إنّ جائحة كوفيد-19 تشكّل الأزمة الصحيّة العالمية الحاسمة في عصرنا هذا، والتحدّي الأكبر الذي يواجهه العالم منذ الحرب العالمية الثانية. فالجائحة أكثر بكثير من مجرّد أزمة صحيّة، بل هي أيضاً أزمة إجتماعية وإقتصادية لم يسبق لها مثيل، ذات قدرة على إحداث آثار إجتماعية وإقتصادية وسياسية مدمّرة من شأنها أن تترك ندوباً عميقة وطويلة الأمد. وفي هذا الصدد، خلصت دراسة حديثة أجراها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أنّ الآثار الخطيرة الطويلة الأجل لجائحة كوفيد-19 يمكن أن تدفع ٢٠٧ ملايين شخص إضافي إلى الفقر المدقع، علاوةً على المسار الحالي للجائحة، ليصل المجموع إلى أكثر من مليار شخص بحلول عام 2030. [1]
وبينما كان إنفجار بيروت في ٤ آب ٢٠٢٠ نقطة تحوّل بالنسبة للبنان، لا يزال البلد يخوض معركة شاقّة ضدّ إنتشار جائحة كوفيد-19 والأزمة الإجتماعية والإقتصادية المتدهورة وسط تزايد أوجه عدم المساواة وتفاقم حالة عدم اليقين. لا شكّ أنّ هذه تحديّات هائلة، لكنّها تخلق أيضاً فرصة فريدة لـ "بناء لبنان قدماً".
لقد كشفت جائحة كوفيد-19 في مختلف أنحاء العالم عن مدى حدود الأنظمة الإجتماعية وشبكات الأمان عندما يتعلّق الأمر بإعانة السكان وتوفير الرعاية لهم، وخاصةً الفئات الأكثر ضعفاً. وقد إستعرض تقرير التنمية البشرية لعام ٢٠١٩ الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي العديد من أوجه عدم المساواة الناجمة عن هذه الأنظمة، ودعا إلى إيجاد حلول تأخذ في الإعتبار أوجه الترابط بين مختلف العوامل في المجتمعات، والإقتصادات، والهياكل السياسية لضمان التنمية البشرية المستدامة. كما دعت أزمة كوفيد-19 إلى إعادة تقييم أولويّات الأفراد، والمجتمعات والإنسانية بشكلٍ عام. وحتى لو تمّ إحتواءالجائحة، فإنّ العودة إلى "الوضع الطبيعي القديم" لم يعد ممكناً.
بالتالي، يقوم هذا الملحق بتحليل آثار جائحة كوفيد-19 المستمرّة والأزمات المتفاقمة التي سبّبتها الحالة الإقتصادية وتفجيرات بيروت في 4 آب على "الوضع الطبيعي القديم". كما يحدّد القطاعات التي تحتاج إلى إعادة التفكير النقديّ، ويلقي الضوء على الحلول الحاليّة والسبل الممكنة للمضي قدماً، من إعادة التفكير في العلاقات الإجتماعية إلى تعزيز نماذج محليّة أكثر إستدامةً للإنتاج، والإستهلاك وما بعد الإستهلاك، وإعادة تقييم احتياجات مكان العمل، وتحسين تدفّق المعلومات الدقيقة في هذه المرحلة الحرجة. ونحن على ثقة بأنّ الأفكار والتوصيات الواردة في هذا الملحق ستسهم في رسم السبيل للمضي قدماً من أجل بناء لبنان قدماً.