ناضلت اللبنانيات منذ العام 2001، إلاّ أن القضية لم تصل سوى الى لجنة وزاريّة تدرس مشروع القانون المقدّم لتعديل الجنسية، والتي كانت آخر قرارتها مجحفة في حق المرأة، أو بالأحرى، كما إعتبرتها حملة "جنسيّتي حق لي ولأسرتي"، "قرارات مشؤومة".
ورغم أن العديد من السياسيين وقفوا "وقفة عز" أمام الإعلام وحتى أمام السيّدات المطالبات، إلاّ أن إعتراض البعض بقي سيّد الموقف، والسبب يعود الى التغيير الديموغرافي والطائفي لمساحة الـ10452 كلم مربّع، مما يعني أن محاصصاتهم الطائفيّة والسياسيّة ستتزعزع.
رغم كل هذا الرفض الذي واجه الحملة، إلاّ أنها لم تكل أو تمل، بل ثابرت ولا زالت للتوصل الى مناصفة حقيقية في المجتمع ومساواة عادلة. كل هذه الحملات كانت بدعم من السيدات، فيما عائلاتهن يعانون تمييزاً في مجتمع تسوده الطائفيّة، ويرعى شؤون الحجر قبل الإلتفاف الى حقوق البشر.
بعد 12 سنة، باتت الصورة واضحة: ليس القانون وحده هو من يحول أمام إعطاء المرأة جنسيّتها لأولادها، بل أن ثمّة عقلية سائدة تنطلق من مخاوف تزايد أعداد الفلسطينيين عموماً، والطائفة السنيّة في لبنان خصوصاً.
مشوار الحملة النضالي انطلق في العام 2001 ضمن حملة إقليميّة في البلدان التي تعاني تهميشاً في هذا الموضوع. المرحلة الأولى كانت عبارة عن بحوث عدة جرت، تقول مديرة جمعية "جنسيتي حق لي ولأسرتي" لينا بو حبيب، مشيرةً الى أنه "كان ثمة إصرار من المعنيين لمعرفة الأرقام، رغم أنها بالنسبة الى هذه القضية الحقوقيّة غير مهمة. في هذه المرحلة، أردنا أن ندرك الأطر القانونية للقضية".
وتابعت: "في المرحلة الثانية بدأنا العمل مع الإعلام لنشر القضية، وأنجزنا أفلاماً وثائقية للحث على تغيير القوانين. في العام 2006، أنشأنا تحالفاً إقليميّاً هو تحالف مساواة بلا تحفظ، لرفع التحفظات عن الـ Cedaw وهو إتفاق للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة".
في المرحلة الثالثة، ركزت الحملة على لبنان، حيث لا زال يُعتبر أسوأ بلد في بسط المساواة بين الجندرين، بعدما عدلت العديد من البلدان قوانين الجنسية الخاصة بها. وأشارت بو حبيب الى أن العام 2012 كان حافلاً، اذ أقامت الحملة في 29 كانون الأول، إعتصاماً بعنوان "دمو ودمي لبنان". وكان هذا النشاط رداً على وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، الذي أعطى حق التمتع بالجنسيّة الى كل شخص متحدر من أب وجد لبناني، مستثنياً النساء.
وأشارت الى أنه "اقيم إعتصام أمام السرايا الحكوميّة في 3 نيسان لتذكير المعنيين بمشروع القانون، إضافة الى العديد من التحركات الميدانيّة والإعتصامات لحثّ المعنيين وخصوصاً اللجنة الوزارية المكلفة درس مشروع تغيير قانون الجنسيّة، على تحريك الملف".
وكانت "حملة جنسيتي حق لي ولأسرتي" قد لبّت دعوة اللجنة الوزارية، وأجابت خلال الإجتماع عن الأسئلة التي طرحها الوزراء، وأبرزها عن المعوّقات التي تحول دون تعديل قانون الجنسية الحالي، والمشكلات التي تواجهها النساء اللبنانيات المتزوجات من غير اللبنانيين، وأسرهن. وكان قد اختتم الإجتماع، بوعد من اللجنة بمتابعة درس كل النواحي المتعلّقة بالقانون وبتأكيد إقتناعها ومواقفها من أحقيّة المطالب غير القابلة للنقاش، وجديتها في متابعة الموضوع. ورأت بو حبيب أنه، وبعد فترة طويلة، وكفيلة بدرس كل تشعّبات الملف، لا يزال القانون على حاله، علماً انه في حال لم تتطرق اليه الحملة لا يأتي أحد على ذكره، خصوصاً اللجنة المكلفة درسه، فهي لم تجتمع إلاّ بعد سلسلة إعتصامات.
وقد وجهت اللجنة الوزارية برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء سمير مقبل، كتاباً الى مجلس الوزراء، تضمّن تهميشاً إضافياً لقضايا المرأة. وضمّت اللجنة: وزير العمل سليم جريصاتي، وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور، وزير العدل شكيب قرطباوي، وزير الإعلام وليد الداعوق، ووزير الشؤون الإجتماعية وائل ابو فاعور الذي لم يوقع الكتاب المرسل، ما اعتبرته الحملة بمثابة امر لا يبشر بالخير، ويؤكد رفض المعنيين تعديل قانون الجنسيّة وإحقاق المساواة.
واعتبرت أن ما صدر عن الهيئة معيب، "فمن غير المقبول أن يعتبروا المساواة التي أقرها الدستور غير ملزمة التطبيق إذ أخلّت بالمصلحة العامة"، متسائلةً "هل بإعطاء الأم جنسيّتها لأولادها خوف على مصلحة البلد، أو على مصلحة الطوائف؟ لماذا يربطون الموضوع بالتوطين والهلع الديموغرافي؟". وأضافت "وفق إحصاءاتهم، ثمّة 16000 سيّدة متزوجة من أجنبي بينهن، فقط 4000 متزوجات من فلسطيني، فما هذا التناقض؟".
وأوضحت أن الدولة تتعامل مع هذه القضية بإستخفاف كبير، اذ تهتم لمصلحة الطوائف أكثر من مصلحة الناس، وهذا ما يكرّس الذكورية الطائفية. وتابعت بو حبيب: "لا يمننوننا بالتقديمات نحن لسنا رعايا في بلدنا. نحن مواطنات ولا نريد تسهيلات، ولا نساوم على حقوقنا بل نريدها كاملة".
ومن الإنجازات التي إستطاعت الحملة تحقيقها: إقرار وزير العمل السابق شربل نحاس تعديلات جوهرية على قانون العمل في 27 أيلول 2012، أجاز بذلك لأبناء وأزواج اللبنانيات غير اللبنانيين إذن عمل غير مقيّد بالمهن المحصورة باللبنانيين، ومسهل قدر الإمكان لناحية إجراءاته الإدارية.
ونختم مع سميرة سويدان، احدى المناضلات التي أثارت قصتها جدالاً كبيراً في الرأي العام. هذه المرأة هي من جنوب لبنان، تزوجت من رجل مصري، وكان لها نصيبها من الحرمان في المساواة. توفي زوجها في العام 1994 تاركاً لها أربعة أولاد ما لبثوا أن تخبّطوا في القوانين المهترئة والظالمة للمرأة.
في 15/6/2009، أنصف القاضي جون قزي السيدة سميرة، وأصدر حكماً خرج عن الأعراف الذكوريّة والطائفيّة السائدة، جاعلاً من حكمه سابقة، فكسر الدوامة السائدة، فارضاً العدل والمساواة. ففي كل لقاء كان يقول لها قزي: "القاضي يحكم بإسم الشعب، ولو عاد بي الزمن لكنت حكمت بالطريقة عينها"، معتبراً انه شخص تجرأ أن يحلم.
أما سميرة فهي أيضاً حلمت بغد أفضل ومستقبل واعد لأولادها في وطنها الأم، وتجرأت على تقديم دعوى قضائية للحصول على الجنسيّة، معتبرةً أن هذا الامر حق مكتسب لها ادنى وأقل ما يمكن أن تحصل عليه. وأشارت الى ان "الدولة إستأنفت حكم القاضي الذي حكم بالعدل رغم أن النيابة العامة لم تفعل، وهذا يعتبر باطلاً". ولفتت الى أنها لم ولن تيأس يوماً، إذ أن أولادها لا يعرفون غير لبنان بلدهم، وهم أولى بالجنسيّة من غيرهم.
هي واحدة من النساء المهمّشات، وهي بنظر الدولة "نصف مواطنة" محكومٌ عليها أن تتبع بصمت نظام الطائفيّة الذكوريّة والسياسة السائدة. ولكن "لا" للظلم، تقول بو حبيب، "لن نرضى بعد اليوم ما يحصل، ومواقفنا ستترجم ميدانيّاً بعدما إنبثقت من الحملة هيئة مؤلفة من مندوبي المناطق وسنعمل على التوعية والتعبئة التي ستظهر للرأي العام من هم المعرقلون".
بعيداً من الحسابات الطائفية والسياسية التي جعلت من لبنان وطناً غير عادل، وطناً يصنّف الحقوق ضمن مقاييس المحاصصات الطائفيّة وأقلام الإقتراع الإنتخابيّة. بعيداً من كل ذلك، لن تتراجع اللبنانيّات عن المطالبة بالمساواة. فهل ستشهد هذه السنة معجزةً تمثل إنتفاضة على هذا الواقع؟.