ديمقراطية الإنتخابات: لمشاركة فاعلة وسلم أهلي دائم

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 02 آب 18 5 دقائق للقراءة
ديمقراطية الإنتخابات:  لمشاركة فاعلة وسلم أهلي دائم
تشكِّل الانتخابات مدخلاً أساسياً لبناء الدولة، أي تمتين المسارات السلمية الآيلة إلى بناء المؤسسات وتفعيلها خدمةً لارتقاء البُنى المجتمعية، ولكن ضمن شروط، أهمها بذل أقصى جهد ممكن لترسيخ عدالة التمثيل وصحته. ففي هذا الإطار، يتم غالباً استعمال المصطلحين أو دمجهما في مقصد واحد، بينما الاختلاف بينهما كافٍ من حيث المعايير الواجب أخذها في الاعتبار إذا ما أردنا حقيقةً إشراك مكوّنات النسيج الاجتماعي كافةً في عملية بناء الدولة. فالعدالة في هذا الإطار تقتضي نظاماً انتخابياً يقوم على تقسيم عادل للدوائر حيث لا تتفاوت نسبة الناخبين بين دائرة وأُخرى بشكل يؤدي إلى اختلال فاضح في قيمتي الصوت والمقعد. في المقلب الآخر، لا تستقيم الانتخابات كأداة بناء لا هدم إذا لم يتِح النظام الانتخابي المعتمد تمثيل جميع المكوّنات، كل حسب وزنه وحجمه، أي ضمان التمثيل الصحيح من دون اختزال.
لا نزال في لبنان في المراحل الأولى لتطوير نظامنا الانتخابي، والذي غالباً ما يرتهن النقاش حوله للتجاذبات السياسية. فكما درجت العادة منذ فجر التاريخ، غالباً ما يكون النظام الانتخابي حصيلة توازن القوى في المجتمعات. فإذا ما نظرنا إلى القانون الحالي في لبنان، وفق النظام النسبي مع الصوت التفضيلي في الدوائر الصغرى، بإمكان أي متابع إدراك مدى ابتعاد القانون الحالي في أغلب مواده عن تحقيق عدالة التمثيل وصحته، بما تفترضه العملية الديمقراطية السليمة. فلطالما سعت الهيئات المدنية منذ التسعينيات الى الضغط باتجاه تصحيح الخلل الناجم عن تعليب القوانين الانتخابية بما يتناسب ومصالح الأقوياء، وكان اهتمام «الجمعية اللبنانية من اجل ديمقراطية الانتخابات» (لادي) منصبَّاً على تحديث الإطار القانوني الذي تجري على أساسه العملية الانتخابية من خلال الترويج لأبرز الممارسات والمعايير الدولية في هذا المجال، أي تلك التي تضمن تعزيز المساواة بين جميع المواطنين الناخبين، وتكافؤ الفرص بين المرشحين على حد سواء، وضمان حق الجميع في إيصال ممثليهم إلى المجالس المنتخبة من دون التعرّض لأي ضغط أو ترهيب، أكان مادياً أم معنوياً.
مع تعاظم دور الجمعية بدءاً من انتخابات العام 1996 وما تلاها، كحملة «بلدي بلدتي بلديتي» المطالبة بإجراء الانتخابات البلدية بعد تعليقها لسنوات عدة، والانتخابات النيابية والبلدية التي توالت، بدأ يتبيّن للناشطين في صفوف الجمعية مدى أهمية الإسراع في إطلاق ورشة عمل داخلية لإعادة البحث بالدور الذي من الممكن للجمعية أن تؤديه، ليس فقط لناحية المراقبة التقنية لمجريات العملية الانتخابية بل الانخراط في المسار الديمقراطي، بما تعنيه الديمقراطية من تأكيد على مبدأ دورية الانتخابات ونزاهتها والتمسك به كشرط أساسي لضمان السلم الأهلي، كما أن تكريس العملية الانتخابية كآلية محاسبة فعّالة وسلميّة تحول دون اللجوء إلى الاضطرابات والعنف.
لطالما تلازمت عملية مراقبة الانتخابات على أنواعها وانخراط الجمعية بالنضال الوطني الديمقراطي الساعي إلى بناء دولة المؤسسات، وذلك نابع من قناعة راسخة بأن الانتخابات وديمقراطيتها حجر زاوية البناء الديمقراطي، لكن لا يستقيم ذلك من دون فهمها وممارستها على أنها حرية ومساواة وعدالة. من هنا، لطالما شكّل الوعي الديمقراطي لقضايا الفئات المهمشة ركناً أساسياً يجعل من مخرجات عملية المراقبة، كما المراقبة عينها، مادة للحفاظ على صحّة النظام الديمقراطي وتمتين السلم الأهلي والتداول السلمي للسلطة. أي مراقبة نزاهة العملية ومدى إتاحة المجال لمنافسة انتخابية أكثر عدلاً بين جميع الفئات، خالية من الشوائب وتجعل من جميع المتنافسين مهما تفاوتت إمكاناتهم سواسية أمام القانون، ومتساوين في الحق.
تستند الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات في مراقبتها لمجريات العملية الانتخابية إلى تحليلها للإطار القانوني المحلي والمعايير التي يتم غالباً تطويرها كمقياس لمدى نزاهة العملية الانتخابية والتزامها المعايير الدولية، وتسعى بشكل أساسي في المرحلة التي تسبق الانتخابات إلى إطلاق حملة تثقيف انتخابي واسعة بأهداف متعددة، يتم من خلالها شرح معايير المراقبة وتلك التي تُعنى بديمقراطية العملية الانتخابية ونزاهتها وشفافيتها، وتصبّ بشكل مباشر في تنمية حسّ المواطنة والاحتكام للقانون لدى المواطنين. كل ذلك ينطلق من إيمان راسخ بأن نشر الوعي للحقوق السياسية والمدنية بين مكوّنات المجتمع اللبناني من شأنه رفع مستوى الوعي السياسي، بما هو مواطنية صالحة، وبما هو حقوق وواجبات وعلاقة تبادلية بين مؤسسات الدولة والشعب. في المقلب الآخر، وتزامناً مع مهامها في نشر الوعي الانتخابي، تساهم الجمعية في تنمية الحس التطوعي لدى الشباب اللبناني والحفاظ عليه من خلال شرح مدى أهمية المشاركة السياسية في الشأن العام عبر المبادرات المتاحة، ومن خلال المساهمة في تمتين الاطر الانتخابية عبر المشاركة أيضاً في عملية المراقبة. فتنمية حسّ العمل للصالح العام يساهم بدوره في وضع الشباب على تماس مباشر مع العملية السياسية من بابها الواسع، الانتخابات، أكانت محلية أم عامة. فأي سلطة لا تستقيم إذا لم تكن نتاج اختيار حرّ في إطار نظام انتخابي يؤمّن لجميع المواطنين الحق بالمشاركة السياسية، واختيار ممثليهم من خلال التصويت الصحيح مما يفسح المجال أمام المواطنين لتجديد الحياة العامة من خلال مساءلة السلطة المنتخبة عن نتائج التوكيل الذي أعطي لها، وهذا يحقق شرطاً أولياً لتداول السلطة بما يولّد أجواء الاستقرار السياسي الذي يوفر أفضل الشروط والظروف الممكنة للتطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي(١)، وحكماً إيجاد أرضية خصبة لبناء السلام المستدام.
إن عملية المراقبة التي تنقسم إلى ثلاث مراحل، تبدأ من عملية تنقيح لوائح الشطب وفتح باب الترشيح، مروراً بمراقبة الحملات الانتخابية والخروقات التي قد تطرأ، ومراقبة مجريات اليوم الانتخابي، وصولاً إلى إعلان النتائج ومواكبة مسار البت بالطعون المحتملة. وجود طرف ذات مصداقية عالية يُجمع عليه المتنافسون جميعهم، يلقي على عاتق هيئات المراقبة مسؤولية جسيمة، إذ يصبحون المرجع الأساس لتزويد الأطراف كافة بتقييمهم للعملية الانتخابية، والإشارة إلى الشوائب والمخالفات وإثباتها بما لا يدع مجالاً للشك لدى المتنافسين بصحة مخرجات عملية المراقبة، وبالتالي الحد من إمكانية تحوّل أي خلاف محتمل بين المتنافسين إلى نزاع خارج المؤسسات المعنية، أو المسارات المؤسساتية، كل لإثبات صحة روايته بما تقتضيه المصلحة الخاصة لا العامة.
بناء على ما تقدم، إن المراقبة الفاعلة والفعّالة لمجريات العملية الانتخابية والتي تشتمل على رفع نسبة الوعي الانتخابي لدى الفئات كافة، وعدم الاكتفاء فقط بالإشارة إلى الشوائب، كذلك السعي الدائم للاستفادة من التجارب لتطوير الإطار القانوني الناظم وتكييفه مع التطورات السياسية والتقنية بما يعزز الديمقراطية الحقة والتي هي في حقلها الانتخابي حرية اختيار، ومساواة بين الناخبين أجمعين والمرشحين، أي قيمة الصوت والمقعد، وهي عدالة، أي تطبيق القانون والالتزام بالمعايير الدولية كأطُر ناظمة، كل ذلك يعتبر بلا شك مدماكاً أساسياً لترسيخ مبدأ الاحتكام إلى السبل المؤسساتية لإدارة الاختلاف والتنافس، بكلفة أقل، وقدرة أكبر للدفع قُدُماً بالواقع الإقتصادي والسياسي والإجتماعي.


(١)  إنتظارات الشباب، أعمال المؤتمر الوطني الرابع، كانون الأول 2003.

A+
A-
share
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد