غير أن الإجراءات والممارسات هذه لا تختصر المشهد السوري لبنانياً بأكمله، ولا يمكن اعتبارها بالتالي مؤشراً وحيداً بشكل التعامل اللبناني مع اللاجئين السوريين. فالتفاعل الإنساني والثقافي والسياسي بين قطاعات من مواطني البلدين موجود، والكثير من العلاقات والمبادرات والأنشطة المشتركة تتطور في سياقه، إلّا أن تأثيرها يظل محدوداً إن قورن بتأثير القرارات والإجراءات «الإدارية»، كما أن وقعها يبقى أقل من وقع التصريحات السياسية والحملات الإعلامية التي تستهدف اللاجئين.والتفاوت المذكور بين جانبي المشهد ليس «مفاجئاً» تماماً، ولو أنه مستنكر. فالانقسام الطائفي اللبناني تجاه ما يجري في سوريا يعزّز الجانب الأول، وتراكم الأزمات السياسية والمعيشية يجد في توجيه الاتهامات متنفّسا لدى أفرقاء عديدين يحملون غيرهم المسؤولية عما يصيبهم. ومزيج العنصرية والكراهية الطبقية يجعل استهداف قسم كبير من اللاجئين يسيراً إذ هم معدومو الحماية الاجتماعية والاقتصادية والقانونية (والسياسية). وكل هذا لا ينفي صعوبة الأوضاع واستثنائيّتها في بلد مرّ بتجارب حروب أهلية واحتياجات واحتلالات خلّفت عند كثرة من الأفراد والجماعات فيه مخاوف وهواجس مختلفة. كما أنه من غير السهل أصلا التعامل مع كارثة بحجم الكارثة السورية التي دفعت إلى لبنان بلاجئين صار تعدادهم يجاور اليوم ربع تعداد السكان.يقودنا ما ذكر إلى خلاصة أوّلية تبدو متشائمة، مفادها أن الوضع الراهن يدور في حلقة مفرغة: فمرور الوقت يعقّد الأمور أكثر، ويزيد من الأزمات الإنسانية في تجمّعات اللاجئين وفي المناطق اللبنانية الحاضنة لهم بقاعاً وشمالا، وهي في الأساس فقيرة، والتطوّرات العسكرية والأمنية المتلاحقة في الأشهر الماضية على الحدود اللبنانية - السورية الشرقية تجعل النقاش الوطني حول انخراط أكبر حزب لبناني منذ سنوات في المعارك دفاعاً عن النظام السوري أكثر صعوبة وتشعباً وتوتراً، ولو أنها لا تعدّل في شيء تراتبيّة السؤوليات عمّا آلت إليه الأمور. كما أن الإجراءات والمقولات العنصرية التي قد تستمر في الظهور بين الحين والآخر، وبعض الردود الانفعالية عليها أو المحمّلة كراهية مضادة، ستواصل على الأرجح حصارها للمبادرات الإنسانية وللأنشطة الاجتماعية والثقافية اللبنانية - السورية التي تظهّر معاني التفاعل والتضامن، وتتيح إغناء ثقافياً وحيوية إبداعية، يعرف محبو المسرح والسينما والموسيقى والفنون عموماً مدى مساهمة سوريين مقيمين في لبنان في إنتاجها.لذلك، ولكي لا يتم التسليم بسيادة التشاؤم المذكور، أي الجانب الأكثر بروزاً حتى الآن في المشهد السوري لبنانياًّ، لا بدّ من المزيد من الجهد ومن التنسيق بين العاملين في الحقول الحقوقيّة والثقافية والبحثية الرافضين للعنصرية وللمقاربات التبسيطية. فإعداد الطعون القانونية بالقرارات المخالفة للدستور اللبناني ولشرعة حقوق الانسان وللمواثيق الدولية التي وقعها لبنان، يفترض اختصاصا يتيح التصدّي لواضعيها. والتغطية الإعلامية للأنشطة والفعاليات التي تبرز أهمية المساهمات السورية في الحياة الثقافية في لبنان يجدر تشجيعها وتعميمها. وإجراء الدراسات العلمية للخوض في القضايا الاقتصادية وفي التحديات المعيشية والأمنية نتيجة اللجوء السوري، وتفكيك مقولات وأرقام مضلّلة تكرّست في الحقبة الماضية، مطلوب لإظهار حجم المبالغات والمغالطات في الخطاب «الرسمي» حول القضايا المذكورة.وإذا كان ما ذكر لا يكفي لمواجهة الوضع القائم وإشكاليّاته، إلآ أنّه قد بشكل مادة للبدء في مواجهة كهذه. وهو في أي حال يبرز رواية «موازية» أو «مضادة» للرواية السائدة حول مسألة اللاجئين، ويؤسس لعلاقةومع إقاماتهم وحقوقهم والالتزامات تجاههم، فيقدمها للسلطاتمختلفة مستقبلا بين مجموعات من الشعبين. وربّما يكون فاتحة لجهداللبنانية، ويتوجه بها أيضاً إلى المنظمات والمؤسسات الدولية المفترض أنرصين يعد لاحقاً سلّة أفكار بديلة حول سبل التعامل مع وفود النازحينتلعب أدواراً أكثر تقدماً للتخفيف من معاناة مئات ألوف البشر...