الغذاء للبنان: المبادرات الداعمة للزراعة والمزارعين في المجتمعات المحليّة

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 09 كانون الأول 20 بقلم نبيلة رحال، صحافية في مجلة "أريبيان بيزنس" 5 دقائق للقراءة
الغذاء للبنان: المبادرات الداعمة للزراعة والمزارعين في المجتمعات المحليّة
©كُن - Kon متطوعون يحصدون القمح في بتبيات لصالح المجتمع المحلي والمزارعين
مع كل يوم يمرّ، تصبح مؤشّرات الأزمة الإقتصادية المستمرّة في لبنان أكثر حدّة وقتامة. وقد أدّت كلّ من تداعيات جائحة فيروس كورونا، بما في ذلك الإغلاق لمدّة شهرين الذي حرم المئات من سبل عيشهم رغم ضرورته، والأثر المدمّر الذي خلّفه انفجار 4 آب، إلى تفاقم الوضع القاتم أصلاً.

مع كل يوم يمرّ، تصبح مؤشّرات الأزمة الإقتصادية المستمرّة في لبنان أكثر حدّة وقتامة. وقد أدّت كلّ من تداعيات جائحة فيروس كورونا، بما في ذلك الإغلاق لمدّة شهرين الذي حرم المئات من سبل عيشهم رغم ضرورته، والأثر المدمّر الذي خلّفه انفجار 4 آب، إلى تفاقم الوضع القاتم أصلاً. كما سلّطت الضوء على الحالة المزرية للإكتفاء الغذائي في لبنان، والذي تعرّفه منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) بأنّه "بلد ينتج نسبة من حاجاته الغذائية الخاصّة التي تقارب أو تتجاوز الـ100 في المئة من إستهلاكه الغذائي، وأنّ قطاعات الزراعة والصناعة الزراعية في لبنان غير متطوّرة، حيث تساهم بنسبة 5% فقط من إجمالي الناتج المحلّي وفقاً لمنظمة "الفاو"[i]. وبالتالي، فإنّ لبنان يعتمد على الواردات لتلبية الحاجات الغذائيّة لمواطنيه، ويتمّ استيراد 85% من حاجات البلاد الغذائيّة الأساسيّة، وفقاً لـ"الفاو". حتىّ في الأغذية المنتجة محلياً، نجد عادةً مكوّناً مستورداً، سواء كان علفاً لحيوانات المزارع أو البذور أو مبيدات الآفات التي تستخدم في زراعة الخضروات والفواكه، أو حتى الحاويات. 

ويتمّ دفع قيمة المواد المستوردة بالدولار في أغلب الأحيان، وهكذا، مع الزيادة المطّردة في سعر صرف العملات الأجنبيّة، أصبحت تكلفة الإستيراد، وبالتالي أسعار هذه المواد، باهظة بالنسبة إلى معظم اللبنانيين. وارتفع سعر متوسّط الغذاء في لبنان بنسبة 120 في المئة في آب 2020 مقارنةً بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لمؤشّر أسعار المستهلك في لبنان. وقد سجّل برنامج الأغذية العالمي (WFP) زيادة بنسبة 56% في أسعار المواد الغذائية خلال الفترة بين تشرين الأول 2019 ونيسان 2020، فيما جميع المؤشرات ترجّح فكرة إستمرار إرتفاع الأسعار. كما يشير برنامج الأغذية العالمي إلى أنّ 49% من اللبنانيين يشعرون بالقلق في شأن حصولهم على الغذاء.[ii]

وعلى الرغم من كآبة الوضع، لم ييأس البعض من محاولة إيجاد حلول، مهما كانت صغيرة، للوضع الغذائي في لبنان. ويقول زياد حوراني، المؤسّس المشارك لمبادرة From the Villages (من القرى)، وهي منصّة للتجارة الإلكترونيّة تربط حالياً 28 منتجاً في قرى عدّة في جنوب لبنان بالمستهلكين في بيروت: "في نهاية المطاف، تولد الأفكار العظيمة من الأزمات، لأنك تحاول حلّ مشكلة واقعيّة". [iii] بعد إنفجار بيروت الذي حصل في آب، حوّلت “From the Villages”  عملياتها نحو مساعدة المتضرّرين من الإنفجار، وهي الآن تعود ببطء إلى نموذج أعمالها الأصلي، كما يقول هاني توما، المؤسّس المشارك الذي يقود الآن عمليات المنصّة.

في الواقع، ظهرت مبادرات عدّة لإعادة تصوّر علاقة لبنان بالغذاء الذي يستهلكه من خلال العودة إلى الأساسيّات، وتشجيع المزيد من الإنتاج المحلّي أو دعم المزارعين المحلّيين والصناعيّين الزراعييّن.

وتهدف بعض هذه المبادرات إلى تشجيع الأفراد أو المجتمعات المحلّية على زراعة جزء من حاجاتها الغذائية. وقد وجدت هذه الأنواع من المبادرات أراضي خصبة خلال تدابير الإغلاق المتعلّقة بجائحة كوفيد-19.

يقول سليم زوين، المؤسّس المشارك لمجموعة "إزرع" IZRAA على موقع "فايسبوك"، التي ينتسب إليها أكثر من 44 ألف عضو، وهي منصّة مجتمعيّة يشارك فيها الأعضاء تحدّيات الزراعة ويقترحون الحلول في ما بينهم: "إنّ المزج بين الشعور بالملل في المنزل والقلق من الحصول على الطعام، أدّى إلى زيادة الإهتمام بالزراعة المنزلية". ويضيف أنّ الإهتمام بالزراعة الفرديّة قد ازداد بعد الإغلاق، وإرتفع عدد الأعضاء بمعدّل 1000 عضو كلّ بضعة أيام.ويقول زوين إستناداً إلى ملاحظاته عن المجموعة: "مع نجاح الناس في جهودهم الزراعيّة الصغيرة، مثل زراعة الأعشاب على شرفاتهم، فقد تطوّروا إلى مشاريع أكبر حيث يزرع العديد منهم الآن قطعاً صغيرة من الأراضي في قراهم". ويضيف أنّ الأسئلة التي طرحها أعضاء المجموعة تجاوزت الزراعة، حيث يسأل الناس عن رعاية حيوانات المزارع وحتى عن دودة القزّ (على أمل إستخدام الخيوط لصنع ملابسهم الخاصّة).

وأدّى إنفجار المرفأ إلى نزوح المزيد من الناس من بيروت إلى الجبال، حيث قاموا مرّة أخرى بزراعة ما أمكنهم زراعته.

كما قامت البلديات، مثل بلدية الشوير- عين السنديانة، بتشجيع زراعة الفواكه والخضروات داخل مناطقها، إما من خلال توزيع البذور على السكان أو من خلال تقديم أراض يزرعها السكان أنفسهم أو مزارعون محترفون. وفي بداية موسم الخريف الحالي، وُزِّعت المحاصيل التي زرعتها البلدية على الأسر المحتاجة في المجتمع.

وبالتوازي مع هذه الجهود التي تشجّع على الزراعة، هناك أيضاً مبادرات عدّة تمّ إطلاقها منذ أواخر العام 2019 وحتّى الآن، والتي تدعم منتجي الأغذية المحليّين. ورغم أنّ مفهوم دعم المنتجين المحليّين ليس جديداً في لبنان - "سوق الطيّب" هو أحد الأمثلة الناجحة لسوق المزارعين، الذي انتقل مؤخّراً إلى موقع أكبر في مار مخايل -  فقد كان المستهلكون أكثر انفتاحاً على احتضان هذه المنتجات لأنّ المواد الغذائيّة المحليّة عموماً أقلّ كلفة ومتوفّرة أكثر من المنتجات المستوردة.

يقول زوين أنّه بعد إنفجار بيروت وتدهور الأوضاع الإقتصادية في البلاد، إزداد الإهتمام الدولي بتمويل المنتجات الزراعيّة المحليّة.

وعلى الرغم من ميزة هذه المبادرات، فمن المرجّح أن يبقى تأثيرها محصوراً بالمجتمع المحلّي والأفراد، في غياب خطّة وطنيّة للزراعة والإصلاحات، بمبادرة حكوميّة. وتشمل هذه الخطّة، وفقاً لزوين، إنشاء وتمكين تعاونيات المزارعين في لبنان بغية خفض التكلفة على المزارعين (تقاسم الآلات على سبيل المثال)، ومنحهم القدرة على المساومة مع التجّار. كما يمكن أن تشمل الإعفاء الضريبي على السلع المستوردة للصناعات الزراعيّة، أو الدعم للصادرات. إنّ الإقتراحات كثيرة، والمسار طويل قبل أن يستطيع لبنان أن يعلن حقاً مساهمة المنتجات "من المزرعة إلى المائدة" في نسبة مئويّة من إنتاجه الغذائي على الأقلّ. ولكن على الأقلّ، هناك جهود صادقة وفعّالة تسير في الإتجاه الصحيح.


[ii]  برنامج الأغذية العالمي في لبنان: https://www.wfp.org/countries/lebanon

[iii]  مبادرة From the Villages: https://www.fromthevillages.com/

 

A+
A-
share
كانون الأول 2020
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد