كما تمّ التأكيد على هذه المسألة في مؤتمر بكين الدولي (1995)، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي قرار الأمم المتحدة المعني بالمرأة والسلام والأمن رقم 1325/2000، وفي القرار 1820/2008 والقرار 2122/2013 اللذين يناشدان البلدان تعزيز وجود المرأة ومشاركتها في اللجان الخاصة بالتفاوض والوساطة الرامية إلى وضع حدّ للنزاعات المسلحة وإرساء السلم الأهلي. وقد تمّ وضع المساواة مؤخراً على طاولة السياسات العامة الوطنية من قبل أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، مع خطة عمل تضم 17 هدفاً تم اعتمادها في أيلول 2015 في قمة الأمم المتحدة، يتمحور الهدف 5 منها بالمساواة بين الجنسين بشكل مباشر.
بعض هذه النصوص ملزم، والبعض الآخر غير ملزِم. ولكن، بغضّ النظر عن ذلك، على الدولة اللبنانية اتخاذ التدابير التي تعطي المرأة مركزاً ودوراً مهمين في السياسة. علاوةً على ذلك، فإن الثقافة السياسية والاجتماعية للبلاد تنعكس من خلال عوامل مثل الدور الاجتماعي والحضور الفاعل في الشأن العام للمواطنات. بتعبير آخر، تعزّز المكانة الممنوحة للمرأة في السياسة وفي المجال العام الإدماج الاجتماعي كعنصر أساسي لديمقراطية تشاركية قائمة على المساواة الفعلية. وتظهِر حيازة مراكز صنع القرار وبخاصة الأدوار «القيادية» في المجتمع، لا سيما في الهيئات المنتخبة والمعيّنة (حقائب وزارية، مدراء عامون، سفارات، هيئات رسمية، لجان تفاوض...) مدى تغلغل النظام الأبوي في الثقافة السياسية وكيفية قيام الدولة، من خلال سياساتها وأيضاً ممارساتها، بإدماج وشمل الجميع، نساءً ورجالاً، في مجالاتها العامة.
أرقام وأمثلة عن الإقصاء / الاستبعاد الإجتماعي في لبنان:
في الوقائع، حصلت المرأة اللبنانية، بعد عمليات حشد مختلفة، على إصلاح القانون الانتخابي في العام 1953 والذي كرّس حقوقها السياسية. إنّما نظراً إلى الحصص الطائفية والجغرافية المختلفة الموجودة في لبنان، يصعب على المرأة اللبنانية أن تخترق الهيمنة الذكورية في السياسة. ولم يتمّ انتخاب امرأة في البرلمان حتى العام 1963، وذلك لخلافة والدها المتوفى. وفي الانتخابات النيابية في العام 2009، ومن ضمن 587 مرشحاً، 12 فقط نساء، ولم يتمّ انتخاب سوى 4 فقط في البرلمان اللبناني. وسجلت الانتخابات النيابية في أيار 2018 تحسناً ملحوظاً في المشاركة السياسية من ناحية الترشيحات: 113 ترشيحاً شخصياً، و86 ترشيحاً ضمن اللوائح في العام 2018، مقارنةً مع 12 مرشحة في العام 2009 و44 في العام 2013 حين لم يتمّ عقد الانتخابات. وتُتَرجَم نتائج الانتخابات للعام 2018 بعدد خجول من 6 نساء انتخبن من أصل 128 نائباً، على الرغم من كثرة حملات التوعية الوطنية. وبذلك، يبقى لبنان في المراكز الأدنى في التصنيف الدولي.
في الحكومات، النساء شبه مغيّبات. وزيرة واحدة في الحكومة الأخيرة ولا وزيرة في الحكومة السابقة.
منذ التسعينات، تمّ إطلاق الحوار الوطني وتنظيمه من قبل الهيئات السياسية مثل الأحزاب والهيئات الحكومية، وهي تضم القيادات الرئيسية لاتخاذ قرار السلم الأهلي، وتنسيق استراتيجيات الدفاع، وضمان أسس الوفاق الوطني حول الملفات اللبنانية الساخنة. ولا تزال النساء حتى اليوم مغيّبات عن هذه الاجتماعات التي تهدف إلى تحديد الأولويات الوطنية.
وقد أنتجت اجتماعات الحوار الوطني التي حصلت في الطائف والدوحة أو تلك التي جرت في لبنان لمفاوضات السلام أسس التسوية في لبنان: وقد لا تكون المسائل المطروحة والحلول المقترحة، من دون مشاركة المواطنات المستبعدات عن هذه الاجتماعات، مناسبة لهنّ، كما قد تواجه العراقيل بسبب عدم شموليتها من اللواتي لم يشاركن بها.
أما نتائج الانتخابات البلدية التي جرت في العام 2016 فلم تظهِر سوى تقدّم بسيط في نسبة المشاركة لدى النساء في مراكز صنع القرار البلدي، من 4,6% في العام 2010 إلى 5,4% في العام 2016، مع 663 امرأة منتخبة محلياً. هذه النسبة ليست كافية لتحقيق الإدماج الفعلي للنساء في اتخاذ القرارات على الصعيد المحلي، خاصة أن حجم العمل الذي يمكن للنساء القيام به كبيرٌ، لا سيما في إطار عمليات المصالحة والوساطة المحلية التي لم تجر بشكل منهجي بعد الحرب والنزاعات المختلفة التي عاشها لبنان.
إن دور النساء في عمليات لجان تقصي الحقائق والمصالحة وإعادة الإعمار أن يكون أولية للجهود الوطنية، وأحد تحديات الديمقراطية التي تسعى البلاد إلى ترسيخها وتعزيزها.
مبادرات متعددة لإدماج سياسي واجتماعي
تهدف إلى تجاوز العقبات الهيكلية
برز حراك اجتماعي يحمل المساواة في الحقوق السياسية والمدنية للمرأة في لبنان كقضية أساسية. يتألف هذا الحراك من هيئات وطنية، كالهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية التي تشكلت بموجب القانون 720/1998، والوزارة الجديدة لشؤون المرأة في لبنان التي أنشئت في العام 2017.
من جهتها، تحتضن الهيئات المدنية هذا الحراك أيضاً، لا سيّما المنظمات غير الحكومية الناشطة في المجال، التي تحالفت ضمن تحالف وطني لمشاركة «النساء في السياسة» الذي تأسس عام 2016. كانت المطالب بسيطة، بما فيها ضمان الحقوق الاجتماعية والسياسية الكاملة للمرأة اللبنانية. وإن كان فرض الكوتا لا يحمل الحلّ لحلم المساواة التامة، إلا أن الدراسات أظهرت أن هذا النظام يسمح للمرأة بالوصول إلى الشؤون العامة ومناصب صنع القرارات. وقد طالبت جمعيات المجتمع المدني بفرض نظام كوتا من 30%، وهو نظام انتقالي ومؤقت قد يسمح بزيادة نسبة النساء في الحياة العامة اللبنانية، لا سيما في القانون الانتخابي النيابي. أما الرؤيا المشتركة وراء هذه المطالب بالمساواة كما تشير إليها الإستراتيجية الوطنية للمرأة في لبنان للأعوام 2011-2021 فهي عبارة عن مجال سياسي عام من دون هيمنة ذكورية، يكون فيها للمرأة أيضاً دور المواطِنة الكاملة الفاعِلة.
يستلزم تهميش المرأة واستبعادها نتيجة التسويات والتنازلات التي تمّت بسبب نظام طائفي وأبوي، إجراءات واضحة ومستويات تدخل مختلفة: تعديل القوانين الانتخابية. يجب إعادة طرح مشروع لتعديل قانون الانتخابات البلدية (الذي طُرِحَ عام 2010) ليلحظ كوتا نسائية. يجب إعادة النظر في قانون الانتخابات النيابية للعام 2017 مع إجراءات تشجع على وجود عدد نساء إلزامي في كل لائحة، تحت طائلة العقوبة. يجب أيضاً ضمان احترام مبدأ المساواة في كافة التعيينات الوزارية واللجان والبعثات.
إدماج وتمثيل عادلان لمواطَنة كاملة وشاملة
باختصار، المعركة طويلة من أجل تحقيق المواطنة الفاعلة، والتدابير المؤقتة تسمح للنساء، كونهن من الفئآت المجتمعية المهمّشة من قبل النظام، بالوصول إلى كافة مراكز صنع القرار في الإدارة ولخدمة المجتمع. ويضمن هذا الأمر تمثيلاً أفضل للنساء يسمح بالتطرّق إلى مسائل النوع الاجتماعي وتأثيراته المختلفة على الحياة العامة في النقاش العام داخل هيئات مثل الحكومة والبرلمان.