المواطنة هي المدخل إلى السلم الأهلي والاستقرار الأمني والاجتماعي

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 02 آب 18 8 دقائق للقراءة
المواطنة هي المدخل إلى السلم الأهلي  والاستقرار الأمني والاجتماعي
© عمل فني لمصممة الغرافيكس منى أبي وردة
المواطنة هي تلازم الحقوق والواجبات في دولة الحق والمؤسسات، والعقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن يحمي المواطنة وهو يقوم على دعامتين أساسيتين: أولاً: إلتزام الدولة بتوفير الحقوق كاملة للمواطنين. ثانياً: التأكد من قيام المواطنين بواجباتهم على أكمل وجه.
والمشاركة السياسية هي من حقوق المواطنة الأساسية للمساهمة في تحديد الخيارات الاستراتيجية لمساءلة منتهكي حقوق الإنسان ومحاسبتهم. وهي لا تعني أن يكون المواطنون متوافقين على كل المسائل والتحديات وعلى سبل معالجتها، فمصالحهم المتناقضة تضعهم في مواقع مختلفة الى حد التناقض.
أما التحدي الأساسي فيكمن في إدارة التنوع والاختلاف بطريقة سلمية مهما بلغت حدّته من دون أن يؤثر ذلك على الاستقرار والسلم الأهلي، وعلى تحويل التنوع على أشكاله إلى حوافز للبحث عن حلول تستجيب لمصالح مختلف الفئات.


الحوار المجتمعي(١)  هو من الوسائل الأساسية لتبادل الأفكار والآراء، وأداة التعبير عن الرأي والاستماع إلى آراء الآخرين. ولكنه يخضع لأصول وثوابت يفترض الالتزام بها في حال صدقت النوايا وكان التقدم نحو الأفضل هو الهدف المشترك.
والركيزة الأساسية للحوار المجتمعي هي الديمقراطية التي تقوم على الاعتراف بالرأي الآخر واحترامه، وتساعد على إيجاد الحلول الوسط. ويلعب مجلس النواب، من بين سائر المؤسسات، دوراً في الحوار ويعطيه بعداً قانونياً ومؤسساتياً كونه إحدى السلطات الثلاث التي تعتبر من الدعائم الأساسية لبنية الدولة. فللمجلس وظيفة تمثيل مختلف الفئات الاجتماعية بتكاوينها وتنوعها، وهو السلطة التشريعية، ويراقب السلطة التنفيذية، ويقرّ موازنة الدولة كتعبير عن الرؤية الوطنية والسياسات وبرامج العمل، وينتخب رئيس الجمهورية كل ست سنوات. إذا كان تمثيل البرلمان لكل مكونات المجتمع حقيقياً ويتمسك أعضاؤه بمصالح الفئات التي يمثلونها، عندها يدور الحوار ضمن المؤسسات وبطريقة سلمية مع حظوظ أكبر لإيجاد الحلول التي تصون المصالح. أما في حال جاء تمثيله ضعيفاً فتتدنى القدرة على إدارة الحوار، ويفقد ثقة المواطنين. عندها تنعدم ثقة المواطنين بالسلطة، ويفشل القانون في حماية الحقوق فيسهل تجاوزه ما يهدد الاستقرار والسلم الأهلي.
مرّ لبنان بتجارب عديدة منذ العام 2005 كادت أن تطيح بالسلم الأهلي نتيجة تجاوز القانون والمؤسسات ومنها عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات ما أدى إلى تعطيل الحوار في المؤسسات.
تنظم الانتخابات العامة بشكل دوري كل أربع سنوات لانتخاب نواب يتحملون مسؤوليات السلطة التشريعية طيلة هذه المدة. حيث يديرون حواراً وطنياً نيابة عن الفئات التي يمثلونها. أما دورية الانتخابات فهي للتأكيد على أن مدة التوكيل محددة في القانون لأربع سنوات، وتكون الانتخابات أداة لمساءلة النواب ومحاسبتهم على أدائهم سواء بإعادة انتخابهم أم بانتخاب سواهم.
وتقاس ديمقراطية الانتخابات بمعايير دولية تلخّص تجارب وخبرات طويلة مثلاً: عدالة التمثيل، وحرية الاختيار والنزاهة بما لا يؤثر على خيارات الناخبين، وأن تكون الجهة المنظمة مستقلة.
بالاستناد إلى ما تقدم، نسوق أهم الملاحظات التي أثّرت برأينا على ديمقراطية الانتخابات الأخيرة في لبنان.
تتحقق حيادية الجهة المنظمة باعتماد هيئة مستقلة تبدأ مهامها منذ لحظة إعداد قوائم الناخبين حتى إعلان النتائج والبت بالطعون، أو بتشكيل حكومة حيادية لا يكون فيها وزراء مرشحون. أما في الانتخابات الأخيرة فقد كان وزير الداخلية مرشحاً وهو المسؤول المباشر عن تنظيمها بالإضافة إلى 15 وزيراً على رأسهم رئيس الحكومة. خاضوا الحملات الانتخابية وهم يمارسون مهامهم الوزارية من دون انقطاع. علماً أن القانون ألزم رؤساء البلديات الاستقالة ثلاثة أشهر قبل انقضاء مدة المجلس النيابي القائم والموظفين من الدرجة الأولى والثانية (باستثناء الأساتذة الجامعيين) الاستقالة من وظائفهم قبل ستة أشهر، والقضاة بمختلف مواقعهم قبل سنتين وذلك منعاً لتعارض المصالح.
يعتمد القانون 44/2017 الذي جرت بموجبه الانتخابات النيابية يوم 6 أيار 2018، نظام التمثيل النسبي، وهو نظرياً الأفضل لتحقيق عدالة التمثيل متيحاً فرصة المشاركة للجميع حسب حجمه وعدم إقصاء أي مكوّن.
ولكن كيف ألغي مفعول النسبية في القانون؟
قسّم القانون لبنان إلى 15 دائرة انتخابية تعتبر «دوائر كبرى». وتفاوتت معايير اعتماد الدوائر الكبرى فاعتمدت المحافظة حيناً (دائرتي بعلبك - الهرمل وعكار)، والقضاء أحياناً أخرى (أقضية زحلة والمتن الشمالي وبعبدا)، وتمّ تجميع عدّة أقضية في دائرة واحدة (4 أقضية في دائرة الشمال الرابعة وقضاءين في معظم الدوائر).
كما تتفاوت معايير تقسيم الدوائر الكبرى إلى دوائر صغرى، حيث بقيت مثلاً محافظة بعلبك - الهرمل دائرة كبرى واحدة، واعتمد قضاءان دائرة صغرى واحدة (دائرة مرجعيون وحاصبيا) من ضمن الدائرة الكبرى في الجنوب الثالثة، كما جمع قضاءان ليشكلا دائرة الجنوب الأولى مع الابقاء على كل منهما دائرة صغرى بلا اتصال جغرافي بينهما (صيدا وجزين). واعتبرت بعض الأقضية دوائر كبرى (المتن الشمالي وبعبدا) وجمع قضاءان ليشكلا دائرة كبرى واحدة (البقاع الغربي وراشيا). وقُسمت بيروت إلى دائرتي الشرقية والغربية على غرار الأمر الواقع طيلة الحرب الأهلية.
إعتمد القانون الصوت التفضيلي الواحد الذي يطبق على الدائرة الصغرى، ما يفسر التلاعب بالدوائر بين صغرى وكبرى. فضمت إلى الدوائر الكبرى دوائر صغرى لترفع الحاصل الانتخابي من دون أن تؤثر على الصوت التفضيلي ولحرمان قوائم المعارضة من الاختراق، ما فرض على القوى السياسية الانضمام إلى تحالفات غير مبدئية لزيادة الحاصل، وحوّل المنافسة على الصوت التفضيلي إلى منافسة داخل اللائحة الواحدة لا بل إلى داخل الحزب الواحد، الأمر الذي أربك الناخب وعقد عملية الاختيار. وهكذا أحجم المواطنون عن المشاركة بدل أن تحفزهم النسبية نتيجة ما شاهدوا عند إعداد القوائم، وما سمعوه خلال الحملات الانتخابية.
واعتمدت العتبة الانتخابية المتحركة، أي الحد الأدنى من الأصوات التي تخوّل اللائحة الحصول على مقاعد، فوصلت في دائرة الجنوب الثالثة إلى 20% (نسبة المشاركة قاربت الـ 50%)، في حين كانت في بيروت الأولى حوالي 5% (نسبة المشاركة حوالي 31%). إن هذا التفاوت في مستوى العتبة يفرق بين المرشحين وفي تمثيل المواطنين، علما أن نسبة 20% للعتبة هي نسبة مرتفعة جداً وتكاد تكون الأعلى في العالم، وهي تمنع التغيير.
ويفتقد القانون إلى عدالة التمثيل في مسألتين: توزيع الناخبين على الدوائر بما لا يراعي التوازن فيتراوح عددهم بين 122 ألفاً في دائرة الجنوب الأولى و460 ألفاً في دائرة الجنوب الثالثة، أما توزيع المقاعد على الدوائر فتراوح من 5 في دائرة الجنوب الأولى إلى 13 في دائرة جبل لبنان الثالثة(٢)  ما شكل خللاً في الوزن التمثيلي للمقعد الواحد. ففي الجنوب الأولى كان 24 ألفاً أما في جبل لبنان الثالثة فكان 42 ألفاً.
وزاد التمثيل المذهبي من صعوبة تشكيل القوائم وتوزيع الصوت التفضيلي. كما انعكس غياب الكوتا النسائية على مشاركة المرأة، فترشحت 113 سيدة، تمكنت 86 من دخول القوائم وفازت فقط 4.6%، أي 6 وهذا دليل آخر على غياب العدالة.
وصل سقف الانفاق في بعض الدوائر إلى المليون و700 الف د.أ للمرشح الواحد (٣) ما جعل مجموع الإنفاق العام المتاح في كل الدوائر ولكل المرشحين حوالي 650 مليون د.أ حسب تقرير «الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية». وحددت أسعار مرتفعة للتغطية الإعلامية والحملات الإعلانية ما أعطى كبار المتمولين فرصاً أكبر. كما يستثني البند 2 من المادة 62 التقديمات التي جرى على تقديمها المرشحون والأحزاب لفترة 3 سنوات متواصلة، ما يعزز الرشوة السياسية ويحوّل اللبنانيين إلى رعايا في دولة لا تحترم حقوق مواطنيها. وقد سجلت حالات شراء مقاعد في القوائم من قبل متمولين كبار ما أثّر بدوره على عدالة التمثيل.(٤)
لم يلتزم الخطاب المستخدم في الحملات الانتخابية بأبسط المعايير التي تضمنها القانون، كالقدح والذم والتحريض الطائفي والمذهبي واستخدام خطاب الكراهية والتخويف. ويتحمل مسؤولية ذلك المرشحون الذين انتهكوا قانون الانتخابات وقانون العقوبات، كما تتحمل مسؤوليته وسائل الإعلام لأنها لم تمتنع عن نشره لكونه يخالف قانون المطبوعات.
أيضاً لم تُحترم فترة الصمت الإنتخابي حيث يمتنع المرشحون وماكيناتهم عن الاستمرار في الحملة الانتخابية والدعاية ابتداءً من الساعة صفر في اليوم الذي يسبق يوم الاقتراع حتى انتهاء العملية، وفي يوم الاقتراع يقتصر دور الإعلام على مواكبة مسار العملية الانتخابية (المادة 78).
أما تجاوز الساعة السابعة لإغلاق الصناديق (المادة 87)، فهو انتهاك واضح للقانون، إذ تم استخدام المادة 97 التي تسمح للناخبين في حرم المركز بالتصويت على أن يدوّن ذلك في المحضر. إلا أن وزير الداخلية والبلديات أعطى تفسيراً لمحيط المركز يعتبر أنه جزء من الباحة المحيطة بالمركز فسمح للموجودين فيها بأن يقترعوا، وهي صيغة ملتبسة تخلط بين حرم المركز ومحيطه وبذلك استمرت الانتخابات حتى ساعات متقدمة من الليل في بعض الدوائر. حتى أن النتائج الأولية بدأت بالصدور عن لجان القيد العليا فيما كانت عملية الاقتراع مستمرة في الأقلام الأخرى.
وكنتيجة للتحريض المذهبي الذي واكب الحملات الانتخابية، سجل حادثان يؤشران على خطورة الوضع، الأول في أحد أحياء بيروت بعد إعلان النتائج من لجان القيد العليا حيث احتشد مناصرو بعض الأحزاب وقاموا بتمزيق صوَر وإعلانات لشخصيات على قوائم منافسة مستخدمين عبارات نابية، وأشعلوا بعض الحرائق الصغيرة، ما أثار البلبلة فتدخل المسؤولون وأوقفوهم، ما يوحي بأنها كانت بتوجيه منهم وانتهت بأوامر منهم.
أما الحادث الثاني فهو إشكال وقع في مدينة الشويفات (دائرة جبل لبنان الرابعة) بين محازبين لقوائم منافسة من المذهب نفسه، وقد أدى العراك إلى إطلاق قذيفة نارية استهدفت مركزًا حزبياً أدت إلى مقتل أحد المسؤولين فيه. وقام أحد الفائزين بحماية الجاني الذي لا يزال طليقاً حتى الآن ما زاد من حدة التوتر.
إن الديمقراطية وعدالة التمثيل والمشاركة بحرية هي ضمانة الاستقرار والسلم الأهلي، أما انتهاك معايير العدالة والمساواة واحترام الرأي الآخر، والترويج لخطاب الكراهية والتحريض والقدح والذم، واستسهال تجاوز القانون، فكلها عوامل تهدّد السلم الأهلي، وتؤدّي بالنهاية إلى المزيد من التوتر في مجتمع فيه الكثير من التنوع والاختلاف وأسباب التوتر.


 (١) الحوار المجتمعي هو صيغة متطوّرة عن الحوار الاجتماعي المثلث الأطراف: الدولة، أصحاب العمل والعمال. والحوار الاجتماعي هو آلية لفض النزاعات بين العمال وأصحاب العمل برعاية الدولة المحايدة (نظرياً). وعندما يطاول الحوار مجالات أشمل من علاقات العمل بين العمال وأصحاب العمل مثل موضوع الهوية أو آليات الحكم وأدواته أو الخيارات الاقتصادية الكبرى لمعالجة الأزمات كالبطالة والمديونية والعجز والتضخم والسياسات الضريبية والحماية الاجتماعية وحماية البطالة وجب أن تشارك فيه فئات اجتماعية تمثل مصالح قوى اجتماعية أوسع من العمال.

 (٢) عن موقع وزارة الداخلية والبلديات المخصص للانتخابات النيابية للعام 2018 www.elections.gov.lb

(٣)  5 آلاف ليرة على كل ناخب في الدائرة الكبرى و150 مليون ل.ل. كمبلغ مقطوع لكل مرشح و 150 مليون ل.ل للقائمة عن كل مرشح.

(٤)  تحدث الإعلام عن حالات رشوة وشراء أصوات، وسجل مراقبو الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات والجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية حالات من دون إثباتات لصعوبة الحصول عليها وتوثيقها بشكل دقيق.









A+
A-
share
أحدث فيديو
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
10 كانون الأول 2024 بقلم زهراء عياد، صحافية
10 كانون الأول 2024
بقلم زهراء عياد، صحافية
07 كانون الأول 2024 بقلم نايا فجلون، صحافية
07 كانون الأول 2024
بقلم نايا فجلون، صحافية
تحميل المزيد