اللاجئ بعين اللاجئ

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 حزيران 16 7 دقائق للقراءة
عادةً، يكون خروج المنتدَب أولى خطوات التحرّر. في الحالة الفلسطينية، حصل العكس. خرج المنتدَب ليدخل المستعمِر
شعرت بريطانيا بالعجز في فلسطين، فتقرّر لها «انتهاء المهمة». في 29 تشرين الأول 1947، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 181. فيه، تقرر تقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية، وإخضاع القدس إلى الإرادة الدولية، من دون الإكتراث لحقّ الفلسطينيين بتقرير مصيرهم، الحق الذي يعتبر من القواعد الآمرة في القانون الدولي التي لا يجوز انتهاكها، والتي لا تسقط نهائياً بمرور الزمن كما هو معلوم.
بعد انسحاب بريطانيا، ودخول العصابات الصهيونية، تغيّرت حياة الفلسطينيين. هم لم يعودوا مجرد مواطنين. في الشتات، وُسِموا بصفة جديدة: «لاجئون» في دول الجوار.
ما قبل اللاجئين الفلسطينيين
ليس التهجير الفلسطيني صانع مفهوم «اللجوء». يعتبر حق اللجوء من أقدم السمات المميزة للحضارة. تعزز هذه النظرية نصوص عثر عليها وتعود إلى ثلاثة آلاف و500 عام قبل الميلاد.
خلال القرون الأولى للعهد المسيحي، أخذ مفهوم «اللجوء» بالتوسع. في القرن الرابع الميلادي، امتلأت الكنائس باللاجئين الطالبين الحماية من الظلم الممارَس عليهم من قبل الإمبراطورية الرومانية. هذه الحالة، حفّزت رجال الدين المسيحيين للعمل على «قانون اللجوء المسيحي».
منذ أواخر القرن التاسع عشر، وصولا إلى ثلاثينيات القرن العشرين، بدأت أوروبا تشهد عدة موجات لجوء واسعة ليهود ألمانيا والنمسا إلى فلسطين. بعد ثلاث سنوات على النكبة، صدرت اتفاقية العام 1951 الخاصة باللاجئ، عُرّف الأخير بأنّه «الشخص الذي يهرب من بلده إلى بلد آخر خوفاً على حياته ، أو خوفاً من السجن أو التعذيب، وبتعدد أسباب اللجوء تتشكل أنواع اللجوء، الحرب، الإرهاب والفقر».
خصوصية اللاجئ الفلسطيني
نظراً إلى التركيز الدولي على إعادة دمج اللاجئين، ارتأى المجتمع الدولي استثناء اللاجئين الفلسطينيين من الاتفاقية، ومن نطاق عمل «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين». أراد منح رعاية خاصة للاجئين الفلسطينيين، فأعطاه تعريفاً خاصاً به.
أعطت الأمم المتحدة القرار 194 (قرار حق العودة والتعويض) للّاجئ الفلسطيني. لم تعرّفه وكالة «غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) وفقاً للمفهوم القانوني الصّرف. إلا أنها، بهدف تقديم المساعدة والإغاثة للفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم، كان من الضروري تحديد اللاجئين الذين يجب أن تقدّم لهم خدماتها. لذلك، وضعت تعريفات عدة كانت تتعدل بحسب التطورات الميدانية.
عرفت «الأونروا» اللاجئ الفلسطيني بأنه «الشخص الذي كانت إقامته المعتادة في فلسطين خلال الفترة الممتدة من 1 حزيران/ يونيو 1946، وحتى 15 أيار/ مايو 1948، والذي فقد منزله ومورده نتيجة الصراع عام 1948».
وبعدهم...
لم يعد الفلسطينيون وحدهم «لاجئي العرب». أتون الحروب الذي دخلته البلدان العربية منذ مدة، جعل القضية الواحدة تتفرع لتصبح قضايا، ومواطني تلك الدول يتحولون إلى لاجئين. على الرغم من خصوصية أصول اللجوء الفلسطيني الناتج من فعل استعماري، لا حروب داخلية كما حدث في عدد من الدول في الوطن العربي.
للبنان خصوصية. على أرضه، كتلتان خارجتان عن النسيج «الأصلي»: فلسطينية، وسورية. للأولى خصوصيات اكتسبتها من خصوصية القضية الأم. وللثانية خصوصيات حظيت بها جرّاء العلاقات التي جمعت الشعبين. من اليسر القول أن الانصهار قائم بين الكتلتين نظراً إلى الخلفية التي انبثقتا منها: الحرب. لكنّ غوصاً قليلاً في العمق يجعل المشاكل تطفو على السطح.
ما نتج من الأزمة السورية يسمح بطرح تساؤل: كيف يرى اللاجئُ اللاجئَ؟
في لبنان، اتجه النازحون السوريون نحو خيارين: الأول، المكوث داخل خيم النازحين التي توفرها «مفوضية اللاجئين» UNHCR. والثاني، السكن داخل منازل مستأجرة. في الخيار الثاني، احتمالات . إحداها: مخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي تحوي أعداداً هائلة من النازحين السوريين. يفتح الفلسطينيون بيوتهم أمام النّازحين. في المخيمات لا تتخذ الأمور دائماً طابع «الإحسان». يجد كثير من الفلسطينيين في السوريين «باب رزق». نتيجة للحالة الاقتصادية المهترئة التي يعيشونها قام عدد من الفلسطينيين داخل المخيمات بتقسيم منازلهم، الصغيرة أساساً، وتأجيرها إلى النازحين. وبسبب كثرة الطلب عليها، ارتفعت الإيجارات بشكل هستيري. في مخيم «برج البراجنة» وصل إيجار «شبه الشقة» إلى ما يقارب الـ400 دولار شهرياً. (متوسط سعر الشقة المؤلفة من ثلاث غرف في منطقة ذات مستوى اجتماعي متوسط يساوي هذا المبلغ). يتعدى الأمر «المنفعة الاقتصادية»، ليدخل في صلب الهوية.
لطالما اعتبر الفلسطيني نفسه المظلوم رقم واحد عربياً. (هويته البديلة). اليوم، لم يعد كذلك. أو على الأقل، لم يعد ينظر إليه كأولوية. يلخص الناشط السوري في لبنان حامد صفور المسألة. يشرح كيف أن «الأزمة السورية غطت على القضية الفلسطينية». وتهميش هذه القضية ولّد حالات غضب، كما أن المقاربة بين القضية الفلسطينية وازمة سوريا مقاربة خاطئة وغير عادلة، وذلك ينعكس تلقائياً على اللاجئين وخطابهم وممارساتهم.
لا ينفي اللاجئ الفلسطيني أسامة قيس نتائج «الأزمة السورية»، التي أرخت بظلها على «اللاجئين الفلسطينيين»، عازياً ذلك إلى «كون الفلسطيني محروماً في الأصل من حقه في العمل وحقوق إضافية أخرى». لكنه يرفض تعميم مظاهر ردود الفعل السلبية التي قد تنتج من اللاجئين الفلسطينيين تجاه السوريين، ويصفها بردود الفعل الفردية البحتة ، وبغير المسؤولة. يتفق صفور مع هذا الكلام، مشيراً إلى إمكانية «وجود ممارسات عنصرية من قبل عدد قليل جدًا من الفلسطينيين الذين يعانون وضعاً اقتصادياً صعباً».
«التضامن هو الفعل الأساس الذي نشعره ونتوجّه به إلى إخوتنا السوريين، لأنهم شركاء في المأساة»، يقول قيس.
«في فلسطين احتلال، في سوريا تحولت الثورة إلى حرب أهلية، لا مجال للمقارنة بين القضية الفلسطينية والأزمة السورية». على الرغم من تلك القناعة، قيس عاتب على السوريين لأنهم تركوا أرضهم. «كيف قبلوا بالخروج من أرضهم في سوريا؟ لمَ لمْ يُحاولوا البقاء فيها»؟ يعودُ قيس بالذاكرة والحنين . «بهذا الكلام نعتب على أجدادنا».
بين اللجوء الفلسطيني واللجوء لدى بقية الجنسيّات تمايز واضح. تضمن «الأونروا» للفلسطينيين «حق العودة والتعويض»، بينما تتعهد «مفوضيّة اللاجئين» لبقية اللاجئين بتأمين «وطنٍ بديل». بالنسبة لصفّور، اللجوء حالة قابلة للتبدل، وكل حالة تعطي للمفهوم بعداً إضافياً. يدعم اعتباره أن «تجربة اللجوء السوري غيرت مفهوم اللجوء» تلك النظرية.
يخرج قيس، بدوره، عن «المفهوم الذي أوجدته الأمم المتحدة». يعتبر أن «التمييز الذي تقوم به الحكومات يحجب تركيز اللاجئ على قضاياه الأساسية، كالاستعمار». في حديث قيس اتهام مبطن بلا نزاهة المفهوم بصيغته «الأممية الحالية»، برأيه أيضاً أن حجم الكارثة هو الذي يعطي بعداً إضافياً إعلامياً فقط لاغير.
في كلامه، يحاول صفّور تحوير مسار إشكالية «اللاجئ في وجه اللاجئ»، نحو مسار «اللاجئ في وجه الدولة المضيفة». لبنان، للأسف، ليس مثالاً يُحتذى به من «الدول المضيفة». يرى صفّور أن المشكلة تكمن في «عدم وجود أرضية اندماج في لبنان (بين اللاجئين والدولة، وانعكاسها على اللاجئين بين بعضهم البعض). يضرب مثالاً بسوريا. «هناك توجد مساحة أكبر من تلك الأرضية، فاللاجئ كان يتم التعامل معه تماماً كالمواطن السوري».
يُبرر صفّور «غياب أرضية الاندماج» بـ«هاجس التوطين المتفشي، والذي يتفوق على الهاجس الإنساني».
قيس كذلك، يجنح نحو خطاب «اللاجئين - الدولة». بالنسبة إليه، يتساوى اللاجئون أمام «الخطاب العنصري من قبل بعض اللبنانيين، تحت عنوان اللاجئين خراب البلاد»، مستهزئاً بالقول: «وكأن الوضع كان أفضل قبل الأزمة السورية».
على الرغم من إقراره بأن الأحداث عززت «الإحساس بالآخر»، يقع صفّور مجدداً في فخ المقارنة. هو يعتبر أن «العنصرية تجاه اللاجئ السوري أكبر بكثير منها تجاه الفلسطينيّن، حيث هناك 52 بلدية تمنع التجول على أساس الجنسية». لكنه يأسف لـ«ردود الفعل العكسية والتجريح المقابل اللذين يقوم بهما المثقفون السوريون تجاه اللبنانيين».
تائهون بين أوسلو وجنيف
بغصّة يقول قيس: «بعد أوسلو كل شيء تغير، هذه الإتفاقية غيّبتني كلاجئ، لأنها اعترفت بالمستعمر وأسقطت عنه صفته الاستعمارية، وبالتالي تحصيل حاصل أن أشعر بأني كلاجئ أفقد حقي بالعودة إلى قريتي في فلسطين (نَحَف)». وهو يحمّل ذلك للمتسلطين على مصالح الشعب الفلسطيني فهم مجموعة من «الفاسدين» يلعبون ويتحكمون بمصيرنا. يعتبر قيس أن هناك أوجه شبه كبيرة بين أوسلو والمؤتمرات الحاصلة في جنيف والعالم من أجل اللاجئين السوريين، فجنيف لم تلبّ طموحات الشعب السوري بشكل عام.
من جهته، يتجنب صفّور الحديث عن هذا الموضوع بشكل مباشر إلا أنه ليس بعيداً جداً عن رأي قيس. فبرأيه : «إن مفهوم اللجوء يزداد بشاعةً، كلما ازداد الفساد والظلم...».
إذاً، نحن أمام واقعٍ سيّئ يشي بالأسوأ. حالة عدم معرفة بأصول التعاطي مع الملفات المرتبطة بشؤون اللاجئين ومقاربتها بالشكل السياسي والقانوني السليم والصحي، حالة اقتصادية مهترئة يعيشها اللاجئون. قوانين خانقة تدعم اهتراء الوضع الاقتصادي. ضغط هائل على لبنان. انعكاس تلك الأوضاع على مختلف مشارب حياة اللاجئين: الاجتماعية، النفسية، على التعايش، الانصهار، بين بعضهم البعض وبينهم وبين اللبنانيين. شبه غياب للدعم الدولي.
ما يحصل بين «قطبي اللجوء» هو حالة اجتماعية تعززها القوانين المحلية والدولية، وتستدعي دراسة معمّقة من جميع جوانبها، وإلّا فالمجتمع الدولي أمام تقاعسٍ أخلاقي، بالدرجة الأولى، تجاه اللاجئين. أن نصل إلى حالة يغضب فيها لاجئ عندما يرى كسرة خبزٍ إضافية مع لاجئٍ من جنسية أخرى، فهذا يعني أننا أمام كارثة، وكارثة حقيقية.
 
«المنطاد »
عمل للفنان الفلسطيني
عبد الرحمن قطناني
يمثل هذا العمل طفلاً وطفلة يحلّقان في منطاد يحمل كل رموز المخيم من أوان وأدوات، في حين تشير الطفلة بإصبعها إلى شيء أفرحها. يعبّ المنطاد عن الحرية التي يبحث عنها اللاجئون من خلال التحليق والوصول الى الهدف )فلسطين مثلاً(.
A+
A-
share
حزيران 2016
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد