المهمة القيمية الملحة

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 حزيران 16 3 دقائق للقراءة
المهمة القيمية الملحة
الحروب غالباً خرقاء، إذ يَظهر بعد انتهائها أنها لم تحقق الأغراض التي شُنت باسمها... الحروب عقيمة.
كلها: بين الدول، والغزو والاحتلال، والاستعمار... وليس من خلاف لا يمكن حله بوسائل أخرى، هذا لو سلّمنا أن أصل الحروب هي الخلافات، وهو حال نادراً ما يصح! والحروب الأهلية من بينها هي الأكثر شراسة وتدميراً، لأنها تجري بين جماعات يُفترض أنها تتقاسم أشياء كثيرة، منها الأرض التي يعيشون عليها، أي بين «أخوة»، ما يمس بالنسيج الاجتماعي لمجتمعات قائمة (بخلاف تلك «الخارجية» التي يُعْتدّ فيها بالحس «الوطني» الجامع)، ما يجعل العداوة أفدح والارتكابات المريعة التي يتم الإقدام عليها لا تُغتفر ولا تُنسى إلا بجهد هادف وشاق.
تنساب أمام أعيننا اليوم مشاهد حرب أهلية مُرَكّبة تجري في سوريا، وهي تستحضر في أذهان من عاش الحرب الأهلية اللبنانية ذكريات مريرة لا تُجْدي معها المكابرة والادعاء أن اللبنانيين خاضوها «بشكل مختلف»، مع أن العناصر واحدة بغض النظر عن كثافتها: هل سنقول لأمٍ فقدت ابنها أن حربنا كانت «ارحم»؟ ولتلك التي أمضت عمرها تبحث عن مفقود، ما زال لليوم مفقودا، وعن ذاك الذي دمر بيته وتشرد مع عائلته على الطرقات ينتظر رحمة ربه وإحسان الناس... والمغتصبة؟ سواء كانت عشرة أو ألف: كل مغتصَبة مأساة، كل قتيل هو نهاية العالم بالنسبة له وأحيانا لذويه.
تفيض الحرب الجارية في سوريا على لبنان: بحكم أعداد النازحين الوافدين إليه وهي مهولة (ربع عدد سكان البلد على الأقل)، وبسبب ضعف المساعدات والهبات الدولية التي تترك لبنان يتدبر أمره كما يمكنه، ولكنها وخصوصا تضع هؤلاء النازحين في أوضاع لا تليق بآدمية البشر. وتفيض الحرب كذلك في توظيفاتها المختلفة داخل صراعات سياسية محلية تدور غالبا حول النفوذ والسلطة، وهو ما تمارسه كل الأطراف بغض النظر عن انحيازاتها للجهات السورية المتقاتلة ومن خلفها للجهات الخارجية الداعمة لها.
ولكن الأبشع من هذا وذاك أنها تكشف أعطاباً في المفاهيم والقيم المتبناة والمُجاهَر بها، سواء بشكل صريح أو متوارٍ (ولكن مقروء!)، وعلى رأسها العنصرية، بما هي استعلاء على هؤلاء المساكين المغلوبين على أمرهم، والقسوة حيالهم، واستغلال ظروفهم بحجج شتى. صحيح أن النسيان من طباع الإنسان، ولكن ثمة أيضاً في العنصرية اللاحقة بالنازحين نوع من «نكران التماثل» أو احتمال المقارنة، وهو «خوف» من النفس قبل أن يكون شيئاً آخر... ما لا يبرر أبداً هذه المواقف والمشاعر، ولكنه يفضح هول الحرب الأهلية اللبنانية التي انتهت رسمياً منذ ربع قرن، ولكن ندوبها ما زالت في النفوس، يمكن تلمسها ويمكنها أن تتقيّح! ذلك أن الملف أغلق على «زغَل» وبفولكلورية عالية، بخلاف تجارب أخرى تكبد أصحابها عناء مساءلة أنفسهم وسواهم ثم اتخاذ قرار فعلي بالمسامحة المتبادلة. والأمثلة، وإن لم تكن كثيرة، إلا أنها موجودة وموثقة...
ولذلك أهميته اليوم، على الرغم مما يبدو من استطالة سريان الدماء والخراب في سوريا، من دون أفق ظاهر لنقطة نهاية. ولكنها الحرب ستنتهي! والرجاء أن تنتهي بأسرع ما يمكن، للتقليل من الخسائر وهي أصلاً عظيمة، وحتى يُلتَفت إلى المهمة الأصعب: رأب الصدوع، وهي هنا عميقة، واسعة، مهولة. وتلك عملية قد يمْكن للبنانيين، أو لبعضهم ممن افتكروا الأمر (أمرهم هم) أن يساعدوا فيها. بتواضع، وليس بتشاوف من «يعطي دروساً». المهمة توازي في ضرورتها الاهتمام بأحوال الناس من النازحين، وتوفير المأكل والملبس والمأوى والأمان والعلاج وكذلك التعليم لصغارهم... وهي الحقوق الإنسانية الأساسية وفق كل شرائع الأرض والسماء. يجب أن تعيّن تلك المهمة وأن «تُقال» منذ الآن، لأنها تسمح بتشييد منظومة أخلاقية قيمية لا يوجد فيها ممارسون ومتلقون، أي هي بلا تراتبية مفترضة، وإنما تكوِّن رويداً نسيجاً تبادلياً مشتركاً من القناعات العامة: ألم تكن العبودية، أو التمييز على أساس اللون، أو دونية المرأة الخ... «مقبولة» في أزمنة ماضية ليست سحيقة، وفي أماكن باتت تعتبرها اليوم جرائم وتنظر اليها بإدانة واشمئزاز؟ على الحروب أن تصبح كذلك!
وعلى هذه المهمة القيمية أن تندرج كهمٍّ عالمي، حتى تخرج مسألة اللجوء من قمقم «التخويف بها ومنها»، وبالأخص في أوروبا القريبة منا... تخويف يمهد الساحة لمآسي عملية أخرى هنا وهناك، ويُمثِّل انتكاسة للبشر عموماً.
A+
A-
share
حزيران 2016
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد