«أراد أبي أن أخطب. كان هناك شاب من حلب تعيش عائلته في لبنان منذ سنوات عدة، أراد الزواج بي. تمكّنت بمساعدة والدتي من ردع والدي. لا أريد أن أتزوج قبل سنّ الـ18»، تقول فرح، 15 عاماً، من إدلب والتي تعيش في لبنان منذ ثماني سنوات. فرح هي الأكبر في عائلة مكوّنة من سبع فتيات. وهي تعيش في قرية القليعات في عكار، وتلقّت مع والدتها فاطمة دورة تدريبيّة لمنظمة «شبكة عكار للتنمية» غير الحكومية استناداً لبرنامج اليونيسف «قدوة». وتمّ وضع هذا البرنامج بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية، ويهدف، في جملة أمور، إلى منع عمل الأطفال، وزواج المراهقين، والعنف الأسري ضد المرأة.
«كنت أخشى بشكلٍ خاص من المسؤوليات المترتّبة عليّ إن تزوّجت، ومن المضاعفات في حالة الولادة. كما كنت أخشى أن أحظى بزوج عنيف»، تقول فرح، التي تركت المدرسة العام الماضي وتحلم بأن تصبح مصفّفة شعر. وهكذا تُكرّر ما تعلّمته خلال الدورة التدريبيّة لشبكة عكار للتنمية.
وتضيف فاطمة «لا أريد أن تتزوج ابنتي قبل سن الثامنة عشرة»، وتقول «سأقاتل حتّى النهاية من أجل أولادي السبعة. أريد لبناتي أن يتمتّعن بطفولة طبيعيّة رغم كلّ شيء».
وفي البقاع، يستفيد مراهق شاب من البرنامج نفسه الذي وضعته منظمة «حماية» غير الحكوميّة. أحمد، البالغ من العمر 14 عاماً، غادر منطقة سرغايا في سوريا عندما كان عمره 11 عاماً ليقيم مع والدته وأخيه الأصغر وأخواته في بعلبك. ولديه عائلة ليعيلها، بما في ذلك أخت مطلّقة لديها طفل رضيع.
يعترف أحمد بأنه لم يحبّ المدرسة مطلقاً، حتّى عندما كان في سوريا. وعندما انتقل إلى لبنان، بدأ العمل في مقهى للإنترنت يوميّاً من التاسعة صباحاً إلى الأولى بعد منتصف الليل، أي (16 ساعة في اليوم) مقابل خمسة آلاف ليرة يوميّاً. ويتذكّر قائلاً «كان الأمر متعباً جداً، بالإضافة إلى أنّ الزبائن كانوا يضربونني، ويربّتون بقوّة على ظهري ورقبتي. لقد كان عمري 11 سنة فقط».
واليوم، وبفضل تدخّل «حماية»، إستطاع أحمد متابعة دورة لتجديد معلوماته، حيث يتعلّم القراءة والكتابة من جديد. وينبغي عليه بعد ذلك أن يلتحق بالتدريب التقني. وهو يخطّط لكيّ يصبح ميكانيكياً. ويقول بأمل «إنها وظيفة ستسمح لي بكسب لقمة عيش جيّدة».
وتؤكّد اليونيسف أنّ «برنامج «قدوة» يهدف إلى تهيئة بيئة مؤاتية لاعتماد السلوكيّات الوقائيّة المتعلّقة بالنساء والفتيات والفتيان، وأيضاً إلى تعزيز المواقف الفرديّة الإيجابيّة تجاه دعم الرعاية، والسلوك اللاعنفي، وتمكين الفتيات والنساء». ويضيف المصدر نفسه «إنّ المجتمعات المستهدفة هي المخوّلة للعمل وقيادة التغيير. ويشمل هذا البرنامج حوالي 38 نشاطاً يركّز على الترفيه التثقيفي، وإشراك المجتمع المحلّي، والتعبئة الاجتماعية، وبناء القدرات».
ولكنّ التغيير في السلوك الإجتماعي يأخذ وقتاً ليظهر تأثيره. سوف يستغرق الأمر سنوات لتحديد مداه. ومع ذلك، ففي البقاع وشمال لبنان، حيث البرنامج قائم، هناك تغييرات إجتماعية صغيرة، لا سيّما في ما يتعلّق بالعنف الأسري، وحماية الأطفال، ودور المرأة في الأسرة.