيش النظام وجبهة النصرة حَرَمَته ذلك، فاستدان من قريبٍ له مبلغاً من المال ليتسنى له الاجتماع بعائلته في رحلة النزوح. هناك التحق الجميع بأقرباء لهم في المخيم، يوضح أبو حسن "هي المرة الأولى التي نأتي فيها إلى لبنان، صحيح أننا فقراء لكننا لم نعمل يوما عند احد، أرضنا وأرزاقنا وبيوتنا هناك، نحن مزارعون أباً عن جد".

لم يستطع أبو حسن الحصول على بطاقة النازحين الصادرة عن الأمم المتحدة له ولأفراد عائلته، كذلك حال أخته وعائلتها، أما ابنه حسن فكان سعيد الحظ "ربما لأنني وصلت قبلهم بشهر" كما يوضح، يروي الوالد "سقطنا في الامتحان امام اللجنة التي قابلتنا في عرسال، وذهبنا للتسجيل في زحلة فردوا علينا بانهم سيخبروننا لاحقاً بموعد الامتحان الجديد وها نحن ننتظر منذ أشهر، مشوار زحلة كلفني مائة وخمسين دولارا آجار نقليات ذهاباً وإياباً،  يقولون أن هناك خطاً ساخناً للاتصال، حاولنا مئات المرات ودائماً مشغول، يحكي البعض أن هناك من يبيع أرقام الحجز بأربعين الف ليرة لبنانية، لقد تعبنا". بطاقة حسن تتيح لكل فردٍ من عائلته الحصول على مبلغ 40,500 ل ل شهرياً، كذلك على كرتونتين تحتويان على مواد غذائية وتنظيف، حجمهما تراجع في الأشهر الاخيرة يؤكد حسن، كذلك يتمتعون بتغطية استشفائية.

يدفع ابو حسن مبلغ مائة دولار شهرياً لصاحب الأرض بدل إيجار وماء وكهرباء، أما الخيمة التي يسكنون فيها فهي لرجل لبناني يَضمَنُ بقية الأرض المجاورة ويزرعها موسميّاً، هو " قدّمها لنا مجاناً لكنه طلب منّا مؤخراً إخلاءها الشهر المقبل بداية موسم البندورة لأنه سيحوّلها خيمة توضيب، المشكلة ان سعرها البيعي المتداول مليون ليرة لا أملك منها قرشاً واحداً" كما يفيد أبو حسن . بِكْرُهُ واثنان من أبناء أخته هم وحدهم القادرون على الانتاج، يُتقاضون يومياً سبعة وعشرين الف ليرة لقاء خمس ساعات ونصف ساعة من العمل في المشاريع الزراعية المنتشرة حولهم أي حوالي دولاراً للساعة الواحدة، وطبعاً يتخلل ذلك الكثير من العطل بسبب وفرة اليد العاملة الناتجة، فالنزوح كثيف لاسيما مؤخراً من القرى الحدودية التابعة لريف القصَيْر. البطاطا وجبة دائمة وتكاد تكون الوحيدة طوال النهار، يدخلها بين حين وآخر بعض الارز والبرغل والعدس من حصة حسن التموينية، أمّا اللحم فلم يعرفْ طريقه بعد إلى طنجرة أم حسن الواسعة، الولد الذي يضربه الجوع خلال بقية اليوم يحيلونه للخبز المبلول بماء وسكر، الأخير يحتوي على سعيرات حرارية عالية لزوم لَعِبِه. في بعض الأحيان يحمل حسن معه كيلوغرامات عدة من المحاصيل الزراعية التي يعمل على قطافها، كالفول الأخضر مثلاً، فتتغيّر وجبة اليوم، هو يقول إن الفواكه تصبح متوافرة بدءاً من موسم نضوج المشمش بسبب غياب تصريفها، ذلك يدفع بعض اصحاب البساتين للسماح لهم بقطافها كما حصل في الصيف الماضي .

أولاد خيمة أبي حسن، كما بقية أولاد المخيم، لا يعرفون المدارس منذ قدومهم من سوريا، يلعبون ويلهون ويضحكون في فسحة تتوسط الخيم، يحكي أبو حسن أنه لو توافرت خيمة زائدة لجرى تحويلها إلى صفٍ تديره إحدى قريباته الجامعيات النازحات، عموماً هو وغيره ما عادوا مهتمين بعلمهم، همهم الوحيد تأمين ما يلزم من ضروريات العيش، يؤكد أنه لم يحصل منذ وصوله إلاّ على مدفأة وكرتونة مواد غذائية من دولة قطر، عدا ذلك يتحدى أن يثبت أحدٌ العكس. يقصد أبو حسن وعائلته مستوصف " الأب اليان " في بلدة القاع القريبة حيث يحصلون على بعض الخدمات الطبية المتوافرة، ويحيل أمره على الله في ما لو احتاج أحدهم يوماً دخول مستشفى.

يبدو الرجل السبعيني متعباً ومحتاراً، يتذكر أحوال عيشهم في الشتاء الماضي وكيف اقتلعت العواصف الحمّام مرات عديدة فيقطف دمعته قبل نزولها، يردد " صحيح أننا عشنا فقراء لكننا أهل كرامة، جُبِلْنا بالتعب والعرقِ لكننا لم نُجْبل بالذل، إذا بقيت الأحوال على ما هي عليه سأعود إلى قريتي وبيتي لأموت هناك لأن ذلك أشرف بكثير من أن أموت ذليلاً هنا ".

لكن السؤال الذي لا يعرف أبو حسن جواباً له بعد : هل بقي بيت لك هناك ؟!...    
A+
A-
share
حزيران 2013
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد