رِهاب أم إرهاب (عن لاجئين سوريين فقدوا الأمان مرتين)

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 تشرين الأول 15 5 دقائق للقراءة
كلما طالت الأزمة السورية يزداد شعور اللاجئين السوريين في لبنان بعدم الأمان. وقد أسهمت بعض الإشكالات الأمنية التي تحصل بينهم داخل المخيمات، وأحياناً أخرى بينهم وبين المجتمع المضيف، في تفاقم هذا الشعور. كما أن التفكك الذي يصيب مجتمعات الحروب، ويحوّل أفرادها إلى أناس مهمشين، جعل الكثيرين يختارون المغامرة بحراً للوصول إلى الأمان النفسي والمادي المنشود.
 
ومما لا شك فيه أن النظرة العنصرية تجاه اللاجئين، والتمييز الحاصل ضدهم في كل المجالات، أوجدا نوعاً من التنافر بينهم وبين المجتمع المضيف، وزرعا نوعاً من القلق لدى الطرفين.
من مشاهداتنا في مخيمات البقاع:
• منى من مدينة «إدلب»، عمرها 15 سنة، تزوجت أمها وتركتها مع أخوتها غير الأشقاء، فزوّجوها أكثر من مرة ليقبضوا مهرها. وكانت في كل مرة، تجبر على العيش مع شخص غريب، ثم تطلَّق وتعود إلى المخيم. طرحنا قضيتها على جمعية تُعنى بالعنف الممارس على الفتيات، وأبدت استعدادها للمساعدة، لكن واجهتنا صعوبتان، الأولى: الحصول على أمر حماية لدخول المخيم، والثانية: استحالة عودتها إلى المخيم، فالجمعية تستقبلها شهرين في حال رضي أخوتها كونهم أوصياء عليها.
• رجاء من مدينة حلب، عمرها 16 سنة، تعيش مع والدتها التي بسبب انهماكها بالعمل كانت تتركها وحيدة، لتكتشف بعد فترة أنها تتعاطى مع صديقاتها مخدرات يؤمنها لهن شاب لبناني من البلدة التي تقيم فيها، وهنا قدمت الأم شكوى ضده لدى رئيس البلدية فألقي القبض عليه، وسُجن لمدة شهر. وحاولت الأم حماية ابنتها فراحت تصطحبها معها إلى عملها وتحبسها في غرفة، لكن بلا جدوى ذلك أن رجاء كانت قد ابتليت بالإدمان، وتنتابها نوبات صراخ وجنون حين لا تتوفر لها المواد المخدرة. لدى اطلاعنا على هذه الحالة، قمنا بتأمين اتصال على مدى شهرين بين الأم وإحدى الجمعيات التي تعمل حالياً على معالجة رجاء، لكن لا أحد يضمن وقوعها مجدداً فريسة للذئاب حين تعود الى البلدة، لذلك نضع هذه القضية برسم المفوضية.
• بعد كل حادث أمني في لبنان، يقتحم عناصر من القوى الأمنية مخيماً في بر الياس، ويطلبون هويات سكانه، وإذا وجدوا شخصاً لا يملك أوراقاً ثبوتيّة أو لديه إقامة منتهية الصلاحية، يعتقلونه ثم يخلون سبيله بعد التحقيق. عن هذا الأمر، يقول وسام: دخول عناصر القوى الأمنية إلى المخيم أمر مخيف، رغم أن ذلك من حقهم، لكن ما يخيفنا أكثر هو الطريقة المهينة التي يعاملوننا بها. مرة رمى العسكري شاباً على الأرض ليفتشه فصرخ أحدهم بوجهه قائلاً: «نحنا مو حيوانات».
• تعرّض أحد مخيمات البقاع الغربي لحريق كبير، فقررنا إقامة ورشة عمل للأطفال المصدومين، في مدرسة للتعليم البديل في المخيم. وصلنا صباحاً، وانتظرنا الشاويش ليأتينا بالمفتاح. تجمّع حولنا نحو 100 طفل، تسلق عدد منهم بوابة المدرسة، فانهال عليهم الناظر بالعصا، ودار بيننا جدال طويل، طردنا الشاويش على اثره، ونقلنا الورشة إلى مخيم في بر الياس. عادة يتصرف الشاويش بهذه الصفاقة، ولا جهة رسمية عليا تحاسبه، حيث لا مرجعية له من قبل الجمعيات المشرفة على اللجوء، وقد أعددنا نص شكوى بهذا الخصوص مرفقة بالصور لمن يهمه أمر المتابعة.
• إحدى البلديات وزّعت قسائم مازوت على اللاجئين لديها، وطلبت أن تأتي الفتيات لتسلّم القسائم. تتقدم الفتاة لأخذ القسيمة من عضو البلدية، فيطلب رقم هاتفها، ويسألها إذا كان لديها خدمة «الواتساب» ويسجل الرقم والاسم. سيدة عجوز كانت تنتظر دورها، وتراقب، لم ينادها، اقتربت منه وسألته: «اين قسيمتي؟». أجابها: «ليس لك قسيمة عودي في يوم آخر». فوقفت وسط صالون البلدية ونادت بأعلى صوتها: «أنا ما عندي «واتساب»... ايه؟»، فرماها شرطي البلدية خارجاً.
• في أحد مخيمات بر الياس، الشاويش هو صاحب الارض، يؤجر الخيمة بـ 100 ألف ليرة أو 100 دولار. كانت الفتيات في هذا المخيم يذهبن إلى المدرسة، بعد 5 سنوات على النزوح أصبحن بعمر 14 و 15 عاماً، فشغّلهن الشاويش في ارضه. ورغم انه متزوج من امرأة سورية ولديه 3 أطفال، تزوج قاصراً، بعد موافقة والدها الذي وعده باعفائه من إيجار الخيمة، فعادة، الأب هو الذي يبتّ في موضوع الزواج. وبعد سنة، تزوج الشاويش قاصراً أخرى، فاصبح لديه 3 زوجات، وهو الآمر الناهي في المخيم، ويميّز بين الخيم، خصوصاً في توزيع المساعدات، وعلى الجميع مسايرته، وإلاّ يحل عليهم غضبه.
• يذهب مهند إبن الـ 5 سنوات، للمرة الأولى الى مدرسة للتعليم البديل، يمشي حاملاً محفظته مزهواً كالطاووس. يعود الى البيت فتسمع الجارة صراخه، وصوت أمه تشتمه وتضربه، تتدخل الجارة وتسألها: لم تضربينه بهذه القسوة؟ تجيب: «من ساعتين عم درسه، وما عم يحفظ». تجد الجارة وهي مدرّسة ابتدائية، في دفتر مهند، ان المعلمة أعطته 13 حرفاً أبجدياً للحفظ في اليوم الاول! فتقول لها: «ممنوع تضربيه وممنوع يحفظهن»، وتتصل بمدير المدرسة شارحة له ما فعلت تلك المعلمة التي تحتاج الى التربية.
• مريم دياب من مدينة إدلب، عمرها 17 سنة، ولّدت 3 توائم في مستشفى متعاقد مع المفوضية، وتوفيت بعد 24 ساعة من الولادة بسبب نزيف حاد، ولم يتم التحقيق في الموضوع. في اليوم التالي أعطى المستشفى الإذن للأب بأخذ أطفاله، وكان وزن كل طفل منهم كيلوغراماً واحداً، بعد أسبوع زرنا العائلة فوجدنا أحدهم ويدعى «خالد» يتنفس بصعوبة، ولما استشرنا طبيب أطفال سورياً، طلب وضع المواليد الثلاثة في حاضنة المستشفى. بعد يومين توفي خالد، وعاد شقيقاه بعد أسبوع إلى الخيمة، وعيّنا لهما ممرضة خاصة.
قد يكون اعتراف الأمم المتحدة بالتقصير في حماية اللاجئين فضيلة إضافية في تاريخها الإنساني، لكن هذه الفضيلة لا تكتمل إلاّ بقراءة أكثر عمقاً لملف اللجوء. فبعض الحالات الإنسانية تحتاج إلى تفاعل مباشر، ولا تحلّ بتقارير رسمية جافة يرفعها وسطاء، عدا عن أن الطرق البيروقراطية تفرغ المهمات الإنسانية من معانيها، ومعنى الأمم المتحدة مرداف للإنسانية.

نوال مدللي: ناشطة لبنانية في مجال حقوق الانسان
محمد حسن: صحافي سوري وناشط في مجال حقوق الانسان
A+
A-
share
تشرين الأول 2015
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد