هربت عائلة عمر من حلب التي مزّقتها الحرب في عام 2014. لجأت العائلة إلى خيمة صغيرة استأجرتها في أحد مخيمات اللاجئين في البقاع. واجه والده وليد، وهو نجار، صعوبات في العثور على عمل في لبنان. وفي غضون بضعة أشهر من وصولهم إلى لبنان، استنفدت الأسرة كافة مدخراتها وأصبحت في مواجهة مستقبل مجهول. لا يحلم عمر سوى بالعودة إلى المدرسة والعودة إلى غرفته ليلعب بالألعاب التي تخلّى عنها يوم فارق حلب. أما والده فيقول إن الحياة قد علمته درساً ثميناً: «الأحلام ليست للأشخاص مثلي، وكل ما أتمناه هو أن يحصل أولادي على حياة أفضل من حياتي.»
يعيش الملايين من المهاجرين واللاجئين في هذا البلد الصغير الذي يعتبرونه «منزلهم المؤقت» في حالة من الضعف الشديد. رحلتهم هي رحلة انتظار إلى أجل غير مسمى. لقد أدت عقود من الفشل في وضع سياسات استباقية لمعالجة الأسباب الجذرية للفقر وعدم المساواة في المجتمع إلى خلق طبقة من المهاجرين التي يسهل استغلالها. ويُعتبر المهاجرون المحرومون من الكثير من حقوقهم الأساسية طبقة لا غنى عنها للحفاظ على الوضع القائم، إنما يسهُل التخلص منهم واستبدالهم. فان سياسة عدم التدخل، وهي سمة من سمات السياسة العامة اللبنانية، تسبق بوقت طويل تدفق اللاجئين مؤخرًا من سوريا المجاورة. وكانت هذه السياسة قد تجلّت أولاً من خلال رفض الدولة المستمر للمبادرة في التنظيم الاستباقي، من خلال التشريع والسياسات، لقطاع العمال المنزليين، مع تفشي الانتهاكات التي تصيبه منذ عدة عقود.
وفي الآونة الأخيرة، أصبحت خسارة الوضع القانوني أو غياب الوثائق، وهي ظاهرة في ازدياد نتيجة تشديد القيود المفروضة على معايير طلبات الإقامة لفئات مختلفة من الأجانب في لبنان، أحد الأسباب الرئيسية للارتفاع المبلَّغ عنه في حالات الاستغلال في العمل وظروف العمل غير اللائقة. كما أنه أحد الأسباب الرئيسية لزيادة عمالة الأطفال، حيث يجبر الأطفال على العمل نظراً لانخفاض احتمال اعتقالهم الأطفال وتفتيش وثائقهم. وفي حين يؤثر هذا النوع من الاستغلال بشكل رئيسي على المهاجرين واللاجئين، فقد خلق أيضاً ظروفاً تسهّل استغلال العمّال اللبنانيين. ففي الواقع، أدى إغراق الأجور وظروف العمل غير اللائقة إلى تخفيض معايير العمل للعمال اللبنانيين وليس للعمال الأجانب وحسب.
شهد لبنان في تاريخه الحديث موجات كبيرة من الهجرة. وفي حين أن تجربة المهاجرين اللبنانيين علمتنا الكثير الكثير من الدروس القيمة، إلا أنها أخفقت في تعزيز فكرة مسؤولية الدولة عن حماية شعبها. على العكس، لا تزال الهجرة تطرح كالحل الطبيعي للكثير من المشاكل التي تواجهنا اليوم.
يخشى الشعب اللبناني أي محاولة لمعالجة مظالم المهاجرين واللاجئين من خلال سياسات عادلة وإنسانية. ويعود هذا إلى حد كبير إلى تكتيكات التخويف التي يستنجد بها السياسيون ليلقون المسؤولية على المهاجرين كأكباش الفداء لفشلهم وللمشاكل البنيوية الأكثر عمقاً في البلاد.
وعلى خلاف الحكمة السائدة، هذه ليست مباراة يربح فيها فريق ويخسر آخر. وفي حين يواجه لبنان اليوم ضغوطات وتحديات هائلة، يجب ألا تكون حماية المهاجرين واللاجئين إحدى هذه المشاكل. فالجميع سيستفيد من إخراج المهاجرين واللاجئين من الظلال وتأمين شروط عمل لائقة وظروف عيش كريمة لهم. فعندما يُدمج المهاجرون واللاجئون في المجتمع ويحصل كافة الأطفال على التعليم وتصبح الرعاية الصحية حقيقةً ولا تكون الوثائق عائقاً أمام الحصول على العمل ونتمكّن جميعاً من العمل في أمان وكرامة، فإننا بذلك نبني بشكل جماعي مجتمعاً أفضل يكون أكثر سلماً وتسامحاً وعدلاً. عندئذ يمكننا أن نبدأ في معالجة الأسباب الكامنة وراء عدم المساواة. وفي حين أن المهاجرين واللاجئين قد لا يبقون إلا بشكل مؤقت، ليس على رحلتهم أن تكون رحلة انتظار إلى أجل غير مسمى.