لقد دفع تفشّي جائحة كوفيد19- غير المتوقّع، المؤسّسات التعليميّة إلى الإنتقال إلى صيغ تدريس مؤقّتة للطوارىء. وقد أحدثت الجائحة تحوّلاً في البارادايم، مع ردود فعل مختلفة للتكيّف مع متطلّباته. وجاء ردّ فعل لبنان وفق وسائل تمّ تكييفها لضمان إستمراريّة التعليم أثناء الإغلاق. إذ حدّد التعميم رقم 15 الصادر عن وزير التربية والتعليم العالي (MEHE) في 17 آذار 2020، ثلاثة مسارات متوازية لإعادة ربط الطلّاب بالمناهج الدراسيّة وهي: (1) بثّ تلفزيوني لمحاضرات طلّاب صفَّي التاسع والثاني عشر، وكذلك من لا تتوافر لديهم الإنترنت؛ (2) توفير منصّات إلكترونيّة لتأمين التواصل التفاعلي بين المعلِّمين والطلّاب في مديريات وزارة التربية والتعليم العالي والجامعة اللبنانية؛ (3) توزيع المواد والإمتحانات على الطلّاب من خلال مدراء المدارس. وقد تمّ إختيار المسار المناسب بناءً على تقدير مدير المدرسة المعنيّ.[i] كما دعت وزارة التربية والتعليم العالي المعلّمين المتطوّعين من المدارس الرسمية والخاصّة إلى تصوير دروس لبثّها على التلفزيون تستهدف الطلّاب الذين تقرّرت مشاركتهم في الإمتحانات الرسميّة.[ii]
وكانت طريقة المسارات الثلاثة أقرب إلى البنية التحتيّة والوصول إلى المحتوى منه إلى أصول التدريس من أجل التعلّم. ولم تعطَ الأولويّة للعنصر التربوي نظراً إلى الطابع الطارىء لعملية الإنتقال، وبسبب غياب خطط للطوارئ تسترشد برؤية. وبالتالي، فإنّ "التدريس عن بُعد في حالات الطوارئ" الذي اقترحه هودج وآخرون (2020)[iii] يعكس بصورة أدقّ طريقة تقديم المحتوى أثناء الجائحة من تعبير التعلّم أونلاين. لا يقتصر التعلّم أونلاين فقط على تقديم المحتوى ، ولا هو أداة تستخدم بعيداً عن أصول التدريس. إنّه فنّ يتطلّب مهارات وكفايات في تصميم غرف الدردشة، وأنشطة لتسهيل حلّ المسائل، والتفكير الناقد (برانش ودوساي، 2015)[iv]، ناهيك عن تشجيع المناقشات بين المتعلّمين ضمن الحوار الفكري في تقاليد الانسانيات.
ومؤخّراً، نصّ القرار463/2020 على تطبيق التعلّم المدمج في المدارس، جزئيًا وتدريجيًا، بدءًا من 10 تشرين الأول 2020[v]. وتضمّن القرار 5 مواد، لم يركّز أيّ منها على أصول التدريس. حتّى أنّ تضارب السلطات بين وزارة التربية والتعليم العالي و"المركز التربوي للبحوث والإنماء" (CERD) قد أحبط مبادرات تدريجيّة لتحقيق الإستفادة القصوى من تجربة الأونلاين أثناء الجائحة.
البنية التحتيّة والوصول إلى المرافق والأدوات
وبسبب البنية التحتيّة المتداعية، تعطّلت حصص التعليم أونلاين بشكل متكرّر بسبب إنقطاع التيار الكهربائي، ممّا أدى إلى الإحباط والتعطيل. وشكّل ضعف الإتصال عائقاً بالقدر نفسه أمام التدريس بصرف النظر عن القطاع المدرسي. فقد تمّ ردع تحميل الصور بسبب محدوديّة عرض النطاق التردّدي (Bandwidth)، وإيقاف تشغيل مقاطع الفيديو وكتم خيارات الصوت للحفاظ على إستهلاك عرض النطاق التردّدي إلى أدنى حدّ ممكن لإكمال الحصص.
وقد وجدت المدارس التي لديها إشتراك في Office 365 أنّه من المفيد إستخدام Skype for Business أو Microsoft Teams لتقديم خدمة التعليم أونلاين أو عبر تقنية "زوم" (Zoom)، على عكس المدارس التي تستثمر أقلّ في التكنولوجيا. كان المعلّمون يكملون محاضراتهم بين الحين والآخر بتسجيلات صوتيّة، ويستخدمون منتدى المناقشة على تطبيق Blackboard أو Moodle، حسب "نظام إدارة التعلّم" (LMS) المعتمد في المدارس. ومن المعروف في لبنان أنّ المدارس الخاصّة تستخدم نظام LMS في التعليم والتعلّم أكثر من نظيراتها في القطاع العام. وأثار الخلاف في توزيع المرافق والأدوات بين المدارس الرسمية والخاصة، المخاوف بشأن قضايا الاتاحة، والانصاف والمساواة وسط الفجوة الرقميّة.
ماذا حدث خلف شاشة التوقّف أثناء الإغلاق؟
إنّ النظام المدرسي في لبنان يلتزم في معظمه وبشكلٍ كبير النماذج التقليديّة للتعليم في مظاهره المختلفة، بما في ذلك التركيز على المحاضرات والمناهج المتمحورة حول المعلّم، والتي تضعف التعليم البنائي وتحدّ من التفكير النقدي. وهذا الضعف التربوي الملحوظ في تدريس الرياضيات والعلوم، على سبيل المثال، أكدّته نتائج إختبار لبنان في " إتجاهات التحصيل في الرياضيات والعلوم على الصعيد الدولي" (TIMSS) خلال السنوات القليلة الماضية. كما يبدو أنّ بيئة الصفّ المدرسي التقليديّة قد انتقلت أيضاً إلى بيئة الأونلاين. وفي حين أنّ هناك أبحاثاً قليلة حول البيئة الصفّية في المدارس اللبنانية، إلّا أنّه لا يُعرف الكثير عن التفاعل بين الطالب والمعلّم أونلاين، والأهمّ من ذلك كيف تمّ دمج الطلاب ذوي التحدّيات المعرفيّة وغير المعرفيّة في التعليم عن بُعد في حالات الطوارىء. وتشير الأدلّة القولية إلى استياء واسع النطاق بين الطلّاب وأولياء الأمور بسبب ضعف الإتصال وسوء إدارة الصفوف المدرسية من قبل بعض معلّمي المدارس في كلّ من القطاعين الخاصّ والعام.
إلى أين التعليم في مرحلة ما بعد كوفيد-19؟
- التدريب:
منذ بداية الجائحة، قدّمت بعض المدارس التدريب إلى معلّمي المدارس للإنتقال إلى التدريس عن بُعد في حالات الطوارئ في فترة قصيرة. بيد أنّ التدريب كان موجّهاً نحو كيفيّة إستخدام الأدوات بدلاً من تخصيص التكنولوجيا لأغراض التربية والتقييم. وعلى الرغم من ذلك، تمكّن المعلّمون، وخصوصاً المحافظين "اللوديين" منهم، من التأقلم مع تعقيدات نقل التدريس إلى بيئات التعلّم الإفتراضيّة. وبما أنّ خدمة التعليم أونلاين ستبقى معنا في المستقبل القريب، فمن المستحسن أن يشمل تدريب المعلّمين التصميم التعليمي الذي تقوده نظريات التعلّم.
- الموارد التعليميّة المفتوحة (OER):
إنّ القطاع التربوي مدعوٌّ إلى نشر الموارد التعليميّة المفتوحة وبشكلٍ علني أونلاين والموجودة في المجال العام. ويمكن للموارد الإبداعيّة أن تعزّز التعلّم الموجّه ذاتياً وتعوّض الطبيعة "الثابتة" للكتاب المدرسي.
- السياسات:
لا بدّ من صياغة القوانين التعليميّة اللازمة لإضفاء الشرعيّة على التعلّم أونلاين، مع الحرص على وضع معايير ضمان الجودة لتأمين نوعية ونزاهة عملية خدمة التعليم أونلاين.
[i] التعميم 15 ، https://www.mehe.gov.lb/ar/LegislationsRegulations/All/Details?LegislationRegulationId=1012
[ii] التعميم 16، https://www.mehe.gov.lb/ar/LegislationsRegulations/All/Details?LegislationRegulationId=1010
[iii] https://er.educause.edu/articles/2020/3/the-difference-between-emergency-remote-teaching-and-online-learning
[iv] ر. برانش و ت. دوساي (2015). “Survey of Instructional Design Models” (مسح نماذج التصميم التعليمي). جمعية الاتصالات التربوية والتكنولوجيا (AECT).