والحال ان موقف دور الإفتاء والكنيسة، على لا ديموقراطيته وتعسفه، يشي بقدر من الضعف، إذ يسعى الى منع المواطنين ليس من الزواج من طريق عقد مدني، بل يمنعهم من الاختيار، وهو اعتراف بضعف الموقف الذي وضعوا أنفسهم فيه. فأنا أمنعك من أن تختار غيري، عندما أشعر بأنك في صدد أن تفعلها. ثم إنني بإقدامي على منعك مستعيناً بما منحتني إيّاه غير الشرائع الوضعيّة، إنما أضع نفسي في موقع يلامس "الألوهة"، وهذه الى جانب كونها منتهى النرجسيّة، هي أيضاً حافة الجنون.
اذاً، نحن نراوح بين "الألوهة" والجنون في مواجهتنا رفض القانون الاختياري للزواج المدني، ورغم ذلك يبدو أن المفتين والآباء أقوياء في موقعهم الرافض، وهذا منتهى الغرابة في المواجهة. فالموقع القوي هنا ينطوي على غياب مطلق للعقل وللمنطق، فيما الموقع الضعيف لأصحاب مشروع القانون هو العقل بعينه، وهو الحق البديهي في أن يختار المرء وسيلة زواجه.
اذاً، الخوف من الزواج المدني الاختياري هو خوف مما هو جوهري أكثر، والشعور بأن تمريره هو مقدمة لتهميش موقع "الملّة" في ادارة شؤون حياتنا.
لكن المعركة هذه المرة ليست مستحيلة، ذاك ان من يقاوم صدور القانون، يقاوم أيضاً قوة هائلة مندفعة من خارج عالمنا الضيّق. فكم بدا المفتي ضعيفاً عندما أصدر "الحُرم"، وكم كانت قلّة متحمّسة لزواج نضال وخلود أقوى من "كثرة" ادعت الفتوى تمثيلها.