السلامة البيئيّة في إعادة إعمار بيروت - نصائح لترميم يُراعي البيئة

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 16 أيلول 20 بقلم محمد مرتضى، مهندس مختص بالهندسة المستدامة في شركة "إيكو كونسلتنغ" 5 دقائق للقراءة
السلامة البيئيّة في إعادة إعمار بيروت - نصائح لترميم يُراعي البيئة
بعد الإنفجار المروّع الذي ضرب بيروت في 4 آب 2020، وقفنا مصدومين وسط أنقاض المدينة التي نحبّ، مفجوعين على الذين قضوا وعلى المباني المتداعية والشوارع التي كانت في يوم من الأيام تنبض بالحياة. يصعب التفكير في التعافي ونحن في خضمّ هذا الحدث. ولكن كلما أصبحت حاجات الناس للمأوى وللأحياء الصالحة للعيش أمراً ملحاً، كلما أصبحنا ملزمين ألا نقف حزينين مكتوفي الأيدي أمام هول ما جرى. إن الإسراع في إعادة الإعمار هي مسألة ملحّة من شأنها أيضاً أن تحقق جزءاً من العدالة لضحايا الدمار. من وجهة نظر تقنية، نجد أن إعادة إعمار بيروت بشكل يراعي السلامة البيئيّة، باب نستطيع من خلاله تحسين حياة الناس ورفاههم بعد الإنفجار.

بعد الإنفجار المروّع الذي ضرب بيروت في 4 آب 2020، وقفنا مصدومين وسط أنقاض المدينة التي نحبّ، مفجوعين على الذين قضوا وعلى المباني المتداعية والشوارع التي كانت في يوم من الأيام تنبض بالحياة. يصعب التفكير في التعافي ونحن في خضمّ هذا الحدث. ولكن كلما أصبحت حاجات الناس للمأوى وللأحياء الصالحة للعيش أمراً ملحاً، كلما أصبحنا ملزمين ألا نقف حزينين مكتوفي الأيدي أمام هول ما جرى. إن الإسراع في إعادة الإعمار هي مسألة ملحّة من شأنها أيضاً أن تحقق جزءاً من العدالة لضحايا الدمار. من وجهة نظر تقنية، نجد أن إعادة إعمار بيروت بشكل يراعي السلامة البيئيّة، باب نستطيع من خلاله تحسين حياة الناس ورفاههم بعد الإنفجار.

وبسبب الأزمة الماليّة الخانقة التي يمرّ بها لبنان، لا بد من تقليل الاعتماد على مواد البناء المستوردة والمكلفة. إن اللجوء الى إستراتيجيّة إعادة إعمار تراعي البيئة، يعطي الأولويّة لإصلاح وترميم العناصر المكونة للأبنية المحطمة بدلاً من استبدالها كلياً. وبقدر ما ننجح في إعادة استخدام المواد والأثاث، تقل الحاجة إلى المواد الجديدة وتتدنى تكاليف التجديد.

نلفت الى أن التعامل مع المواد السامة، التي قد تكون موجودة أساساً في المباني القديمة مثل الأسبستوس (الموجود في الأرضيّات والأنابيب والمواد التي تحمي الأسقف) وفي المصابيح الفلوية المتضامة المملوءة بالزئبق، يجب أن يتم بحذر شديد. نقترح ارتداء أقنعة خاصة وقفازات سميكة. ولا بد من تهوية الأماكن حيث توجد المواد السامة، بشكل جيد، وذلك لمدة يوم كامل على الأقل قبل الشروع في عملية الترميم، من أجل ضمان عدم احتواء الجو المحيط على ملوّثات ضارة تنتقل عبر الهواء. أما المصابيح الفلورية المتضامة وأي معدات إلكترونيّة لم تعد تصلح للاستخدام، فيجب أن ترسل إلى مرافق جمع النفايات الإلكترونيّة، حيث يتم التخلص منها وإعادة تدويرها بعيداً وبأمان.

تعرّضت العديد من المباني لأضرار في هياكلها. ولمعالجة هذا الأمر، يمكن استخدام الخشب أو الفولاذ المعاد تدويره كبديل صديق للبيئة. فعلى سبيل المثال، إن الأعمدة الكهربائيّة الخشبيّة التي تم التأكد من سلامتها الهيكليّة، يمكن أن تستخدم لدعم الأسقف إن كانت في حالة جيدة. كما أن الفولاذ الذي يحتوي على الكثير من العناصر المعاد تدويرها متوافر على نطاق واسع ومن دون تكلفة إضافية، مقارنة بالفولاذ غير الخاضع لإعادة التدوير والمتوافر لدى مختلف المصنّعين.

أما بعض المواد مثل الزجاج فلا يمكننا سوى استيرادها. ولكن اختيار الزجاج المزدوج من شأنه أن يقلل من أحمال التدفئة والتبريد في المباني، كما أنه يشكل عازلاً للصوت. لقد كان هذا الأمر مصدر انزعاج في بعض الأماكن الأكثر تضرّراً في الأحياء الصاخبة. إستخدام هذا النوع من الزجاج مهم جداً خاصة في الأماكن التي تحتاج الى تكييف مكثف، حيث تتعرّض النوافذ كثيراً لأشعة الشمس. يمكن أيضاً تغطية الواجهات المشمسة بزجاج عاكس - الطريقة صالحة أيضاً للزجاج الفردي - أو تضمينها كوّات تحدّ من امتصاص الحرارة وبالتالي من الحاجة إلى مزيد من التبريد.

يُنصح دائماً باختيار مواد طلاء تحتوي على نسبة منخفضة من المركبات العضوية المتطايرة بدلاً من استخدام مواد الطلاء التقليديّة المكوّنة بشكل أساسي من الزيت والتي تعتبر سامّة ومسبّبة للسرطانات. هذا الطلاء، الذي يضمن بيئة أسلم في الأماكن الداخلية، يتم تصنيعه محلياً ومن دون تفاوت في الأسعار. وللحصول على لمسات أخيرة صديقة للبيئة، يمكن تجصيص الجدران باستخدام مواد خام مع القش الناعم في الطبقة الأولى من الكلس أو كمية صغيرة من الأسمنت كافية لتثبيت الجص وجعله أكثر متانة. وقد استخدم تقليدياً الآجر الثابت في منازل بيروت القديمة. من شأن ذلك أن يخفض الطلب على الأسمنت الباهظ الثمن (الترابة)، ويستطيع الساكنون أن يقوموا بهذا العمل بأنفسهم.

نظراً إلى أنّ الكثير من الأنظمة الميكانيكية والكهربائية قد تضررت، فلا بد من أن نأخذ في الاعتبار كفاءة استخدام الطاقة عند إعادة الإعمار. ويشمل ذلك أنظمة التدفئة والتهوية وتكييف الهواء الموفّرة للطاقة (مثل وحدات التبريد المزودة بمحول ومضخات الحرارة)، والإنارة (لمبات LED)، والأجهزة الكهربائية (مثل البرّادات والغسالات والمجفّفات والتلفزيونات وما إلى ذلك). تساعد هذه المعدات على تخفيف الحمل الكهربائي، مما يسمح لها بالعمل على مصدر الطاقة الضعيف للمولدات، وفي الوقت نفسه يخفض من فواتير الاستخدام.

ومع تزايد انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد، نرى أن الاعتماد على الطاقة الشمسيّة استثمار جيد في الطاقة، وهو ما تروّج له أيضاً الحكومة. يسهل تركيب الألواح الكهروضوئيّة أو سخانات المياه التي تعتمد على الطاقة الشمسيّة عند إعادة بناء المدارس والمستشفيات التي تستخدم الكثير من الطاقة خلال الساعات المشمسة. كما نؤكد على جدوى استخدام سخّانات المياه التي تعمل على الطاقة الشمسيّة في المباني السكنية حيث مساحة السقف كافية لهذا الغرض. فائدة هذه الأنظمة تتعدى مسألة الفاتورة المخفضة، فهي ترفع من مرونة المجتمع وقدرته على التعامل مع أي انقطاع قد يطاول في المستقبل البنية التحتيّة المركزيّة.

بعض التوصيات الواردة في هذا المقال، تترتب عليها تكاليف إضافية يصعب اعتمادها في ظل الوضع الاقتصادي الصعب للبلد. ولكن، إذا ما نظرنا إليها من منطلق جدوى الاستخدام على المدى الطويل، فالأمر لا شك مجدٍ.  ويمكن أيضاً تعويض التكلفة المرتفعة إذا ما تمّ تخصيص أموال التعويضات المرصودة لإعادة الإعمار من أجل تدعيم الأبنية كما هي في وضعها الحالي على الأقل. لا بد لآلية التعويض المالي من أن تكون واضحة في أقرب الآجال كي يتسنّى للمالكين اتخاذ القرار المناسب في شأن المبالغ التي يمكنهم استثمارها في اختيار مواد البناء.

نأمل أن يعاد إعمار بيروت في أسرع وقت وبما يتلاءم مع حاجات الناس وقدراتهم. إن هذا أمر غاية في الأهميّة وضروري من أجل تحقيق شيء من العدالة بعد هذا الحدث المدمّر.
A+
A-
share
أيلول 2020
أحدث فيديو
أماني الخطيب: رحلة ناشطة ووسيطة محلية - تقرير عبير مرزوق
SalamWaKalam
أماني الخطيب: رحلة ناشطة ووسيطة محلية - تقرير عبير مرزوق
SalamWaKalam

أماني الخطيب: رحلة ناشطة ووسيطة محلية - تقرير عبير مرزوق

تشرين الثاني 04, 2024 بقلم عبير مرزوق، صحافية
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
04 تشرين الثاني 2024 بقلم عبير مرزوق، صحافية
04 تشرين الثاني 2024
بقلم عبير مرزوق، صحافية
تحميل المزيد