حظر التجوّل وحقوق الإنسان في السياق السوري في لبنان

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 حزيران 16 5 دقائق للقراءة
حظر التجوّل وحقوق الإنسان في السياق السوري في لبنان
© رسم لساندرا جبر
تعرّف قواميس أوكسفورد كلمة حظر التجوّل على النحو التالي: «تدبير يُلزم الناس على البقاء في منازلهم بين ساعات محدّدة، وعادة خلال الليل».
وعلى الرغم من أن المفهوم ليس بجديد، يعود استخدام هذا الإجراء القانوني إلى بداية القرن العشرين كاستراتيجية لمكافحة الجريمة المتعلقة بالأحداث(1). وبالرغم من أن هذا التدبير من شأنه أن يكون في غاية الفعالية من وجهة نظر علم الجريمة، فإنه يثير مخاوف جدية تتعلق بالحقوق الأساسية؛ تتناقض حرية التنقّل والتجمّع مع النظام العام وعلى وجه التحديد الأمن العام والسلامة العامة. في لبنان، يقع تنظيم حركة المرور وحماية السلامة العامة والأمن العام ضمن نطاق عمل السلطات المحليّة وتحديداً البلديات بموجب المادة 74 من قانون البلديات (المرسوم الاشتراعي رقم 118 والمؤرخ 30/6/1977).
وفي سياق الأزمة السورية والنزاع المسلّح في سوريا التي تفصلها عن لبنان حدود طويلة مشتركة، بالإضافة إلى تواجد مرتكبي العمليات الإرهابية على الأراضي اللبنانية، تَصدَّر الأمن والنظام العام أولويات السلطات المحليّة ودوائر إنفاذ القانون الحكومية وبخاصة بعد صيف 2014. وقد وسّع وزير الداخلية الصلاحيات المخوّلة إلى البلديات في ما يتعلق بإدارة تداعيات الأزمة السورية في نطاقها المحلي. فحظر التجوّل الذي فرضته البلديات في جميع أنحاء لبنان كتدبير احترازي بادرت إليه البلديات بمنهجية تجاوزت الأسلوب المعتاد الذي يفترض أن حظر التجول هو تدبير استثنائي يُلجأ إليه كاستجابة لتهديد أمني إن كان محتملاً أو حقيقياً. ومع ارتفاع عدد اللاجئين السوريين في لبنان إلى مستويات تتجاوز أحياناً عدد المواطنين اللبنانيين في بعض المناطق وبخاصة القرى، تفرض البلديات هذا التدبير عقب أضرار لحقت بالأشخاص والممتلكات ومضايقات لفظية أو جسدية، ذلك بحسب إحدى البلديات في جنوب لبنان على سبيل المثال. وبعبارة أخرى تتّخذ البلديات هذا التدبير استجابة لإخلال النظام العام واحترازاً من إخلال لاحق، وبالتالي يكثر هذا التدبير في المناطق الحدودية فهي أكثر عرضة لتداعيات النزاع المسلّح في سوريا والأنشطة غير الشرعية عبر الحدود، كما هو الحال في البقاع على سبيل المثال. إذاً تلجأ البلديات ضمن نطاقها المحلي إلى فرض حظر التجول كوسيلة للحفاظ على السلم والهدوء العام و/أو منع التعرّض لهما.
 
ويستخدم هذا التدبير أيضاً كوسيلة لضبط الديموغرافيا. والمثير للاهتمام هو تصريح بعض البلديات صراحةً لكونها اضطرت إلى اتّخاذ هذا النوع من التدابير للحيلولة دون لجوء المواطنين اللبنانيين إلى تدابير الحماية الذاتية ونشوء المزيد من التوتّرات بين السوريين والمجتمعات المضيفة. فتبرّر السلطات المحليّة حظر التجوّل كوسيلة تُمكّنهم من حماية السكان المحليين ومن الحفاظ على النظام العام. من أجل تحليل حالة حظر التجوّل المفروضة على اللاجئين السوريين، علينا أولاً أن ننظر في شروط فرضها وفق القوانين اللبنانية. تكشف الممارسات المحليّة أن حظر التجوّل يُفرض عادة ليلاً من الساعة السابعة أو الثامنة أو التاسعة مساءً وحتى الصباح الباكر في حوالى الساعة السادسة. وفي مناطق عديدة، يندرج فيه حصر يُفرّق بين الجنسين فيستهدف الرجال دون النساء. والمفاجئ أنّ في بعض المناطق كان يُسمح تنقّل النساء وتجمّعهن ليلاً بينما تُمنع تجمّعات الرجال منعاً باتاً، حتى نهاراً، ويعود ذلك إلى أن المرأة لا يُنظر إليها على أنّها تشكّل تهديداً أمنياً وأنها لا تميل للمشاركة في أنشطة غير قانونية. وفي ما يتعلّق بالعقوبات، لوحظ أنّ البلديات تطبّق آلية الاستجابة التدريجية، فغالباً ما يحصل المخالِف لحظر التجوّل على تحذير عند القبض عليه ولا يُعتقل إلا إذا تكرّرت المخالفة. وفي العديد من المناطق، ثمة استثناءات لخرق حظر التجوّل في حالات طبية طارئة على سبيل المثال. في ضوء كل ذلك، ينبغي النظر في استخدام السلطات لهذه الصلاحيات في سياق الحقوق والحريّات الأساسية. ففي الحقيقة، يثير حظر التجوّل العديد من الأسئلة المتعلّقة بحقوق الإنسان، ومنها انتهاك الحريات العامة وخصوصاً حرية التنقّل والاعتقال التعسفي بما أن السلطات المحليّة قد تعتقل مخالِفي حظر التجوّل. وتحمي المواد 8 و9 و13 من الدستور اللبناني حريات التنقّل والاعتقاد والتجمّع. ولكن القانون والنظام العام يقيّدان ممارسة هذه الحريات. وقد أقرّت المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حقّ الفرد في حرّيتي التنقل واختيار محلّ الإقامة داخل أراضي الدولة. من هذا المنظور، يعكس فرض حظر التجوّل ممارسة تتعرّض للحريات الفردية التي تكفلها الصكوك الوطنية والدولية على حدّ سواء. ولذلك يُعتبر تقييد الحرية الاستثناء ولا القاعدة ويجب أن يخضع لرقابة صارمة. وتدعم السوابق القضائية اللبنانية هذا التفسير للحقوق الدستورية التي تقتضي الضمانة(2). وتُمارس الرقابة القضائية لضبط عواقب اجراءات البلديات لأن القاضي القضائي هو «الوصي على الحريات الفردية»، وأي تعرّض غير مشروع لهذه الحقوق يجوز أن يخضع للمراجعة القضائية في ظل ظروف تراكمية: اجراء مادي تتّخذه الإدارة وانتهاك لحق الملكية وللحريات الفردية وانتهاكات واسعة النطاق تشوب عمل الإدارة. وفي هذا الصدد، يجوز طرح أسئلة حول مدّة الاعتقال أو الاحتجاز وضرورة الرقابة الإدارية أو إمكانية الرقابة القضائية في الممارسة العملية وضرورة تعليمات واضحة تقيّد حرية تصرف السلطات المحلية بالحدّ الأدنى الضروري لمواجهة أوضاع أمنية معيّنة ضمن نطاقها. وفي حال اساءة استعمال صلاحياتها، يجب أن تخضع الإدارة للمساءلة. فعلى التدابير الاحترازية وحظر التجوّل أن تتكافئ مع التهديد الملموس في منطقة معينة. وهذا يفسّر التباين في التطبيق الملحوظ بين المناطق الريفية وبيروت على سبيل المثال. فالقرى الصغيرة يسهل ضبطها جغرافياً وبالتالي معظم تدابير حظر التجول تُفرض في المناطق الريفية حيث يكون تنفيذها تنفيذاً صارماً وفعالاً وأكثر واقعية مما هو عليه في العاصمة. وظهر أيضاً أن التقيّد بحظر التجوّل هو أقل تشديداً في مناطق مثال الأشرفية والحمرا ويزيد احتمال تساهل ضباط إنفاذ القانون وتردّد تدخّلهم عن المناطق الريفية. ويخلق هذا الواقع حالة من التمييز بين اللاجئين على أساس وضعهم الاجتماعي والمالي. وسمح التفاعل المباشر مع اللاجئين في سهل البقاع الحصول على ردود فعل صادقة في ما يتعلق بحظر التجوّل. في حين اتّفق جميع الأشخاص الذين أُجريت المقابلة معهم على أن هذه التدابير تقيّد الحريات وخصوصاً في حالات طارئة ليلاً أو في ما يتعلق بالحياة الاجتماعية والقيام بزيارة الأصدقاء والأقارب وتقليد «السهر»، فتفهّم معظمهم الدوافع الأمنية لكنّهم تمنّوا لو أن السلطات تلجأ إلى أساليب أخرى لضمان السلامة العامة من دون معاقبة مجتمع بأكمله. وعبّر اللاجئون عن الشعور بالتمييز بحقّهم لأنّ حظر التجوّل لم يُفرض إلّا على السوريين دون الجنسيات الأخرى. ويُذكر التمييز في المواد المذكورة آنفاً من الدستور والتي تحمي الحريات المدرَجة تحت «الفصل الثاني: في اللبنانيين وحقوقهم وواجباتهم». وبعبارة أخرى، لا يشمل نطاقها غير المواطنين، أكانوا لاجئين أم لا. وعلى الأخير أن يستعين بالصكوك الدولية بشأن انتهاكات لهذه الحقوق بحقّه.
الاستنتاج
التمييز بين السوريين المتعلمين وغير المتعلمين من قبل الحكومة اللبنانية: وبينما يُبلّغ بإيجابية عن معاملة السلطات اللبنانية للسوريين الذين ينتمون إلى فئة اجتماعية معيّنة، فهي تميّز خلفيتهم الاجتماعية والعلمية وتعترف بها. إلا أنه لا يُمكن سوى التساؤل عن حقّ الأشخاص الذين لا ينتمون إلى هذه الفئة الاجتماعية في المعاملة نفسها.
(نص مترجم من اللغة الإنكليزية)

A+
A-
share
حزيران 2016
أنظر أيضا
07 أيار 2020 بقلم جورج حابك، صحافي
07 أيار 2020
بقلم جورج حابك، صحافي
07 أيار 2020 بقلم جاد ملكي، باحث
07 أيار 2020
بقلم جاد ملكي، باحث
07 أيار 2020 بقلم جنى الدهيبي، صحافية لبنانية تعمل في جريدة المدن الإلكترونية وتتعاون مع عدد من المنصات العربية
07 أيار 2020
بقلم جنى الدهيبي، صحافية لبنانية تعمل في جريدة المدن الإلكترونية وتتعاون مع عدد من المنصات العربية
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد