لأن العين بصيرة واليد قصيرة حدائق بيروت تحتضن نازحي الأرياف السورية

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 حزيران 13 6 دقائق للقراءة
لأن العين بصيرة واليد قصيرة حدائق بيروت تحتضن نازحي الأرياف السورية
نازحون في حديقة الصنائع (تصوير: سناء الجاك)
اخيراً، انتعشت الحدائق العامة في بيروت وازدهرت وظيفتها، وخصوصاً ايام العطل الأسبوعية. لكن الروّاد ليسوا أهل المدينة، ولا عجب في ذلك، فهؤلاء لديهم ثقافة ترفيه اعتادوا عليها في المطاعم والمقاهي ومراكز التسوّق الكبرى. ومن لا يمضي العطلة في العاصمة، يقصد الجبل أو البحر.

في الحدائق العامة، أصبحت غالبية الروّاد من نازحي الأرياف السوريين الذين يفتقدون قراهم وحاراتهم الأليفة وبساتينهم، حيث وجدوا  فيها متنفساً لهم ولأولادهم، وشعروا انها مرتعهم ومساحتهم الحرة. لهم دوامهم فيها، وتحديداً يوم الأحد. وعندما يمارس سكان بيروت طقوس كسلهم، يغادرون غرفهم المكتظة بأعدادهم وأصواتهم المعيقة لحركتهم وانفاسهم.

 

جملة ممنوعات

حكايات النازحين مع أمكنة اقاماتهم في بيروت، اذا كانوا من الطبقة الشعبية، تبدأ ولا تنتهي.

الأسعد حظاً من وجد مبنى يعمل فيه ناطوراً فيكون قد أمّن المأوى، أما الآخرون فيسكنون في ما يشبه غرف النواطير. لكن الإقامة مرتبطة بجملة ممنوعات.. أولها عدم ايواء الأقارب، وأهمها منع الأولاد من احداث ضجة في مدخل المبنى أو في فنائه.

تشير زوجة أحدهم الى أن السكان لا يتحمّلون ضجة الأولاد اذا لعبوا، لذا تسجنهم طوال اليوم في الغرفة.

تعلِّق احدى الساكنات: "نحن متعبون واعصابنا لا تحتمل الضجيج. ظروفنا صعبة كما ظروفهم، فاللبنانيون لا يعيشون في نعيم".

لكن يارا ابنة العامين لا تهدأ. تتعب والدتها من اللحاق بها في مدخل البناء حيث تسكن. تقول: "أريد أن أعود الى درعا لتسرح ابنتي في الحارة بأمان. هناك أولاد العائلة يهتمون بها. هنا انا وحيدة".

زوجها وجد الحل في حديقة قصقص العامة. يصطحبها الى هناك ويتركها تلعب حتى تتعب، فترتاح الوالدة من فائض النشاط على مدار الساعة، ويرتاح الجيران من ضوضاء الضيوف.

 

تمييز عنصري على كل الجبهات

مشكلة النازحين أن مواطنيهم من المقيمين في بيروت يتحاشونهم ويسعون الى التمايز عنهم قدر الإمكان.

في حديقة تلّة الخيّاط تجلس سعاد مع اطفالها وكأنها من أهل البيت. ترفض مساواتها بالنازحين. فهي تقيم في لبنان منذ سنوات. تقول: "النازحون يختلفون عنا... انظري الى ثيابهم وتصرفاتهم".

كأن مأساتهم لا تكفيهم. حتى تأتي سلوكيات عنصرية تصنّفهم، ليس من أهل البلد فحسب وانما ممن يفترض أنهم مثلهم.

هذا ما تعانيه سامية، الأم لخمسة أبناء، والتي نزحت عن الرقة منذ شهرين لتسكن مع شقيقها وعائلته في شقة مخصّصة للاستخدام كمستودع، تتألف من غرفة ومطبخ.. وبدل الايجار 600 دولار.

حصة سامية مع زوجها واولادها الخمسة كانت المطبخ. تقول: "ننام فوق بعضنا البعض".

في الغرفة فراش يستخدم للجلوس والنوم وحصير ووسائد مكدّسة في الزاوية وجهاز تلفزيون حديث.

بدا الجهاز نافراً مع شبه الأساس الموجود. تقول سامية: "اشتريناه بالتقسيط، نحن مرغمون على ذلك والاّ بماذا يتسلّى الاولاد؟ فلا مدارس ولا مساحات ليتحركوا".

قالت إنها نزحت حاملة بعض الثياب للأولاد على أن يعود زوجها واشقاؤه لإحضار بقية الأغراض. لكن قصف الطيران حال دون ذلك، فبقيت الأغراض في الرقة.

هي لا تغادر المنزل، ولا تحاول توسيع أفق حياتها البيروتية. فأي نزهة بعيدة تستوجب تكاليف اضافية. اجرة التاكسي وحدها نكبة.

المكان الوحيد المتاح ليتنفس الأولاد هو حديقة الصنائع، حيث يمرحون قليلاً. لكنهم يشتاقون الى الرقة. تقول هديل (13 سنة): "هناك كنا نلعب في الحارة والجميع اصدقاء وأقارب. اما هنا فلا نعرف أحداً او من يلعب معنا. لم نتمكن من احضار كتبنا معنا. لا تزال الكتب في الرقة.  لا شيء نفعله سوى مشاهدة التلفزيون كل ايام الاسبوع  وأحياناً ألعب على الشرفة".

اما خليل (9 سنوات)، فيشتاق الى العابه والى دراجته. هنا ليس لديه اصدقاء. كيف ألعب من دون أصدقاء؟

تدخل سامية على خط الكلام وتوضح: "لا نشعر بالراحة عندما نمشي في الشارع. الناس هنا يحاسبوننا على ثيابنا ويخلطون بيننا وبين من يبرك عند ابواب المساجد . نظرتهم الينا ليست جيدة. وكأنهم يعتبروننا متسوّلين". 

ربما يمكن ضبط الصغار الذين يقتنعون بمتابعة الرسوم المتحركة أو الركض في الحديقة العامة. لكن ماذا عن المراهقين الذين انسلخوا عن دراستهم وارغموا على اعالة انفسهم أو المساهمة مع الاهل في تحصيل الرزق؟ هل تعنيهم إغراءات العاصمة اللبنانية؟

احمد في الخامسة عشرة، يقول: "إذا ذهبنا الى مكان لا احد يتحدث الينا لأننا سوريون. حاولت الالتحاق بالمدرسة في بيروت ولم يتم قبولي. لذا بحثت عن عمل في احد المتاجر".

الاحد للصنائع، يقول أحمد. يستأجر دراجة هوائية بألفي ليرة ويقودها حوالي نصف ساعة، ثم ينضم الى بعض الفتيّة ويلعب معهم كرة قدم.

أعضاء الفريق لا يبادلون أحمد الحديث خارج الحديقة... لأنهم لبنانيون، كما يقول.

 

خطوط حمر

من جهته، لا يهتم علاء بنظرة الآخرين اليه. هو الآخر مراهق حضر الى بيروت قبل اربعة أشهر. يعرف دوام المدينة ويلتزمه. صباح الأحد لحديقة الصنائع، وبعد الظهر للنزهة على الكورنيش البحري في الروشة. لا يقترب من وسط بيروت. يقول: "هذه الأماكن ليست لنا".

يحرص علاء على عدم تجاوز بعض الخطوط الحمر التي وضعها ليحمي نفسه من المواقف الحرجة. فهو يتجنّب الحديث في المواضيع السياسية معهم. يقول: "إبعد عن الشر وغنِ له. فأنا لا أعرف ان كان محدثي مع النظام أو المعارضة". لا يدعو أحداً الى حيث يقيم ولا يلبي دعوة أحد الى منزله. كذلك يرفض التصوير، كأنه  يخاف رقيباً ما يتربّص به. ولا يقبل الاّ على مضض.

علاء يملك القدرة على معرفة هوية العابرين في الحديقة. يقول عن أحدهم: "من شكله هذا لبناني. بنظرة يصنفه وفق نوع الملابس التي يرتديها والاهم نوع الحذاء. قد يسخر من أحدهم فيقول: "هذا لبناني، لكنه يشبه السوريين بمظهره".

 

بحثاً عن لقمة العيش

النزوح قد لا يكون بسبب القصف والحرب. فعبود القادم من ريف حلب قبل نحو سنة، كان سبق زوجته واولاده الى بيروت وجد عملاً في أحد المطاعم، ثم احضرهم بعد استقراره وسجل الاولاد في المدارس. قال إن الظروف المعيشيّة الصعبة هي سبب نزوحه الى لبنان. أضاف: "قد نختبئ من القصف. لكن لقمة العيش أين نختبئ منها. أي حياة ممكنة من دون أمان او سبل معيشة؟".

خاتون زوجة عبود، كانت لترضى بالبقاء مع اولادها في قريتها. تقول: "الايجابية الوحيدة لقدومي الى لبنان هي أننا مجتمعون كعائلة. لكن عموماً حياتي في قريتي أفضل بكثير".

أما هدى فقد وصلت الى بيروت منذ ثلاثة أيام فقط. قبل ذلك كانت في تلبيسة. لديها ولدان وزوجها عاطل عن العمل. غادرت هرباً من الموت قصفاً أو جوعاً. تقول: "زوجي من دون شغل فكيف يعيلنا؟ وابنتي أصبحت تعاني مشكلات في النطق، لذا جئنا الى هنا وأحاول ان ابحث عن عمل لزوجي".

الخوف يتملك هدى، فتسأل إذا كان ما تقوله قد يسبب لها الضرر. تخشى بقاء النظام السوري. حينها  سيصبح أقوى ويقمعنا أكثر من السابق. كذلك تخاف الفوضى التي ينتجها غياب النظام واحتلال قوى الأمر الواقع قريتها.

تتمنى هدى الاّ تطول غربتها. حلمها بالعودة الى تلبيسة لا يزال أخضر يانعاً كالعشب الذي تفترشه في الحديقة العامة.

النازحون الذين سبقوا هدى لا يشاطرونها احلامها. اكتشفوا أن الوقت كفيل بقتل الأحلام.. ربما لأنهم محدودو الدخل ومرغمون على العيش في بيئة لا ترحب بهم كثيراً. كما أن نسبة كبيرة منهم يجهلون مصيرهم. هم يحاولون التأقلم ويتحمّلون ظروف التهجير على مضض. يحترمون دوامات المدينة ويدركون أن مخالفتها أو كسر الحدود يورطهم ويزيد معاناتهم،  ولأنّ العين بصيرة واليد قصيرة.. يكتفون بالحدائق العامة التي تمنحهم فسحة... لكن ليس من الأمل.

 
A+
A-
share
حزيران 2013
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد