السوريّون في عرف المسيحيين اللبنانيين ليسوا جميعاً «سوريين»

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 شباط 15 4 دقائق للقراءة
السوريّون في عرف المسيحيين اللبنانيين ليسوا جميعاً «سوريين»
© أنور عمرو
«السوريّون» ليسوا كتلة واحدة، ولا «اللبنانيون» بطبيعة الحال، فهل هم كذلك في عيون بعضهم البعض؟ السوريون اللاجئون أو المقيمون في لبنان لا يختلفون فقط في ما بينهم بحسب طبقاتهم الاجتماعية، وطوائفهم الدينية، وتحدّراتهم المناطقية، وانتماءاتهم السياسية، وأسباب وجودهم، ومواقفهم العاطفية من الجار الصغير وأبنائه، لكنهم ينقسمون أيضاً بحسب نظرات اللبنانيين إليهم، بل هم في مرايا الكثير من اللبنانيين، لا سيّما المسيحيين منهم، ليسوا جميعاً «سوريّون».

يوم استقلت البلدان عن الانتداب الفرنسي، كانت الجغرافيا السكانية، أكثر منها الديموغرافيا، لا تزال تتيح تصدّر الموارنة للمشهد الإجمالي، لكن عدد المسيحيين في سوريا، وقتذاك، كان أكبر من عددهم في لبنان، وفي الوقت الذي يروى فيه الكثير عن تمنّع البطريركية المارونية عن توسيع حدود لبنان لتشمل نسبة من الروم الأرثوذكس في وادي النصارى، والكثير من هذا المرويّ أسطوري بامتياز، إلا أن عدد المسيحيين في سوريا وحضورهم كان يشعر مسيحيي لبنان بأمرين في وقت واحد:

الاطمئنان إلى أنّ سوريا لها أيضاً وجهها المسيحي، غير المقتصر عن أركيولوجيا بدايات المسيحية، الشعور بأن الكيانية اللبنانية باتت صلبة إلى درجة يشعر فيها المسيحيان اللبناني والسوري باختلافهما. صحيح أنّ ميشال شيحا أضاف إلى تعريفات الكيانية اللبنانية أنّها ملاذ لأقليات مضطهدة، لكنه أضمر «عدم المجاورة»، أي الأرمن والسريان والأشوريين، وليس الكتلة الأساسية من مسيحيي سوريا.

إن الاستقلالية الكيانية بين البلدين كانت تتحدّد إلى حد كبير بالاستقلالية النفسية في كل منهما. والوعي بالقسمة الكيانية لم يكن بهذا القدر عند دروز البلدين مثلآ، مع ما للدروز من دور تأسيسي للفكرة اللبنانية. كل شيء تبدّل اليوم. فقد انقضى عهد التصدّر الماروني في لبنان، لكن التصدّر العددي للمسيحيين السوريين عاى المسيحيين اللبنانيين لم يعد معطى ارتكازياً منذ وقت طويل. وخسارة العراق وسوريا لنسبة كبيرة من مسيحييهما لم تستفد منها الديموغرافيا المسيحية اللبنانية إلا بنسبة خجولة. في الوقت نفسه، تلاشى الشعور بالانفصال الكياني بين مسيحيي بلدان المشرق. «إنهم يلبسون ويأكلون مثلنا»، صرت تسمع. وتزايد الشعور بالمشترك المسيحي المشرقي، ليس فقط بسبب توظيف العماد ميشال عون وتياره لهذا المعطى، أو تطبيق مقولة «حلف الأقليات»، بل لأنّها النتيجة التلقائية لتهافت الكيانيات. والواقع أن أساليب تناول المسيحيين للاجئين السوريين تقاس بمستويين. مستوى يجري فيه الحديث عن «السوريين» ككل. فقبل ذلك، في أعوام الحرب اللبنانية والوصاية، كان المفضّل هو الحديث عن «السوري» بالمفرد الإطلاقي، لتعني في وقت واحد حافظ الأسد، والجيش السوري، والعمال. اليوم تراجع الكلام عن «السوري» بهذا الشكل، وصار الحديث عن «السوريين» بالجمع، للإشارة إلى الوطأة الديموغرافية ومضاعفاتها. أما المستوى الثاني فيميّز جدياً بين «السوريين» ولا يجعلهم، كلّهم، «سوريين» عندما يستخدم هذا التعبير. فإذا كان تركز اللاجئين الأكبر هو في المناطق ذات الكثافة السنية شمال وشرق لبنان، والوطأة المعاشة يومياً هي في هذه المناطق، إلا أن «السوريين» هم بنظر المسيحيين والشيعة اللبنانيين «كتلة سنية»، ومشكلتهم مزدوجة: أنهم ليسوا لبنانيين، لكنهم، كالفلسطينيين، أعضاء محتملون في الطائفة السنية اللبنانية. حالياً، الأكثرية المطلقة من القاطنين في لبنان من مختلف الجنسيات هم من السنّة، وهذا الأمر تعبر عنه أنماط الوعي الطائفي بأشكال مختلفة، وكثير منها محتقن. ولا يقلل من ذلك تشكُّل سلبية سنّية لبنانية حيال اللاجئين، كما أنه من المفارقات اللبنانية ظهور من يلوم السوريين على ثورتهم ضد نظام بشار الأسد، وفي المقابل ثمة من يلومهم على فشل ثورتهم في الإطاحة به، وبذلك تتغذى السلبية العامة، وبعضها هجومي، من منطلقين متناقضين.

«السوريين» في عرف المسيحيين شيء، و«المسيحيون السوريّون» شيء آخر، فهم، اجتماعياً، بالنسبة إلى المخيال اللبناني، وليس فقط المسيحي، «لبنانيون أيضاً»، أي أكثر السوريين (ت)شبهاً باللبنانيين. في الوقت نفسه، نرى أن الانقباض الحاصل من ارتفاع عدد اللاجئين يتقاطع مع كونهم بأكثريتهم، من الطائفة السنّية، أي من ثالثة ثلاث في التقسيم اللبناني، لكن بما يجعل السنّة في لبنان ثلاثة أصناف أيضاً: اللبنانيين، السوريّين، الفلسطينيّين. ثمة بالتأكيد مشاعر عنصرية، بل «عرقية»، تجاه اللاجئين السوريين، إذ يجري «ابتداعهم» كعنصر مختلف عن «اللبنانيين»، لكن ذلك لا ينتج العنصر اللبناني نفسه، إذ ليس هناك «عنصرية لبنانية جامعة»، بل عنصريات لكل منها مشكلتها مع «السوريين» بالتداخل مع مشكلتها مع آخرها اللبناني أيضاً.

 قد يوحي اجتماع العنصريات في لحظة بعينها، بأنّنا على عتبة قناعة، ولو بشكل سلبي، بأن اللبنانيين باتوا شعباً قانماً بذاته، وأن ما فرقته الوصاية والثورة السوريتان يوحده الخطر الديموغرافي، لكنه تصور مخادع، ذلك أن الوعي الطائفي فيه خبث حيوي: هو من جهة، يأخذ التقسيم الكولونيالي بين سوريا ولبنان على محمل الجد أكثر بكثير مما هو عليه الحال، لكنه يعود من جهة أخرى، فيكسر الحدود القُطرية بمعرفته، وتوظيفاته، وشهواته.

A+
A-
share
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد