للكلمات عيون وآذان وأرواح

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 شباط 15 3 دقائق للقراءة
للكلمات عيون وآذان وأرواح
© أنور عمرو
كيف يمكن لكلمات لا تتجاوز الستمائة كلمة أن تغوص في معالجة انعكاسات الأزمة السورية على ظروف معيشة المجتمع اللبناني من الناحية الثقافية؟ في الوقت الذي ما زالت فيه علامات الاستفهام والتعجّب متمحورة حول أحقيّة استخدام مفردة نزوح أو لجوء أو هجرة لدى الحديث عن السوريين الموجودين في لبنان.

تنصّب جلّ مشكلات اللبنانيين في ابتعاد غالبيتهم من البحث عن نقاط مشتركة بينهم، لا بل هم يمعنون في دق الأسافين بين بعضهم البعض على أكثر من صعيد، ويطلقون شعارات ضد الكراهية والحقد والعنصرية، ولكنهم قليلة ما يقرنون أقوالهم بأفعالهم. فما بالكم بنظرة اللبنانيين تجاه السوريين؟ لكن مهلاً، من العار أن يتم الحديث عن اللبنانيين وكأنّهم عجينة واحدة من قيم ومبادىء وهم ليسوا جميعاً كذلك في التعاطي الإنساني مع أي شخص لا يحمل الهوية اللبنانية، ومن العار أيضاً الحديث عن السوريين وكأنهم ماركة مسجّلة تذكّر بممارسات الجيش السوري قبل العام 2005، والمشكلة الأساس هي في وعي معنى كلمة إنسانية.

من البديهي أن يتأثر المجتمع اللبناني بشكل إيجابي من الناحية الثقافية من خلال أي تجربة ثقافية تعرض أو تنشر، ومن أهم أدوار المثقف هو فتح الآفاق أمام كل متلقف لمنتوجه الثقافي، واستمزاج الآراء والنهوض بالمجتمعات ونشر الوعي. من هنا فإن كلّ إضافة إلى المجتمع الثقافي اللبناني هي ثراء له.

بالعودة إلى كلمة إنسانية، فإنّ التعاطي مع أي إنسان يكون من خلال عدم إطلاق أحكام مسبقة تجاهه، وعدم وضعه في دائرة الاتهام على أساس لونه أو عرقه أو دينه أو طائفته أو جنسيته الخ، ويجب على المثقف أن يُعلي صوت إنسانيته على ما عداها ليظهر جوهر ثقافته الحقيقية.

وكأنني أدور في حلقة مفرغة لدى كتابة هذه الكلمات، وكأنّ تأكيد المؤكّد والذي لا لبس فيه هو ما أحاول كتابتها، فالمفاهيم التي يتحفنا بها بعض المثقفين الإقصائيين لا تنتمي إلى مفهومي للثقافة. من هنا يحدوني التفكير في أنني لو قرأت كتاباً وجدته مهماً من دون أن أعرف اسمه، هل أغيّر رأيي لدى معرفة الاسم؟ وماذا لو سمعت عزفاً رائعاً على أي آلة موسيقية، هل ينتقص كون العازف سورياً من الاعتراف بإبداعه في العزف؟ وماذا عن الرسم والتمثيل والإخراج والنحت وأي فعل إبداعي اخر؟

عندما ينخر الفساد كينونة الإنسان، ترى المعايير منقلبة رأساً على عقب، وتطرح أسئلة تعيدك إلى أرذل صنوف الحياة. ترى تقريراً عبر شاشات التلفزة يضيء على طفل سوري تجمّد برداً، وتسمع أصواتاً تسأل «أين إنسانيتكم أمام هذا المشهد المأسوي؟»، وهنا نسأل أين كنا جميعاً أمام هذا الطفل وأمام من لم يجد مأوى ومأكل قبل وصول دوامة العواصف إلى لبنان؟

إنها الإنسانية المتجليّة بإطلاق المواقف، لا بالبحث عن حلول للمشاكل كلّ بحسب ما أوتي من وعي وقوة وجميعنا بتضافر جهودنا.

إنها الإنسانية المنمّقة بندوات وتجمّعات غير مثمرة، وكتابات لم تنهِ عذابات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حتى اليوم، على الرغم من اختيارها أهم المفردات التي تحرّك الضمائر أو تحييها من جديد.

إنها فضيلة القول: «لذا شرف المحاولة بالتغيير ولو بالكلمة»، والحديث عن إنسان مات في ظروف مأسوية، يجعل القلب يعتصر والدمع ينهمر، ويمضي البعض إلى متابعة حياته وكأنّ شيئاً لم يكن، والبعض الآخر يقول هذا مناهض للإنسانية.

قد تغلي صورة الطفل الميّت في أفكار فلان أو علان، وتنسكب قصيدة تقشعر لها الأبدان، وتتحوّل لوحة قاسية مليئة بالدماء، وقد يجد فيها كاتب سيناريو موضوعاً لمسلسل أو فيلم، وهلمّ جراً. هي المأساة التي تجعل المثقف إمّا ينغمس في التركيزعلى الحزن في منتجه الثقافي أو يبتعد منه، ليرينا أن الفرح ممكن، وأنّ الحياة تستمر، وأنّ المقاومة غير العسكرية مجدية ومهمة، وأنّ الحياة الثقافية يغنيها كلّ شعاع إنساني، ويدفع بمحيطنا إلى الأفضل عملانياً لا افتراضياً.

الكلمات ليست صمّاء، بل لها أعين وآذان ولها أرواح إن أردنا لها هذا، وتبقى صمّاء إذا كان المُراد لها أن تكون مجرّد كلمات.

A+
A-
share
أنظر أيضا
01 شباط 2015
01 شباط 2015
01 شباط 2015
01 شباط 2015
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد