الكورونا، الأزمة الإقتصادية وانعدام المساواة: نحو إرساء مبادئ التضامن الإجتماعي؟

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 09 كانون الأول 20 بقلم لمى كرامة، كاتبة و باحثة في "المفكرة القانونية" 6 دقائق للقراءة
الكورونا، الأزمة الإقتصادية وانعدام المساواة: نحو إرساء مبادئ التضامن الإجتماعي؟
©سامر نعمة
قبيل عيده المئة، دقّ لبنان ناقوس الخطر الإجتماعي حيث قدّر الإرتفاع في نسبة من هُم تحت خط الفقر من 28 إلى 55%، ومن هُم تحت خط الفقر المدقع من 8 إلى 23% مقارنة مع عام 2019.

قبيل عيده المئة، دقّ لبنان ناقوس الخطر الإجتماعي حيث قدّر الإرتفاع في نسبة من هُم تحت خط الفقر من 28 إلى 55%، ومن هُم تحت خط الفقر المدقع من 8 إلى 23% مقارنة مع عام 2019. وقد انعكست الأزمة الإقتصادية والمصرفية غير المسبوقة على واقع إجتماعي غير محصّن، حيث ترافق تدهور سعر صرف الليرة وحجز المصارف لأموال المودعين، مع حلول جائحة كورونا في شباط 2020 وإعلان الإقفال العام. وقد جاءت مجزرة مرفأ بيروت لتتوّج سلسلة الأزمات، وتحصد خسارات هائلة في الأرواح والأملاك والبنى التحتيّة. وفي حين أن ارتفاع معدلات الفقر قد تفاقم تبعاً لتضافر كل هذه العوامل، إلاّ أنّ الأكيد أن انعدام المساواة في لبنان ليس نتاجاً ظرفياً للأحداث الأخيرة، بل تجلياً لنظام إجتماعي-إقتصادي قائم على ضعف وهشاشة الحماية الاجتماعية التي تقدمها الدولة، وتفويض دورها المركزي الى القطاع الخاص والقطاع الأهلي، من طوائف وأحزاب. فقد ظهّرت الأزمات المتتالية مكامن الخلل واللامساواة في نظام مهترئ، إن عبر سياسات صحيّة متبعة لسنوات وقيامها بإهمال القطاع العام، أو لناحية "خصخصة" الرعاية الإجتماعيّة والصحيّة في ظل إضعاف ممنهج لدولة الرعاية على حساب الزعامات الطائفية من خلال المؤسسات الخيريّة والدينيّة. وفي حين كان من المفترض أن تستجيب السلطات للأزمات الإستثنائيّة عبر خطط مستجدّة ومبتكرة، لم تستفد من إعلان حالة التعبئة العامة لإضفاء التوازن إلى العلاقات اللامتوازنة واللامتساوية، بل اتجهت نحو تأمين الحاجات الآنية من دون أيّ خطط جدية. وقد ظهر ذلك بشكل فادح في ظل إعلان حالة الطوارئ، وانشغال السلطات في التضييق على الحريات وعسكرة إدارة الأزمة، بدل معالجة الواقع الاجتماعي المأزوم وتأمين الحقوق الأساسيّة تبعاً لمجزرة المرفأ. إلاّ أنّ الوضع الاستثنائي الذي نشهده اليوم وسرعة تضخّم واقع اللامساواة والفقر، لا يمكن أن يستقيم سوى باجراءات استثنائية تنحدر من مفهوم "الدولة الفاعلة". في الواقع، يُتيح نظام التعبئة العامة (الذي تمّ تمديده حتى أواخر عام 2020) للدولة مروحة من الاجراءات التي يمكن اتخاذها لحماية الحقوق الأساسيّة، من الحق في الغذاء والسكن والصحة، لا سيما عبر تأمين المواد الأساسية، وضبط الأسعار، وصولاً إلى وضع يدها على المرافق الحيوية (مصارف، مستشفيات، فنادق)، وعلى مواردها البشرية لتأمين الإجراءات الضرورية للنهوض من الأزمة المتعدّدة الرؤوس.

أبعد من إجراءات التعبئة العامة، إنّ حدّة الأزمة ومستويات اللامساواة تتطلب الخروج من الحلول الآنية والمقاربات التقليدية للتعاطي مع الفقر، نحو تفكير مجتمعي شامل في مكامن اللامساواة في النظام. يعتبر لبنان من البلدان التي تعاني خللاً مرتفعاً في مستويات توزيع الثروات، حيث أشارت أرقام منظمة "الأسكوا" لسنة 2019، أنّ 10% من اللبنانيين فقط يمتلكون 70.6% من الثروات. كما يبلغ مؤشّر "جيني" الذي يقيس التفاوت في توزيع الثروة نحو 81.9%، وهو من أعلى المعدلات عالمياً. وعليه، لا يمكن تصوّر سياسات إجتماعية فعّالة ما لم تكن قائمة على العمل على ردم هذه الهوّة، وتوزيع الثروات – والخسائر ما بعد الانهيار – بشكل عادل. إنّ الحديث اليوم عن بناء مجتمع أكثر عدالة لا يستقيم من دون التفكير في الأسباب البنيوية لعدم المساواة، أبرزها سيطرة الإحتكارات على القطاعات الحيوية (صحة، طاقة أو مشتقات نفطيّة، غذاء)، وغياب رقابة الدولة ودورها في حماية وتأمين الحقوق الأساسيّة، والسياسة الضريبيّة غير العادلة والمستندة بنسبة تفوق 80% على الضرائب غير المباشرة التي تطاول بالعبء نفسه جميع القاطنين من دون تمييز في مستويات الدخل بينهم. فمعالجة الفقر تمرّ حتماً عبر معالجة مسبّباته، وأبرزها البنى التي تسمح بالتركز الكبير للثروة في لبنان. وعليه، إنّ طرح سياسات إجتماعية لبناء مستقبل أكثر عدالة يقتضي بأن ينطلق من مبدأ التضامن الاجتماعي كمبدأ محوريّ وأساسي للنظام الجديد. ولعل ما يزيد من أهمية هذا المبدأ، هو ما شهدناه في الأشهر الأخيرة من زخم في المبادرات الفردية والمجتمعيّة القائمة على التضامن بين الناس، ولا سيما في ما يتعلق بالتطوّع وتأمين المسكن والغذاء للمتضررين، والتي يقتضي بأن تنعكس أساليبها وروحيّتها بنيوياً في الدولة، من خلال السياسات الإجتماعية والإقتصادية والتشريعات المستقبلية. يقتضي أيضاً بأن يندرج إعتماد هذا المبدأ على مستويين: الأوّل، في حماية المداخيل، والثاني، في الحد من الفاتورة المعيشيّة والأعباء على الفئات الأكثر هشاشة.

وعليه، ينبغي طرح مبدأ التضامن الإجتماعي في سياق علاقات العمل، حيث لا يتحمّل الأجير وحده عبء الظروف الإقتصادية. فقد حدّدت المادة 50 فقرة من قانون العمل شروط الصرف من العمل لأسباب إقتصادية، حيث اشترطت على صاحب العمل إبلاغ وزارة العمل قبل شهر من تنفيذ الصرف، تحت طائلة إعتبار الصرف تعسّفياً. وفي هذه الحالة، على وزارة العمل أن تتشاور مع صاحب العمل حول كيفيّة إتمام الصرف، وتضع برنامجاً له يراعي أقدميّة الموظفين في المؤسسة واختصاصهم ووضعهم العائلي والإجتماعي. وبذلك، فإن القانون وضع دوراً محورياً لوزارة العمل في قضايا الصرف ولا سيما الجماعيّة منها، وأعطاها مجالاً لمراقبة كيفيّة إنهاء عقود العمل بشكل يسمح لها بتفعيل مبدأ التضامن بين ربّ العمل والأجير. في الروحيّة عينها، يقتضي تطوير شبكات الأمان الحالية وتوسيع نطاقها، ولا سيما البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، بشكل يُتيح لشريحة أكبر من الأشخاص الاستفادة منه. كما أنه من الضرورة التفكير في تطوير الخدمات المدرجة فيه بشكل يؤدي إلى تخفيض الفاتورة المعيشية للمستفيدين، من خلال مثلاً وضع خطة لتأمين حق الوصول إلى سكن ميسّر، وتفعيل الرقابة على المضاربات العقارية، والإستثمار في البنى التحتيّة وشبكة النقل العام بشكل خاص، ومراقبة أسعار السلع الأساسية ولا سيما الغذائية والصحية عبر مكافحة إلغاء الوكالات الحصرية وكسر الاحتكار بشأنها (أدوية، معدات، إلخ). كما يبقى الأهم هو توفير تمويل مستدام لهذا البرنامج بشكل يؤمّن استمراريته. في الواقع، لا يمكن تأمين إستدامة كهذه من دون إرساء سياسة ضريبيّة عادلة وهادفة، لا مجال للتوسّع في مندرجاتها هنا بل فقط إعطاء بعض الأفكار، كإقرار ضريبة تصاعدية على إجمالي مصادر الدخل (بما فيها الريوع)، واستحداث ضريبة على الشقق الفارغة تحفّز على عرضها بأسعار ميسّرة، وتفعيل أسس "ضريبة التضامن"، أي ضريبة على الشرائح الأكثر ثراء تستخدم في مجالات مكافحة الفقر.

لا يوجد حلّ واحد للحد من عدم المساواة. إلاّ أن الثابت، أن كل الخطط تبقى نظرية ما لم توجد التنظيمات السياسية والعمّالية والنقابية والقوى الاجتماعية القادرة على حملها والمطالبة بها، عبر خطاب حقوقي يُعيد إحياء منطق الدولة، أبعد من سرديات المساعدات الآنية. تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أهمية المبادرات التي أطلقتها العديد من المجموعات في التشبيك بين أهالي المناطق المتضررة في بيروت، والسعي نحو مأسسة الضحايا كقوّة مجتمعية ضاغطة. النقطة الأخيرة تُعيدنا إذاً إلى المدخل الأساسي نحو الحل، وهي ضرورة بناء تحالفات وتنظيمات مرتكزة على مشروع سياسي - إجتماعي، تنظيمات تشاركيّة تتمثّل فيها كل الفئات العمرية والمناطق والمهن.

 
A+
A-
share
كانون الأول 2020
أنظر أيضا
23 أيلول 2021 بقلم آنا ماريا ضو ، مسؤولة قسم الأبحاث والتعليم الافتراضي في معهد المواطنة وإدارة التنوع - مؤسسة أديان
23 أيلول 2021
بقلم آنا ماريا ضو ، مسؤولة قسم الأبحاث والتعليم الافتراضي في معهد المواطنة وإدارة التنوع - مؤسسة أديان
23 أيلول 2021 بقلم ميريام سويدان، صحافية
23 أيلول 2021
بقلم ميريام سويدان، صحافية
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد