عنصرية دون عنصرية

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 شباط 15 3 دقائق للقراءة
عنصرية دون عنصرية
© أنور عمرو
غالباً ما ترتبط الممارسة العنصرية بقلة معرفة ممارسيها لضحاياهم، فبينما تكون المعرفة عملية تنويرية استيعابية تحيط بالظروف والتاريخ والخلفيات، ترتبط قلّتها أو التقليل المتعمّد منها بالموقف التعميمي والجاهز. وفي الحالة اللبنانية - السورية يظهر أن اللبنانيين يتفردّون بهذا التسطيح المعرفي تجاه اللاجئين السوريين. وفي الحقيقة، فإن شرط جهل الآخر يُستوفى من قبل طرفي العلاقة، إلّا أنّ الممارسة غالباً ما تظهر أحادية الجانب.

وإذا أردنا مقاربة هذه العلاقة، فإن مجاز المضيف والزائر قد يكون أقرب إلى الحقيقة من الرواية الرائجة في الإعلام، كما هو أدق من التفكير بالعلاقة من منظار الممارسات العنصرية، لأن مقومات الفكر العنصري غير متوافرة بين البلدين المتجاورين والمتداخلين. لذلك عندما نمر على مرويّات متداولة عن لون بشرة العمال السوريين، أشكالهم ورائحتهم، نكون بصدد ممارسة عنصرية مُستعارة من نماذج عالمية سيئة للتعبير عن النقمة على الوجود السوري، وليس بصدد مشكلة تخالُف هوياتي. فالعلاقة بين المضيف والزائر غالباً ما تبدأ ودّيةً، لكنها سرعان ما تتحول علاقة غير متوازنة في حال أصبح الزائر مُقيماً قسرياً غير قادر على المغادرة، والمضيف متذمراً وعاجزاً عن تحمّل أعباء الزائر أو طرده. هذه العلاقة في شكلها المزمن تفرز طرفيها إلى قوي وضعيف حُكِما بالوجود في المكان ذاته، فالزائر لا يستطيع التمرد على مضيفه وإلّا سيصبح مُحتلاً، والمضيف سيستغل موقعه للضغط على الضيف بكل الطرق أملاً بالتخلص منه.

لكن، قليلاً ما يتم تناول الطرف الآخر من هذه العلاقة خارج ثنائية الضحية أو المعتدي. فصحيحٌ أن الضيوف التزموا ببروتوكول المُضيف، وتحمّلوا الإهانات من أجل الحفاظ على حياتهم خارج القتل اليومي في بلدهم، لكنّ هؤلاء القادمين من البلد الكبير إلى الصغير يحملون روايةً عن لبنان وأهله مُقللة المعرفة أيضاً، ومُغلّباً عليها الطابع التعميمي، السطحي والعنصري في بعض الأحيان. ولا يهدف القول هنا إلى الخروج بخلاصة مفادها أن هناك عنصرية مضادة، بل هو محاولة لفكّ الالتباس عن هذه الإشكالية التي تظهر في الإعلام كأنها جوهر لبناني مطلق الشر مضاد لجوهر سوري مطلق البراءة، وأن الممارسة بُنيت على فروق «ماهوية» بين أهل البلدين.

الرواية التي كان يحملها كثيرٌ من السوريين عن لبنان وأهله قبل الثورة السورية لم تشهد تغيراً كبيراً سوى أنها أصبحت غير نافذة إلى العلن بسبب الظروف القائمة، لكنها في مضمونها هي رواية البعث الأصلية عن اللبنانيين بوصفهم سطحيين، طائفيين، وعملاء للغرب. وهذه النظرة بحد ذاتها تتجاوز التعميم الخاطئ لتؤسس للعنف واستباحة لبنان وشعبه، خصوصاً عندما تُعزز بالممارسة التشبيحيّة العنصرية القائمة على تصديق أن اللبنانيين بسبب طبيعتهم العميلة، لهجتهم المائعة، وانشغالهم بتفاهات الغرب، لا يمكن أن يستقيموا إلاّ بالبسطار العسكري السوري حصراً. والواقع أن كثيراً من اللبنانيين تعرضوا في وقت سابق للتهكم على لهجتهم ومظاهر شبابهم الغربيّة أثناء الاحتلال الأسدي. وفي وقت أقرب أيضاً، يظهر أن هناك موالين ومعارضين سوريين يتمنون عودة هذا الاحتلال.

كُثرمن السوريين الذين لجأوا إلى لبنان لم يغيّروا هذه النظرة الاستعلائيّة التي ترى هذا البلد بلداً هامشياً وتافهاً، بل سعى بعضهم إلى تكريسها بوصفها واقعاً كواقع نظام الأسد المديد ذاته. هذا كله، إضافة إلى الخطاب المعادي للاجئين، لم يساعد السوريين كثيراً في فهم المجتمع اللبناني المعقد والمتنوّع. بل على العكس، هذه المرويات عسّرت تأقلمهم مع البلد الجديد والمختلف لناحية الانفتاح على الغرب ومساحة الحرية غير المألوفة على قادمٍ من سوريا الأسد. في طرفي العلاقة، ثمة جهل متبادل وتعويمٌ للكليشيه الكارهة. واللبنانيون والسوريون لم تُتح لهم فرصة التعرّف على بعضهم البعض في ظروف غير استثنائية. فالاحتلال الأسدي قدّم السوري جندياً سارقاً ومستبيحاً للبنان، كما أن الأيديولوجيا البعثية كرّست اللبناني مستباحاً وضعيفاً. أما الثورة السورية فلم تقترح رؤية سورية جديدة للبنان، والماكينة السياسية والإعلامية اليمينية في لبنان لم تتوقف لحظة عن بث الخطاب الكاره. وكلتا الروايتين لم تتم معالجتهما ولم يتم تجاوزهما، وثمة تاريخ طويل يقبع في صدور كلا الشعبين. وإذا كان النظام السوري هو أكثر صنّاع هذا التاريخ قِدماً، فهل تفتح نهايته باباً جديداً للتعارف بين اللبنانيين والسوريين؟

A+
A-
share
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد