في هذا العدد الخاص للملحق الذي يستذكر الحرب الأهلية اللبنانية، نقدّم منصة لمناقشة تداعيات تلك الحرب كما رآها الأشخاص الذين عاشوها؛ وهذا لن يسمح لنا بمشاركتهم ذكرياتهم وقصصهم وتجاربهم وحسب، بل أيضاً بتفحّص الندوب الجسدية والنفسية التي خلّفتها الحرب فيهم جميعاً.
سوف تقرؤون في هذا العدد قصصاً لأشخاص فقدوا أصدقاء مقربين وأفراداً من العائلة خلال الحرب؛ قصصاً عن أشخاص تزوجوا خلال الحرب، متحدّين القنابل والمتاريس؛ قصصاً عن الأشخاص الذين رفضوا مغادرة البلد، على الرغم من كل شيء؛ قصصاً عن أشخاص اختفوا؛ وقصصاً عن عائلات تعيش في حالة دائمة من الخوف والمجهول بعد أن خاب أملهم في رؤية أطفالهم مرة أخرى، أطفالهم الذين بقي مصيرهم معلّقاً في الهواء.
وفيما يستعيد الشعب اللبناني فكرة الحرب عند مشاهدة الأحداث في سوريا المجاورة، تعود الصدمات الناجمة عن تلك القصص والذكريات المكدّسة لتظهر مجدداً. وهنا لا بدّ من الإقرار بأن قصصنا الخاصة عن الحرب لديها القدرة على إضفاء الطابع الإنساني على علاقتنا مع شعوب أخرى قادمة من بلدان مزّقتها الحروب. ولهذا السبب، سيختبِر قراء هذا الملحق، وبشكل واضح، البعد الإنساني للحرب، ومدى صعوبة التحديات التي واجهها الناجون خلال السنوات الأخيرة. ولا يسعنا سوى أن نأمل أن يتردد صدى هذه القصص في رسالة واحدة مشتركة: «قد تختلف حروبنا ولكن معاناتنا وخسارتنا هي نفسها».
أثناء إعداد هذا الملحق، حاولنا تشجيع اللبنانيين والسوريين على التكّلم بكل صراحة، وعلى مشاركتنا آلامهم وقصصهم عن الأمل والحرب. كان البعض منهم متردداً في إحياء الذكريات المؤذية، فيما أبدى البعض الآخر حماسة لمشاركتهم أكثر اللحظات عاطفيّة من طفولتهم وحياتهم كراشدين.
وفيما تقوم الكثير من المنظمات هذه السنة بإحياء ذكرى الحرب من خلال عدة طرق وفي مناسبات مختلفة، فإننا نريد لهذا الملحق أن يكون للقرّاء مصدر ذكرى ودليلاً على عملية طويلة من التأمل في الحرب الأهلية: تداعياتها على المجتمعات الممزّقة، وأهمية العدالة الانتقالية، والحاجة للتوصل إلى إجابات ملموسة لعائلات الأشخاص المفقودين، والأدوات المتوفرة لتذكر النواحي الثقافية للحرب وتحديدها.
نحن لا نريد التكلّم عن الحرب الأهلية من وجهة نظر تاريخية وسياسية؛ بل نسعى لتعزيز ذاكرتها الجماعية والحاجة إلى المصالحة، وذلك كوسيلة يمكننا أن نحقق من خلالها استقراراً اجتماعياً وسلاماً مدنياً دائميْن.
نحن نؤمن بأن الوقت قد حان لبناء السلام القائم على مفاهيم حقوق الإنسان والعدالة والمساءلة بدلاً من العفو وفقدان الذاكرة.