تذهب فاطمة حالياً الى المدرسة مع اخوتها، وباتت تحدّث اصدقاءها الجدد عن قريتها التي اشتاقت اليها، وترغب في العودة الى منزلها ومعرفة مصير أترابها واصدقاء وزملاء دراسة لا تعرف ماذا حلّ بهم.
مأساة العائلات المشرّدة
اكثر من 300 شخص وصلوا في ذلك اليوم الى قرية حنيدر، ويشير علي العلي الذي قام بإيواء احمد والد فاطمة وافراد العائلة المؤلفة من 13 فرد، معظمهم اطفال، لتعيش العائلتان في منزل واحد على مدى شهرين كاملين. 24 شخصاً تقاسموا معاً رغيف الخبز، ذلك ان عادات العشائر وتقاليد ابناء القبائل العربية تحتّم عليهم اغاثة الملهوف واستقبال الضيف ايّاً يكن لونه أو دينه، فالمسألة بالنسبة الى ابناء وادي خالد هي اكثر من واجب انساني.
ويلفت العلي، وهو مزارع كان يعمل في التجارة عبر الحدود الى أن "الهمّ الاساسي كان محصوراً في توفير مأوى لهذه العائلات التي لم تعد تملك شيئاً. فجرى توزيع أفرادها على منازل القرية الـ 65 ، في حين تمّ ايواء البعض منها في احدى قاعات مسجد البلدة ولا تزال تسكن فيه. وقد قدمت العائلات اللبنانية في بادىء الأمر، كل ما في مقدورها لاغاثة العائلات السورية التي توافدت تباعاً الى منطقة وادي خالد، ومنها قريتنا حنيدر".
ويشير الى أنه "في حال استمر الوضع على هذا المنوال، واستقدم أحمد شقيقه محمد مع افراد اسرته التي تتألف من 12 شخصاً، فإن منزلي سيضم ما يقارب الـ 36 شخصاً تقريباً، علماً أنه ضيق وبالكاد يؤويني مع عائلتي. لذلك، قررنا أن نعيد تأهيل غرفتين في جوار منزلي كنت استخدهما للتبن والعلف للماشية التي أربّيها، وهكذا حصل. ففي هاتين الغرفتين، يعيش حالياً احمد وشقيقه محمد مع 25 شخصاً !".
ازاء هذا الواقع المأساوي، يقول احمد الذي تحمل وتعابير وجهه الكثير من الالم ازاء الوضع الذي تعيشه عائلته التي نزحت بعد اصابة منزلها بالقذائف المدفعيّة والصاروخيّة، أن مياه "بحيرة حمص" أغرقت القرية بكاملها وغمرت البيوت وجرفت الحقول، حتى باتت العودة الى القرية شبه مستحيلة. وها نحن اليوم نعيش مع أهلنا الذين استضافونا في هذه البلدة وتحملوا معظم الاعباء، علماً أن اوضاعهم ليست أفضل من أوضاعنا، ورغم ذلك لم يتأخروا عن مد يد العون إلينا ومساندتنا، وعلماً أننا نعيش وكأننا في بيوتنا".
مشكلات في الطبابة والمساعدات
وأبدى احمد أسفه للتمييز الحاصل في شأن توزيع مساعدات الاغاثة التي تتولاها جهات محلية وعربيّة ودولية. وقال إن المساعدات لا تصل دورياً، ومعظم أبناء العائلات عاطلون عن العمل، فيما فرص العمل غير متوافرة، وثمّة ارتفاع كبير في اسعار المواد الغذائية والاستهلاكيّة والمحروقات، لذلك، فإن الاعانات تشكل ربما المصدر الأساسي للنازحين الذين يعوّلون على ما تقدمه هذه المؤسسات لهم من اعانات. وكل تأخير في هذا المجال، غالباً ما يتحمّله ابناء العائلات اللبنانية المضيفة التي تتحمّل وزراً كبيراً على هذا الصعيد".
ولفت الى أن اكثر ما يعانيه النازحون يكمن في مشكلة الطبابة، مشيراً الى أنّ عدداً من المستوصفات والعيادات الجوّالة "يقدّم المعاينات الطبيّة المجانيّة وبعض الأدوية. اما بالنسبة الى القسم الأكبر من الادوية التي يحتاجها المرضى فهو غير متوافر ونضطر الى دفع الأدوية الباهظة الثمن، مما يرتّب علينا أعباء اضافية. وهذا ما يحصل بالنسبة الى الاستشفاء، إذ ان القسم الاكبر من النازحين قد دخلوا لبنان عبر معابر غير شرعية، ومنهم من لا يملك اوراقاً ثبوتيّة، علماً أن السلطات اللبنانية تتشدد احياناَ في هذا السياق".
الحاجة خرمة، والدة أحمد، أخذت تتحسّر على واقع صعب يعيشه افراد عائلتها، وهم وان عوملوا معاملة طيّبة من ابناء وادي خالد، الاّ انهم في النهاية نازحون عن أرضهم وأرزاقهم وقد مضى ولا احد يعلم الى متى ستستمر هذه الازمة وهذا الواقع الذي تعيشه سوريا .
وتقول إنها تجلس يومياً قبالة الحدود السورية وتصغي الى أصوات المدافع التي تدوّي في عدد من القرى السورية المقابلة للحدود اللبنانية، وتصلي كي يفرج الله كرب الاهالي وتهدأ الاوضاع، بما يسمح لها ولكل العائلات السورية بالعودة الى ديارهم ليعيشوا بكرامة وراحة بال في احضان منازلهم وبيئتهم.
الواقع المأسوي
يشار الى أنّ عائلتي الحسين والعلي تشكلان نموذجاً لمئات العائلات اللبنانية – السورية ليس في منطقة وادي خالد فحسب، بل في مختلف القرى والبلدات العكارية حيث النماذج كثيرة والواقع المأسوي هو نفسه والضائقة الاقتصادية هي هي .. اما المعالجات، فهي تحتاج الى اعادة تقييم من كل الهيئات المعنيّة بعمل الاغاثة، لأن مسألة النازحين الى تطور دائم والاعداد الى ارتفاع.
يشار الى أن منطقة عكار التي تضم 216 قرية وبلدة يبلغ عدد النازحي السوريين اليها نحو 100 الف نازح، منهم زهاء 25 الفاً يعيشون في منطقة وادي خالد التي تضم 22 قرية ويبلغ عدد سكانها نحو 32 الف شخص. ولا بدّ من الإشارة الى ان اكثر من 60% من النازحين السوريين، يعيشون بضيافة عائلات لبنانية في وادي خالد، في حين ان الباقي يعيشون في مآوي جماعية وفي مستودعات وشقق مؤجرة.
ويزداد الواقع المأساوي في ظل البطالة المتفشيّة، وغياب فرص العمل، فيما الزراعة بالكاد تكفي المزارعين. اما "التهريب" الذي كان ناشطاً قبل بدء الثورة السورية عند جانبي الحدود، فقد توقف بشكل شبه تام.