بشكل أساسي، أظهرت النقاشات المتعددة كيفية تأثير مواضيع كسب المعيشة – سلباً في الغالب – على تصورات هذه المجتمعات المحلية عن بعضها البعض.
تتحدث هذه القصص بشكل عام، عن «منافسة» على فرص العمل، فتعكس شعوراً بالظلم والاستغلال بين اللاجئين، وشعوراً بالغضب والاستياء والحرمان بين المجتمعات المضيفة.
وإلى جانب الانطباعات العامة التي تم التعبير عنها خلال ورش العمل، ركّزت الروايات المحلية على حوادث محددة لنزاعات نشبت حول موضوع قضايا سبل المعيشة؛ كحوادث وقعت بين الموظفين وأصحاب المصالح أو بين الموظفين أنفسهم أو بين الشركاء أو أصحاب العمل. وفي بعض هذه القصص، تطوّرت الحوادث لتشمل عدداً أكبر من الأفراد أو المجموعات. لكن هذا لا يعني غياب القصص أو التجارب الإيجابية المتعلقة بقضايا سبل المعيشة، إلا أنه لا يمكن حجب التصورات السلبية العامة عبر استحضار بعض التجارب الإيجابية.
بشكل عام، الطريقة التي يتم من خلالها عرض قضايا سبل العيش ومناقشتها، تقسم الأشخاص المتأثرين بشكل رئيسي بأزمة اللاجئين – أي اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة – إلى فريقين متعارضين عوضا عن رؤيتهم كفريق واحدٍ من ضحايا يواجهون النظام/الوضع نفسه. وهذا من شأنه تعزيز عقلية «المنافسة» ويتركنا مع معضلة «إما-أو».
هدفت دراسة دار السلام التي تم نشرها مؤخراً بعنوان «كسب المعيشة: حين تواجه الاحتياجات المخاوف» إلى تسليط الضوء على كيفية رؤية المجتمعات المحلية لهذه المشكلة. وفي الوقت نفسه، عرضت الدراسة النتائج بطريقة تساعد على تخطي عقلية «نحن ضدّ هم»، وتساهم في تمييز الاحتياجات والمخاوف الرئيسية المشتركة للأشخاص الأكثر تأثراً بأزمة اللاجئين في لبنان.
بشكل عام، تتمثل مشكلة سبل المعيشة، كما طرحها معظم المشاركين، في أن العمال السوريين يحلون محل العمال اللبنانيين، أو أنهم يتنافسون معهم على السوق، مؤثرين في نهاية المطاف على دخلهم.
من جهة، يؤمِن السوريون أن أصحاب العمل اللبنانيين يستغلونهم حيث أنهم لا يتمتعون بأي حقوق أو وسائل لحماية أنفسهم، وهم يلومون الحكومة لحرمانهم من أوراق الإقامة الخاصة بهم.
من جهة أخرى، يلوم اللبنانيون الذين خسروا وظائفهم بالكامل للسوريين، أو الذين انخفض دخلهم، السوريين على ذلك في المقام الأول، والحكومة على عدم حمايتها لحقوقهم أو خلق فرص عمل جديدة.
خلال المناقشات التي جرت خلال ورش عمل السلام الاجتماعي، نسب المشاركون هذه «المنافسة» الظاهرية إلى عدد من الأسباب، منها:
- الارتفاع الحاد في أعداد العمال السوريين في لبنان.
- قبول السوريين لرواتب أقل من رواتب اللبنانيين.
- طمع أصحاب العمل.
- كفاءة عالية لدى السوريين في بعض المهن اليدوية.
كما ذكرنا سابقاً، تم التوصل إلى هذه التصورات من خلال سرد القصص وتحليل النزاعات التي أجراها المشاركون كافة. وعلى الرغم أن معظم القصص كانت تعكس وجهة نظر اللاجئين، لكون معظم المشاركين في الورش كانوا من المجتمعات اللاجئة، إلا أن قصص ووجهات نظر المجتمعات المضيفة كانت أيضاً حاضرة. على سبيل المثال، تحدّثت إحدى القصص عن رجل كان يبيع الخبز في منطقة معينة، وتشاجر مع لاجئ جاء ليبيع الخبز في المنطقة ذاتها، مما دفع السكان المحليين إلى التدخّل. كما جلبت مناقشات المائدة المستديرة المزيد من تصورات المجتمعات المحلية المضيفة، مما عوّض عن التمثيل المتواضع لهذه المجتمعات خلال ورش العمل.
وتم تصنيف القصص المجمّعة في 5 فئات:
1 - التعويض: قصص حول عدم الدفع للاجئين مقابل الخدمات التي قدموها. وفي كافة القصص التي حرِمَ فيها اللاجئون من حقوقهم، لم يتمكنوا من استعادتها في وقت لاحق. وفي بعض هذه الحالات، تعرّض الأشخاص الذين طالبوا بالحصول على تعويضاتهم إلى الاعتداء على أيدي أصحاب عملهم، ولم يتم الإبلاغ عن معظم حالات الاعتداء.
2 - عمالة الأطفال: ذكر الكثير من المشاركين وجود تزايد في نسبة عمالة الأطفال في لبنان، وبخاصة بين مجتمعات اللاجئين. أما النزاعات ذات الصلة فكانت نتيجة إساءة معاملة الأطفال، بشكل أساسي، مما أدى إلى زيادة في حدة التوترات بين عدد من العائلات وأصحاب العمل.
3 - ظروف عمل ضارة: هذه النزاعات ذات صلة باللاجئين الذين حُرِموا من حقوقهم الأساسية في العمل مثل التعويض عن الإصابات الناجمة عن العمل، والحصول على استراحات الغداء وإمكانية الدخول إلى المراحيض.
4 - درجة عالية من الضعف: تسلّط القصص التي تندرج تحت هذه الفئة، الضوء على الحوادث التي تعرض فيها العمال اللاجئون للإساءة أو التمييز لأنهم يمثلون العامل الأضعف. وتمت مشاركة قصص عن أشخاص أبرياء تم اتهامهم بالسرقة أو أشخاص أجبروا على الاعتذار حتى عندما لم يخطئوا أو تم تهديدهم لقبول معاملة غير منصفة لأن أصحاب العمل هم من يكفل إقامتهم.
5 - شراكات مفكَّكة: إن توفّر اتفاق شراكة مفصل، كما هو الحال في أي شراكة تجارية في وضع طبيعي، غاية في الأهمية. إلا أن الوضع، وللأسف، ليس كذلك حين يتعلق الأمر بالشراكات بين اللاجئين وأفراد من المجتمع المضيف في لبنان حيث لا يُسمح للسوريين بإنشاء أعمال تجارية، مما يؤدي إلى الكثير من النزاعات بين الشركاء السابقين.
كما ذكرنا سابقاً، توحي القصص المجمّعة الواردة أعلاه أن قضية سبل المعيشة هي مجرّد مشكلة بين اللاجئين ومجتمعاتهم المضيفة. إلا أنه عند التعمّق في تحليل هذه القصص، يمكن تحديد العديد من الاحتياجات والمخاوف المشتركة.
المخاوف المشتركة
الاحتياجات المشتركة
أزمة اللاجئين المطوّلة
تعزيز الظروف المعيشية وتأمين مصدر دائم للدخل
الخوف من عودة اللاجئين غير الآمنة أو صعبة المنال
الاستثمار في قدرات اللاجئين لمساعدة اللاجئين والمجتمعات المحلية المضيفة على حدّ سواء
توفر يد عاملة أكثر بكثير من الطلب
تطبيق مبادئ وأخلاقيات لسلوكيات العمل
العصابات التي تحتكر بعض المناطق
تطبيق قوانين عمل منصفة ونظام قضائي فعال
إساءة معاملة الأطفال وتشغيل الأطفال بالقوة
تطبيق قوانين تحدّ من عمالة الأطفال أو أقلّه تحمي الأطفال الذين يعملون
فقدان العمل أو الاستبدال بشخص آخر
حثّ أصحاب المصالح على تحمّل المسؤولية في حالات الطوارئ
عدم تلقّي أجر اليد العاملة
تشجيع البلديات على تنظيم أعمال السوريين التجارية بموجب أحكام وشروط منصفة
الخوف من الاحتياجات المتزايدة مع مرور الوقت
إن أخذ هذه الاحتياجات والمخاوف المشتركة بعين الاعتبار عند التعامل مع قضية سبل المعيشة، قد يساعد في جعل التصورات السائدة أكثر إنسانية وتسامحاً وواقعية.
إن اللاجئين السوريين والمجتمعات اللبنانية المضيفة يعانون على حدّ سواء من آثار أزمة اللجوء. هم يفقدون بشكل متزايد القدرة على العيش بكرامة أو الحفاظ على إمكانية وصول كافية لكسب المعيشة. وبالتالي فإن ما يسمى بالمنافسة ليس في الواقع سوى عملية استغلال، من قبل النظام، للأشخاص الأكثر تأثراً بأزمة اللاجئين.
(1) دار السلام هي منظمة اجتماعية لبناء السلام مقرّها لبنان. تُعقَد ورشة العمل الخاصة بالسلام الاجتماعي مع مشاركين من مجتمعات اللاجئين والمجتمعات المضيفة على حدّ سواء، وذلك من أجل دعمهم لتطوير مبادرات مجتمعية تهدف إلى إنشاء مساحات للحوار بينهم.