سوريا ولبنان: قطيعة متكررة تقارب العنصرية؟

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 شباط 15 4 دقائق للقراءة
سوريا ولبنان: قطيعة متكررة تقارب العنصرية؟
© أنور عمرو
قلّة من اللّبنانيين تعرف أن «شارع القلعة» في بيروت سمّي على اسم سجن في المحلّة نفسها، كان قد بناه العثمانيون واستخدمه الفرنسيون، وبقى في عهدة الدولة اللبنانية إلى سبعينيات القرن الماضي. وتحوّل السجن، اليوم، إلى «ثانوية زاهية قدورة الرسمية»، وهي، للمفارقة، من المرّات النادرة التي يتحوّل فيها سجن إلى مدرسة سواء في لبنان أم في العالم العربي.

وقلّة من Iللبنانين أيضاً، تعرف أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد سجن عام 1961، في «سجن القلعة»، بعد فراره من سوريا إلى لبنان عن طريق مرفأ طرطوس، في أعقاب الانقلاب على الوحدة السورية - المصرية، ومن ثم سلّم إلى السلطات السورية التي سجنته في سجن «المزّة»، وعاد وخرج منه ليتدرج في المناصب الرسمية وصولاً إلى رئاسة الجمهورية.

وقبل فرار الأسد إلى لبنان، وبعد تسليمه إلى السلطات السورية، أغلقت الحدود بين البلدين عشرات المرات، وفي بعضها كان الإغلاق إلى آجال غير محددة، لتعود وتفتح من جديد، وعادة ما كان الإغلاق يستمر لأيام محدودة، وفي بعض الأحيان استمر قرابة ثلاثة أشهر كاملة. وفي مقابل هذه الإغلاقات المتكررة، عرفت الحدود بين البلدين فلتاناً مطلقاً، وشرعت بشكل كامل اًيام الوجود العسكري السوري في لبنان، وإذ احتفظت النقاط الحدودية الرسمية برصانتها، وقيامها بمعاملات الدخول والخروج بحسب القوانين المرعيّة. بعد الانسحاب السوري، انضبطت الحدود إلى حدّ ما، لتعود مع «الربيع السوري» وتفتح على مصراعيها، ويتعرفا اللبنانيّون على نقاط عبور جديدة، غير رسمية، يهرّب عبرها الإرهابيون وأطنان البضائع والأسلحة، وبطبيعة الحال آلاف النازحين. إشكالية الحدود بين البلدين، عمرها من عمر استقلالهما. والكلام في عاصمتي البلدين عن الحدود، هو غيره بين سكان Iلشريط الحدودي المتن من النهر الكبير في الشمال، وصولاً إلى شبعا في الجنوب. هذه الإشكالية عرفت أكثر من عنوان: «من الانفصال الكامل إلى تمام الاتصال والوحدة». وفي عهد الأسد «شعب واحد في بلدين»، واليوم صار الشعار «شعبان في نصف بلد».

بين لبنان وسوريا، كل شيء إلا الحدود. النزوح كان متبادلاً منذ نشأتهما القانونية. مناطق سورية كاملة أسسها لبنانيون. وفي لبنان، قطاعات اقتصادية واسعة أقامها سوريون. حتى العملة في البلدين كانت تصدر عن مصرف واحد هو «بنك سوريا ولبنان»، والمعرف لم يكن لبنانياً ولا سورياً، بل كان فرنسياً. وقبل فرض الانتداب على البلدين العملة المصرية، ومنها جاءت كلمة «مصاري». وقبلها تعاملنا بالقرش العثماني. وبقي الحال على هذا المنوال إلى منتصف القرن الماضي، عندما انفصلت العملتان، واختلف البلدان على تقييم نقديهما، وتسبب الخلاف كالعادة بإغلاق الحدود. وعندما تغلق الحدود نعني النقاط الرسمية، لا ما بعدها أو ما قبلها، والتي بقيت مفتوحة للرائح والغادي، بحثاً عن عمل أو حاجات. وبسبب التفاوت في الأسعار بين البلدين اختلفت الحكومتان، أغلقت الحدود أيضاً. وأحياناً لغلق الحدود بسبب الرسوم الجمركية اللبنانية في مرفأي بيروت وطرابلس، ما يرفع سعر البضائع الواصلة إلى سوريا، وفي أحيان أخرى لأن شركات لبنان تملك حصرية استيراد مواد أو أدوية يحتاجها السوريون ويتحكم بها اللبنانيون.

ومرة أغلقت الحدود بسبب مواقف سياسية متعارضة بن الحكومتين وانتهاجهما سياسات متناقضة في مرحلة الانقلابات السورية. وأغلقت أيضاً، بسبب ما ينثر من انتقادات لاذعة في الصحف اللبنانية ضذ النظام السوري. وحاول البلدان تنظيم مرور العمالة القادمة من سوريا، وفرضوا رسوم انتقال، وحددوا كمية العملة المنقولة أو التي يحملها الأفراد. وفي إحدى المرات، منع الرئيس شكري القوس المصطافين العرب من الانتقال إلى لبنان، علماً أنه هو كان يصطاف في عاليه. أما وزير المال السوري خالد العظم، نجم قرارات إغلاق الحدود بين البلدين بين الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، فانتهى به الأمر منفيّاً من سوريا إلى لبنان.

الإجراءات الحدودية بين البلدين، شهدت أياماً صعبة وصلت إلى حدّ القطيعة، وغالباً ما كان القرار بذلك من الجارة الكبرى. وبرغم الأزمات والتباعد السياسي بن البلدين، بقيت العلاقات مميزة، ولم تصل إلى قطيعة كاملة، أوإلى تباعد يسمح بمرور قرار كقرار تأشيرة الدخول، وهي تبقى تأشيرة، ولو اعتبرها الأمن العام إجراءات لتنظيم دخول السوريين. مسار الأزمة بين البلدين الذي أوصل إلى التأشيرة ليس ابن ساعته. بالطبع هناك تراكمات من أيام الحرب الأهلية مروراً باغتيال رفيق الحريري إلى الموقف من الحرب في سوريا. وخلال الأعوام الأربعة الماضية، انتشرت في البلدات اللبنانية والقرى، مسيحية أم مسلمة، مع المقاومة أم ضدها، لافتات تدعو العمال السوريين إلى الامتناع عن التجول مساءً. قرى أخرى رفضت تأجير مساكن للسوريين، أو حتى منعتهم من الدخول. تلك الإجراءات على شدتها وتمييزها، هي قرارات سياسية بامتياز، وتضع اللبنانين أمام اختبار أن تتحول عصبيتهم السياسية إلى عنصرية ضدّ السورين يدفع ثمنها الأبرياء من الطرفين. ويبقى أن ما حصل وصمة عار تثقل الأجيال الآتية.

A+
A-
share
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد