المساحات المشتركة: حيّز مفتوح للجميع

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 02 آب 18 5 دقائق للقراءة
المساحات المشتركة: حيّز مفتوح للجميع
© تصوير بوب مطر من فريق «رصيف بيروت»
ظهرت على مدى السنوات القليلة الماضية، زيادة بطيئة إنما ثابتة في عدد المساحات المشتركة في لبنان. هذه الفضاءات المشتركة هي في جوهرها أحداث ثقافية تهدف إلى توفير مساحة للتعبير الجماعي عن الذات، وتتزايد أهميتها وقيمتها في بيئة تضغط الأفراد بعدد لا يحصى من الصراعات والتوترات اليومية. إذاً، ما هي هذه المساحات المشتركة في لبنان وكيف تبرز أهميتها العلاجية كمصدر تفريغ (Catharsis)؟
لقد قام الكثير من التجمعات في لبنان بجهود ملحوظة ومثيرة للإعجاب في توفير مساحات مشتركة، مثال منصات Cliffhangers وThe Poetry Pot ومجلة سكون وFade In، ومؤخراً أمسيات المايكروفون المفتوح «رصيف بيروت» الذي قمت بتأسيسه منذ حوالي عام. لقد كنت قلقة من عدم نجاح فكرة المايكروفون المفتوح الأسبوعي، لكن المفاجأة السعيدة كانت بعد بضعة أسابيع فقط من إطلاقه، حيث جذب «رصيف بيروت» الكثير من الأفراد المتحمّسين الذين يهتمون برعاية بيئة داعمة وودّية تكفل الجانب «الآمن» من الحيّز المشترك. في الواقع، يتدفق المزيد من الناس إلى هذا النوع من الأحداث، مع دفاتر الملاحظات الشخصية أو الآلات في أيديهم، متحمّسين لمشاركة قصصهم. تسمح هذه المساحات المشتركة للناس بمعالجة القضايا السياسية والاجتماعية الهامة من خلال السرد الشخصي.
وتصف ميشيل، 22 عاماً، متخرجة حديثاً من الجامعة الأميركية في بيروت وزائرة دائمة في أمسيات «رصيف بيروت»، هذه المساحات المشتركة بأنها «فريدة وجذابة وضرورية إذا كنتَ بحاجة إلى استراحة، فتصبح بسهولة مكاناً لا يستجوبك فيه أحد. فما من احكام مسبقة». لقد شاركت تجربتها الشخصية في هذه الفضاءات قائلة: «لقد سمعت قصيدتين وأعتقد أنني لن أنساهما أبداً، كلاهما وليدة تجارب الاغتصاب أو الإساءة، وأعتقد أن مجرّد توفير المنفذ والدعم هو قفزة هائلة في عملية الشفاء».
أدارت كلير ويلسون، 26 عاماً، طالبة في جامعة بوسطن، فضاءاتها الخاصة في عمان وبوسطن. وأعربت عن سعادتها لإيجاد وفرة من المساحات المشتركة في بيروت بعد انتقالها مؤخراً إلى المدينة. «كشخص وصل حديثاً الى بيروت، تشكل هذه المساحات المشتركة، بالنسبة إليّ، وسيلة للتواصل المباشر مع رواة القصص والشعراء والموسيقيين والفنانين وغيرهم من الأشخاص المتقاربين بالتفكير والذين يضيفون قيمة للاستماع والتعبير. فإن هذه المساحات قطعة من الزمن تتألف من مزيج نادر من الرابط الإنساني والنضال والضعف والحب». وتحدثّت عن القيمة الملازمة لهذا النوع من المساحات المشتركة قائلة: «أمسيات الميكروفون المفتوح شافية لأن الموسيقى تشفي والكلمات تشفي والقصص تشفي والجماعة تشفي». وأضافت قائلة: «إن المسرح يبني الثقة في الذات ويوفر منصة لتبادل تجارب الألم والقدرة على التكيف وفي الوقت ذاته يعمل على تعزيز المجتمع. فكل فرد يستطيع أن يصف علاجه الخاص بنفسه من خلال ما يشاركه وما هو على استعداد لتشرّبه». وأشارت إلى أن هذا النوع من المساحات المشتركة يتحوّل إلى فضاءات يعيد فيها الشباب تعريف قيمهم ومواقفهم، «وبطريقة حقيقية وملموسة، تطلب هذه المساحات من هذا الجيل التصارع مع تناقضات الحريات التي نتوق إليها».
وأشار عقيل اسكندر، 31 عاماً، وهو مصمم ديكور داخلي وزائر دائم للمساحات المشتركة، إلى أن أي اختلافات اجتماعية أو سياسية تتبدّد فيها. وقال: «لقد حضرت أمسية الميكروفون المفتوح لأول مرة لمشاركة قصيدة أحبّها. وكنت متحمساً لاعتلاء المسرح». وأشار عقيل إلى شعوره ببعض الفوارق بعد حضوره الميكروفون المفتوح بضع مرات، قائلاً: «بعد فترة من الزمن، أخذت دوافعي شكلاً مختلفاً، فأصبحت كذلك مندفعاً للاستمتاع بالبيئة الداعمة التي تجمع بين الناس وبالمحادثات الجانبية التي تحدث والتي من خلالها يتبدّد الدين والمال وحتى الفوارق بين الجنسين وتبقى الفسحة للحوارات الشيقة بين أفراد الجمهور».
وعلّقت فرح العريضي، 31 عاماً، وهي كاتبة وباحثة ومرشّحة لدرجة الدكتوراه في الأدب العربي والنظرية المكانية في جامعة غولد سميث، على المساحات المشتركة في بيروت: «خلال السنوات العشر الماضية، كانت بيروت تسترجع بثبات فضاء تجاوز اليوم مختلف أنواع الحدود وبات حازماً بشكل مفتخر به، بدءاً من اعتلاء المنصات المرتجلة في الشوارع إلى تنظيم أحداث متكاملة في الحانات والمسارح والمراكز الثقافية». وأشارت إلى الجانب الجماعي والشامل لهذه المساحات قائلة: «يجمع هذا النوع من المساحات المهنيين والهواة. إنها مساحة نما فيه الكثيرون كما يستمر آخرون في النمو ضمنه. إنه مكان آمن يمكن فيه سماع أصوات «مختلفة» أو صوت «الآخر». قامت فرح بإلقاء الشعر في بيروت ولندن على مدى السنوات السبع الماضية، وقد سمح لها انتقالها مؤخراً إلى بيروت بملاحظة التغيير الذي طرأ بالفعل على هذا النوع من المساحات المشتركة. فأضافت: «هذا المكان ولّد بيئة يمكن للكثيرين أن يشعروا فيها بأنهم مشمولون ومشاركون. أنا شخصياً أعتبر هذا الكيان الاجتماعي-المكاني المخصّص بمثابة منصّة لاستعادة الحق على الاختلاف وحق التعبير والمشاركة والحق في المدينة». وشاطرت فرح تجربتها الشخصية مع هذا النوع من المساحات قائلة: «كذلك، على الصعيد الشخصي، وبفعل الاختلاف الذي يضمنه الفرد للمعاني والقيم، لقد مكنتني هذه الفسحة من تفعيل ذاتي السياسية لقدرة هذا الفضاء على جمع الروايات الفردية والجماعية. مشاهدة هذا الحدث أمر جميل ومُمَكّن، ومن الممتع المشاركة فيه».
وفعلاً تصبح هذه المساحات المشتركة مكاناً يمكن للناس فيه استعادة ما هو شرعاً لهم: ألمهم وقصصهم وأصواتهم وإنسانيتهم. وتبرز ضرورتها من خلال زيادة عدد المبادرات في كافة أنحاء البلاد وزيادة عدد الناس الذين يعوّلون على هذه المساحات. في مناخ خانق بشكل متزايد، توفر هذه المساحات المشتركة متنفساً ضرورياً، حيث يمكن للناس أن يجتمعوا ويكونوا أنفسهم لبعض الوقت ممتلكين آلامهم. وخصوصاً في منطقة في أمس الحاجة للتنفيس والتخفيف، حيث تساعد هذه المساحات المشتركة على إفراغ هذا التوتر شيئاً فشيئاً. فهي متنفس تنبعث فيها طاقة للحياة مع كل مشترك جديد. إنها ضوء خافت في ظلمة الألم التي تكتسح منطقتنا.

A+
A-
share
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد