وانطلاقاً من المصالحة الوطنيّة المنقوصة، وما واكبها من مخاوف العودة وهول الدمار وظهور معالم جديدة واستمرار الجروح النازفة، كان لا بدّ من خشبة خلاص تقود لبنان الى برّ الأمان ومن فئات وهيئات مدنيّة تحذر من مغبّة الحرب وتنشد الأمن والسلم وضمان حقوق الانسان، خصوصاً أن السلم الأهلي أساسي لتطوّر المجتمعات واستقرارها.
السلم الأهلي حصانة الوطن
ولأن "السلم الأهلي مسؤوليتنا كلنا"، انطلق تجمّع "وحدتنا خلاصنا" بحملة مدنيّة تسعى الى تأسيس السلم الأهلي وترسيخه في سبيل حماية المواطنين وتوفير حقوقهم الانسانية، وتالياً بناء وطن ديموقراطي موحّد ومتنوع، تسوده العدالة والحرية.
وأوضح المنسق العام للتجمّع الدكتور مكرم عويس، أن "الحملة انطلقت عام 2012، بعدما طوّرنا وثيقة استراتيجيّة الاستجابة الأولى لقوى السلم الأهلي، التي أطلقناها في تموز 2012، وأنشأنا غرفة عمليات مع جمعيات أخرى، ونفذنا نشاطات عدة من التظاهرات الى توزيع المناشير والبيانات وعقد مؤتمر صحافي للمقاتلين القدامى".
وقال: "شعارنا الأساسي يركّز على أن السلم هو من مسؤوليتنا جميعاً، رغم الاختلافات والحساسيّات ومن الوضع المتأزم في المنطقة. لذا، لا بدّ من تحييد لبنان وتحصينه داخلياً، كي لا نصل الى انقسامات، من المحتمل أن تزداد وتيرتها مع الانتخابات النيابيّة المقبلة، وأن تجرّنا تالياً الى العنف والاقتتال".
"وحدتنا خلاصنا...لازم نتحرك"
انبثق التجمع إثر مسيرة 13 نيسان 2008، التي نظّمتها جمعية "فرح العطاء" تحت شعار "وحدتنا خلاصنا"، بمواكبة 42 جمعية وأفراد، بحيث انضوت في التجمّع 21 جمعية، حتى بلغ عددها اليوم 27 جمعية.
ويتوخى التجمّع وفق عويس، "تأسيس شبكة وطنية تعمل على نشر القيم المدنية الوطنيّة، ومحاسبة أصحاب القرار ووسائل الإعلام، وتقوية الممارسات الديموقراطية ومجابهة الطائفية والانقسامات الهدّامة، انطلاقاً من أن "وحدتنا خلاصنا...لازم نتحرّك" و"تنذكر وما تنعاد".
وبما أن بيروت كانت ترزح في الأعوام الأخيرة تحت تأثير وضع سياسي صعب وانقسامات خطرة، كان من الضروري تشكيل قوة ضاغطة محايدة تحرص على ضمان مستقبل أفضل للبنان وشعبه. من هنا شدد عويس على أن "التجمّع غير سياسي وغير طائفي وغير مناطقي، فهو منفتح على الجميع. هدفه دعوة المواطنين الى التلاقي وحل مشكلاتهم بطريقة عقلانيّة، عوض اللجوء الى وسائل العنف التي لا تجدي نفعاً، والبرهان 15 عاماً من الحرب... فإلى أين وصلنا؟!".
حملات ضغط وتوعية
مجالات التدخل والأنشطة التي ينفذها التجمّع، تتنوّع بين الضغط على السياسيين عبر نشر أكثر من 25 بياناً صحافياً دعاهم فيها الى احترام السلم الأهلي وحمايته، ووجّه أكثر من 7 رسائل الى 30 وزيراً و128 نائباً لتفعيل دعائم السلم الأهلي، ورفع توصيات لوضع سياسات محددة، مثل إزالة اللوحات واللافتات الاعلانية السياسية من المناطق الحسّاسة في العاصمة بيروت، وأطلق توصيات في مجمل اهتمامات الجمعيات الأعضاء التي من شأنها أن ترفع وعي الشباب والرأي العام حول قضايا انسانيّة وحقوقيّة، يتم تسيّيسها.
وأوضح عويس أن "الحملة شملت التوعية المدنيّة والتواصل مع الشباب من خلال الظهور الإعلامي، مناصرة قضايا السلم الأهلي في المنتديات، دعم مبادرات الجمعيات الأخرى لحماية السلم الأهلي، الاجتماع مع القطاعات والنقابات من أجل بناء قوة ضاغطة أكبر، مواكبة المستجدات وتحديث معلومات الأعضاء عبر نشر المقالات والمعلومات عن القضايا المتعلّقة بالسلم الأهلي، بالاضافة الى أنشطة 13 نيسان ومتابعة القوانين التي تؤثر في السلم الأهلي".
وقد سعت الحملة الى وضع قانون انتخابي جديد منذ عام 2010 بالتعاون مع الحملة الوطنية، و مسودّة مشروع لدعم استقلاليّة القضاء تمهيداً لإطلاق الحملة الوطنية لإستقلاليّة القضاء اللبناني، ومراجعة مقترح قانون الاعلام وتنقيحه، ووضع مدوّنة سلوك وقّعها 39 حزباً وتنظيماً سياسياً وسلّمها أعضاء من التجمّع مع شبيبة "فرح العطاء" الى رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في 30 أيار 2009".
وثيقة وذاكرة
وأشار الى أن التجمّع أطلق وثيقة "أساسيات تحصين السلم الأهلي في لبنان"، والتي وقّعها 42 تجمّع وجمعية، "ايماناً منها بأن السلم الأهلي هو حق لكل انسان، وعنصر حيوي وأساسي في حماية نوعية الحياة وتقدّمها، وضرورة حتميّة لاستقرار المجتمع وازدهاره".
وتهدف الوثيقة، وفق عويس، الى "التمسّك بمبدأ الوحدة بين جميع أطياف الشعب اللبناني كخيار حضاري لا غنى عنه، مع احترام الاختلاف في الرأي. وقد عملنا على موضوع الذاكرة وحاولنا التقريب بين أهالي المفقودين والمخطوفين من جهة والمشاركين في الحرب من جهة أخرى، وسعينا تالياً الى ايجاد حلول للقضايا العالقة".
كذلك، قدّم التجمّع ورقة تقترح سبل استعمال متحف بيروت وجعله مركزاً تعليمياً تفاعليّاً يتم الربط فيه ما بين الماضي والمستقبل ويكون بمثابة الذاكرة لأجيال المستقبل، إذ يستقطب شهادات حيّة تجسد ذاكرة الحرب البشعة.
ولفت الى أن "التجمّع عمل على تمتين التواصل مع الشباب عبر رسالة مفتوحة، بحيث تمّ توزيع 35000 نسخة منها، وإلقاء مناشير من الجوّ فوق الجامعات في بيروت، وتوزيع 5 جمعيات أعضاء مناشير وورود على 27 "حاجز سلام" في مختلف المناطق، وكذلك جرى التواصل عبر البريد الالكتروني ولقاءات في بعض المدارس والجامعات".
وتقديراً لعملها المميّز في تعزيز السلم الأهلي، كرّم التجمّع عام 2010 "الجمعية اللبنانيّة لديمقراطيّة الانتخابات" و"اتحاد المقعدين اللبنانيين". وفي عام 2011، كُرّمت مؤسسة "أديان" وجمعية "بيروت ماراتون"، وكرّم الصليب الأحمر اللبناني و"كورال الفيحاء" عام 2012.
نحو مدوّنة سلوك جديدة
في حين، أكّد صعوبة الوضع الذي نعيشه، كشف عويس "سعي التجمّع مجدداً الى اطلاق مدونة سلوك هذه السنة كما حصل في عام 2009، نتوجّه فيها الى السياسيين، الى جانب مواصلة حملات التوعية والتواصل مع الاعلام والجمعيات الأخرى، وكذلك التشبيك مع النقابات والقطاع الخاص، كونها قطاعات مهمّة ترى في السلم الأهلي أساساً لنموّها وازدهارها، فمن دونه لا يستقيم عمل ولا سياحة ولا تجارة.
وأبدى ارتياحه كون التجمّع "تمكّن من نيل ثقة المواطنين ومن تحقيق التواصل وتطوير آليات عمله، من دون أن يقبل بأي تمويل خارجي. ولعلّ ما يميّزه هو تنوّع الجمعيات المنضوية فيه، فمنها ما يتعلّق بالبيئة وقضايا السلم الأهلي ومنها ما يناصر قضايا المرأة والتربية والمصالحة".
وإذ رأى أن "ثمّة من تعلّم ولا يريد العودة الى الحرب"، أكد "أهمية تركيزنا على دور الطبقة السياسية والمجتمع المدني والاعلام ومن عاش الحرب لتحصين الجيل الجديد، فلا يترك غارقاً في الغموض، خصوصاً أننا حتى اليوم لا نعلّم طلابنا التاريخ الصحيح".
وتمنّى عويس "التقدم في مجال السلم وترسيخ قضايا حقوق الانسان والقانون، مما يساهم في تعزيز السلم الأهلي. فعندما نقول جميعاً لا للحرب، تتوقف الحرب ونتصدى تالياً لمن يريد جرّنا اليها، علماً أن جيلنا لديه مسؤولية كبيرة جداً، ورغم كل ما قمنا به لا يزال أمامنا طريق طويل للوصول الى برّ الأمان".
تأثير ملحوظ للمجتمع المدني
لا يمكن أن نغفل التأثير الملحوظ للمجتمع المدني عبر حملاته منذ عام 2005، حيث حثّ اللبنانيين على النقاش الصريح والاتفاق على القضايا الأساسيّة. وفي هذا الصدد، قال عويس: "نرى اليوم كمّاً من المطالب المحقّة التي لم تتطرق اليها الحكومات، من هنا أهمية الحفاظ على السلم الأهلي وعلى أن يبقى النقاش حضارياً ضمن الاطار المؤسساتي"، داعياً المجتمع المدني الى أن "يزوّد النقاش بأفكار وطاقات وقدرات لتطوير الشأن العام، ولا سيما أنه ساهم في شفاء الجروح التي عاناها اللبنانيّون على مدار السنين".
يشار الى أن بعض الجمعيات الأهلية والمدنية نشطت في مجال تعزيز السلم والدعوة الى الحوار، منها حملة "طرابلس منزوعة السلاح" التي نظّمت تحركات عدة في الفترة الأخيرة نتيجة حوداث الشمال، مؤكدة أن "الحل في باب التبانة ليس حلاً عسكرياً وأمنياً فحسب، بل هناك مشكلة اجتماعية يجب أن تحلّ وأن تعالجها الدولة مع المواطنين لتطوير فرص عمل ظروف الحياة وتحسينها".
ويبقى دور هيئات المجتمع المدني أساسيّاً في ضمان حياة أفضل للمواطنين، والارتقاء بحقوق الانسان، وتمتين أواصر المحبّة، والتعاون وتعزيز الاستقرار، وتالياً مناصرة القضايا المحقّة ووضع لبنان في مصاف الدول الحضارية.