«هو مكان يستقبل كلّ ما هو جميل ومتنوع موسيقياً ومسرحياً، ومفتوح لكلّ شخص لديه ما يقوله ولأي تجربة فنية عربية كانت أم أجنبية»، أخبر هشام جابر، المسرحي والمدير الفني للمترو.
من ينزل الدرجات الأولى لمترو المدينة، تُنسيه الطاقة الإيجابية الموجودة فيه أعباء المدينة ووجهها القاسي أحياناً. جدران ملوّنة ببوسترات لعروض كباريه ولمسرحيات وفرق موسيقية، وجوّ من الودّ والفرح يستقبل الزائر على مدخل البار وصولاً إلى المسرح الذي يقدّم عروضاً فنية متنوعة على مدار الأسبوع لفرق أغلبها تضم فنانين من لبنان وسوريا وفلسطين والعراق ومصر وغيرها.
«قابلنا منذ بداية عملنا فنانين سوريين موهوبين جداً. كانت المرّة الأولى التي تُتاح لنا للتعرّف إلى بعضنا، لبنانيين وسوريين، بعيداً عن الحواجز النفسية والمشاعر السلبية التي كانت تمنعنا من التواصل سابقاً»، قال المخرج باسم بريش، أحد القيّمين على المكان.
«استقبلنا فنانين من بلدان عربية وأجنبية عديدة، لكن بما أن أغلب الفنانين السوريين يقيمون في بيروت، فهم لعبوا دوراً أساسياً في إنشاء فرق موسيقية، أدخلوا عليها آلات عزفهم المتنوعة، مما أغنى الحركة الفنية والموسيقية في المدينة» تابع هشام. وأضاف بأن المترو بهذا المعنى يلعب الدور الذي كانت بيروت تلعبه في السابق. «عندما يكون هناك أزمات في البلدان المحيطة، كانت بيروت تستقبل الفنانين الذين اضطروا الى مغادرة بلدانهم لأنهم فقدوا إمكانية إكمال تجربتهم هناك، كانت تحتضنهم، كما يفعل المترو اليوم».
قدم هاني السواح، مغني الراب السوري، من حمص إلى بيروت في العام 2012، ووجد في مترو المدينة حالة مختلفة عن باقي الأماكن في العاصمة. «وجود مكان مثله هو الذي جعلني على ما أنا عليه اليوم، في علاقتي مع الجمهور وفي وقفتي على المسرح وأدائي. يمثل المترو الجانب الإيجابي والمريح لبيروت، نصف الكأس الممتلئة. أشعر هناك وكأني في بيتي. العلاقة مع العاملين فيه واضحة وممأسسة وعائلية. هو الذي دفعني الى البقاء في هذه المدينة».
ساعد وجود مترو المدينة مريم صالح على اتخاذ قرارها بترك مصر لأول مرة في حياتها والمجيء للإقامة في بيروت. ومريم هي مغنية وموسيقية مصرية، أمضت طفولتها وجزءاً كبيراً من حياتها تتنقل من مكان إلى مكان في مصر مع فرقة «سُرادق» للمسرح الشعبي التي أسسها والدها صالح سعد عام 1983، وأكثر شخصية أحبت تمثيلها كانت شخصية المهرج. مثّلت أدواراً في السينما أيضاً، وعملت على ورش مسرح للأطفال، وأسست فرقاً موسيقية متعدّدة، وكان همّها الأساسي المساهمة في نشر أعمال الشيخ الإمام الذي «لم يأخذ حقّه»، وإظهار مدى التنوّع والقدرة التمثيلية التي كان يمتلكها في ألحانه وأدائه.
«أول مكان أزوره عندما آتي الى بيروت هو مترو المدينة، هناك أشعر بالحضن. آخر شخص عرفته أمّن هذا الجوّ المريح في العمل المسرحي وولّد هذا الإحساس الجميل لدى الفريق كان والدي». أكثر ما يثير إعجاب مريم هو العلاقات الإنسانية التي تجمع الموظفين في المترو والفنانين والمسؤولين عن المكان ببعضهم.
حالة التبنّي التي يؤمنها المترو للموظفين فيه وعلاقات الودّ التي تجمعهم أثّرت أيضاً بمروى أبو خليل التي قدمت منذ ثلاث سنوات في عمر الثامنة عشرة من محافظة السويداء في سوريا إلى بيروت. تدرس مروى الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية نهاراً وتعمل في المترو ليلاً.
«لا أشعر بالتعب في عملي هنا. الجوّ لطيف ومريح، هناك إهتمام وحبّ، ولا أحد يؤذي الآخر كما يحصل فوق الأرض». وهي تأتي الى المترو خارج دوام العمل، ترسم، تسمع الموسيقى، ترتاح، كما لو كانت في بيتها. «بيروت بالنسبة لي هي المترو»، تقول مروى.
«جرت العادة أثناء الحروب أن تتحوّل الملاجئ الى كباريهات، الناس فوق الأرض تتقاتل، وتحتها تتسلّى»، قال باسم، وعلى امتداد أكثر من خمس سنوات، صار «مترو المدينة» مكاناً للتسلية والتجريب، يدعم الفنانين والفرق الفنية ويدعم أيضاً قضايا إجتماعية وإنسانية، يؤمن القيمون على هذا المكان أنها أساس الحركة الثقافية التي يسعون الى تحريكها في البلد.
ففي صالة العروض، التي اتحذها الأمن العام في فترة سابقة مقراً لإجراء الرقابة على الأفلام، نظّم المترو في السنوات الماضية عدّة مزادات، الأول كان لدعم حملة «انتفاضة المرأة في العالم العربي» والثاني لدعم اللاجئين السوريين في لبنان والثالث لدعم الحريات في مواجهة الرقابة وهو خصّص في الآونة الأخيرة عرض «بار فاروق» لدعم لائحة «بيروت مدينتي» التي خاضت الانتخابات البلدية من خارج الإصطفافات السياسية والطائفية في البلد.
«من ضمن واجباتنا في المترو، دعم قضايا نؤمن بها وحملات تقدّم طروحات إجتماعية مفيدة لهذه المدينة لأن الحركة الثقافية في البلد مرتبطة بحيوية المجتمع فيه»، ختم هشام جابر.