حماية المستأجرين في صلب استعادة مدينة قابلة للحياة

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 16 أيلول 20 بقلم نادين بكداش، استديو "أشغال عامة" 3 دقائق للقراءة
حماية المستأجرين في صلب استعادة مدينة قابلة للحياة
منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، تم إخلاء عشرات المباني في الأحياء المحيطة بالمرفأ. رحل السكان جرّاء الأضرار والصدمة - كبارًا وصغارًا، ولدوا هنا أو استقروا مؤخرًا، مستأجرين ومالكين، لبنانيين ومهاجرين. وتصدّعت المحلات التجارية والمشاغل والمكاتب والمطاعم والحانات والمدارس وغيرها. كما قُطعت تمامًا الكهرباء والمياه في العديد من الأحياء المتضررة، وتصدّعت المباني وأصبح منها غير قابل للسكن. ساهمت هذه العوامل في الرحيل السريع للسكان الى خارج المنطقة.

منذ انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، تم إخلاء عشرات المباني في الأحياء المحيطة بالمرفأ. رحل السكان جرّاء الأضرار والصدمة - كبارًا وصغارًا، ولدوا هنا أو استقروا مؤخرًا، مستأجرين ومالكين، لبنانيين ومهاجرين. وتصدّعت المحلات التجارية والمشاغل والمكاتب والمطاعم والحانات والمدارس وغيرها. كما قُطعت تمامًا الكهرباء والمياه في العديد من الأحياء المتضررة، وتصدّعت المباني وأصبح منها غير قابل للسكن. ساهمت هذه العوامل في الرحيل السريع للسكان الى خارج المنطقة.

 

إلاّ أن رحيلهم يشكّل تهديدًا خطيرًا لاستعادة مدينة قابلة للحياة وأحياء تزدهر فيها سبل العيش. فهناك خطر حقيقي من أن يتحوّل هذا الانتقال السريع إلى تهجير دائم، خاصة وأن معظم هذه الأحياء كانت قد خضعت لمضاربة عقارية شرسة خلال السنوات العشر الماضية. فإذا أخذنا منطقة مار مخايل على سبيل المثال – التي قصدتها أجيالٌ متعاقبةٌ من النازحين إلى المدينة ووجدت فيها سكناً مناسباً وقريباً من مكان عملها – تعرضت بدءً من العام 2006 الى تحوّل في اقتصادها المحلي. بدأت المطاعم والحانات تدخل إلى الحيّ وتحلّ مطرح الصناعات القديمة. وقد قصدته لتدنّي أسعار الإيجار فيه، وإعجاباً بطابعه العمرانيّ والإجتماعيّ الفريد. ما تسبّب برفع أسعار الأراضي في الحيّ بنسبة 200 في المئة. ترافق ذلك مع وتيرة متسارعة لعميات انتقال الملكية من المالكين القدامى الى الشركات العقارية والمستثمرين. 

 

وتحوي الأحياء المتضررة بمعظمها مباني قديمة أو تاريخية يسكنها نسبة كبيرة من المستأجرين. فالإيجار يشكّل الوسيلة الأساسية للوصول الى السكن في المدن الرئيسية في لبنان. في بيروت، تبلغ نسبة المستأجرين 49.5٪ (وفقًا لمسح أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في عام 2008). وفي حيّ مار مخايل كمثال، تشكل نسبة المستأجرين في النسيج القديم  حوالي 55%، مهددون بالتهجير الدائم نتيجة هشاشتهم والإطار القانوني الذي يرعى وجودهم في المدينة. فينقسم المستأجرون الى ثلاثة فئات:

 

-        السكّان القدامى: الذين يسكنون النسيج العمراني القديم في المدن بواسطة قانون الايجارات القديم، اي ضبط الايجارات الذي توقّف العمل به عام ١٩٩٢. هذه الفئة مهددة بالإخلاء والتهجير دون توفير بدائل سكنية بفعل قانون جديد للايجارات القديمة (أقرّ  بـ ٢٠١٤ وعدّل بـ ٢٠١٧) الذى جرّد الكثيرين من المستأجرين القدامى من ضمانة حقهم بالسكن.[1]

 

-        المستأجرين "الجدد" وفق قانون الاستثمار: هذا هو قانون الإيجارات الوحيد الذي بموجبه يستأجر السكّان في المدينة، وقد جرّد هذا القانون المستأجرين من حقهم في السكن وحوّل علاقتهم مع المسكن إلى علاقة استثمارية بحتة يحدد شروطها المالك. فالعقد وفق قانون الايجار الجديد يهدد الاستدامة في السكن فيضمنه فقط لثلاث سنوات، من دون أي شروط لزيادة كلفة الايجار بعد إنقضاء ال٣ سنوات أو ضمانات لعدم إخلاء المستأخرين. كما أن هذه العقود لا ترتبط بأي مؤشر يضبط كلفة لإيجارات وعملة تسديد بدل الإيجار، فهي متروكة تماماً لرغبات وقدرة المالك في جني الأرباح.[2]

 

-        المستأجرين بلا عقود: في ظل انعدام السياسات والبرامج السكنية التي تؤمّن السكن لشريحة واسعة من ذوي الدخل المحدود، تظهر في المدن ترتيبات سكنية مختلفة تتمثّل بتقسيم الشقق لغرف، المساكنة وتأجير الأسرّة.تفتقد العديد من هذه المساكن شروط السكن الملائم وتتسم بالاقتظاظ وغياب المعايير الصحية والهندسية، وسكّانها هم شريحة واسعة من التلامذة، والعمّال، والمهاجرين واللاجئين. هؤلاء يعانون من غياب العقود التأجيرية، مما يجعلهم في وضع قانوني هشّ.

 

يتمثّل استكمال كارثة الإنفجار باستغلال هذه الفئات القلقة على سكنها ومستقبلها في الحيّ، والذي يمكّنه غياب تام لتحمّل الدولة لمسؤولياتها وغياب الحماية للحق في السكن. فيتعرّض السكّان بحجّة تصدّع المباني إلى ضغوطات بالإخلاء من المالكين من جهة ومن القوى الأمنية التي تنفّذ قرارات المحافظ. وفي حين يقاوم أعداد كبيرة من المستأجرين هذه الضغوطات، إذ لم يوفّر لهم ضمانات لعودتهم أو بدائل سكنية لحين إتمام إعادة التأهيل، تقوم القوى الأمنية بضغط إضافي يجبر السكّان على توقيع أوراق تحمّلهم مسؤولية عدم الإخلاء.

تتجلى مخاوف التهجير الدائم في ممارسات السلطة مع حق السكن وتتغذى جراء سيناريوهات كارثية لتجارب إعادة إعمار سابقة. لقد سبق ودُمرت بيروت وضواحيها مرات عدة. كما شهدنا على تدمير مدن لبنانية أخرى وقُرى ومخيمات. أُعيد إعمارها على نحو أعاد إنتاج الأسباب التي أصلاً أدت لدمارها: على أسس طبقية أو تقسيمية أو لخدمة مصالح محددة؛ وساهم ذلك في تشريد إضافي للسكان وفي تدمير الإقتصاد المحلي وفي خلق فجوة كبيرة ما بين الماضي والحاضر. 

 

من هنا، ستكون عملية تأهيل واستنهاض أحياء الكرنتينا ومار مخايل والجميزة والجعيتاوي والروم وفسوح والبدوي صراعاً سياسياً حقيقياً. ستحاول السُلطة استغلال الدمار لتحريك شبكة من المصالح المرتبطة بقطاعي العقارات والبناء. وسنحاول نحن إرساء مسارات من شانها أن تضع جميع السكان في صلب عملية التعافي وتقديم الدعم القانوني والاجتماعي للفئات الأكثر عُرضة للتهميش.
عليه، نطلق مبادرة مسح إجتماعي إقتصادي للأحياء وندعو المتضررين والعاملين الاجتماعيين التبليغ عن الأضرار والتهديدات في السكن.



[1] تبلغ نسبة الإيجارات القديمة ما يعادل ٢٠٪ من إجمالي المساكن في أحياء بيروت القديمة والتاريخية. يشمل هؤلاء فئات اجتماعية متنوعة، منهم من لا يتمتع بحقوق كاملة أو موارد هامة، كأصحاب المداخيل المحدودة، المعوّقين وغير اللبنانيين، ومعظمهم فئات اجتماعية  تقل مواردها مع مرور الزمن، كالمتقاعدين أو كبار السن.

[2] وإن لم يعثر المالك على مستأجرين يستطيعون تحمّل كلفة الايجار الذي حدده، فليس هنالك أي محفّزات لعرض مسكنه في السوق بما أن ليس هنالك ضرائب على الشقق الشاغرة. وقد وصلت معدّلات الشغور في بيروت إلى أرقام قياسية عالمياً، فهي تزيد في بعض الأحياء عن ٣٠٪ من الشقق المتوفرة.

A+
A-
share
أيلول 2020
أنظر أيضا
16 أيلول 2020 بقلم منى فواز، أستاذ في الدراسات الحضرية والتخطيط ومنسق برامج الدراسات العليا في التخطيط والتصميم الحضري في الجامعة الأمريكية في بيروت.
16 أيلول 2020
بقلم منى فواز، أستاذ في الدراسات الحضرية والتخطيط ومنسق برامج الدراسات العليا في التخطيط والتصميم الحضري في الجامعة الأمريكية في بيروت.
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد