أطفال 2019 هم قادة المستقبل... السلام والتغيير في عيونهم
«أطفال 2019 هم قادة المستقبل... السلام والتغيير في عيونهم». تحت هذا العنوان بادر الأطفال في الإسهام في صناعةِ التغيير. وهم جابوا، من كلِ المحافظات اللبنانية، بأوراقِ عمل أعدّوها بعناية ٍبالغة، مقارّ المحافظين واستُقبلوا بحفاوة. جلسوا بكلِّ مسؤولية، في حضراتِ الكِبار، مزوَّدين بأوراقٍ دوَّنوا فيها الكثير من الملاحظات وتكلَّموا، بالنظام، باسمِهم وبلسانِ حال أبناء وبنات جيلهم. مشهدٌ جميل. الأطفال يعرفون أكثر من كلّ الآخرين ما ينقصهم وما يُتعبهم وما سيُعيد إليهم الرمق والحقّ والعدالة والسلام."
كما القادة جلسوا وبدأوا في استعراضِ ما يفتقرون إليه من حقوق، مقرِنين الكلام بخارطة طريق تقود الى الحلول. نور، بلسم، أحمد، شهد، لين، هدى، سعد، بتول، أمجد، مروى... أطفالٌ شاركوا في طرحِ المشاكل بكثير من الوقار. وهذه المشاكل حُدّدت في جلسات نقاش انضووا فيها، مدوِّنين على قصاصات ورقيّة مشاكل تعكس معاناة شخصية أو عامة، ناقشوها بينهم في شكلٍ يُحافظ على السريّة والخصوصيّة لتجنيبهم حالات الإحراج والخجل.
«إنضوينا 160 طفلاً وطفلة، شابًّا وشابّة، بمناسبة بلوغ إتفاقيّة حقوق الطفل عامها الثلاثون، ممسكين، لأوّلِ مرّة في ثلاثين عاماً، بنشاطٍ من ألفهِ الى يائِهِ». هكذا شرحت الطفلة مروى إبراهيم حسين أبعاد هذه المبادرة وأضافت: «سنحت لنا هذه المبادرة الفرصة للإضاءة على المشاكل التي نعاني منها كأطفالٍ وشباب وإيجاد الحلول لها. وسننجح».
حين يتكلّم أطفال بلسانِ أطفال
أمجد (14 عاماً) تحدّث عن «عنفٍ يطال الأطفال من قِبلِ أطفالٍ آخرين ومن الأساتذة»، وشرح: «يجب محاسبة الأساتذة الذين يعنفّون الأطفال، ومنع الأطفال من التنمُّر على رفاقهم، وتفعيل العقاب على من يمارس العنف على الآخرين. ولتتدخّل وزارة الشؤون الإجتماعية من أجل الحدّ من العمل في سنّ مبكرة».
مروى (فلسطينية الجنسيّة) قالت بعينين دامعتين: «أنا خائفة على مستقبلي في بلدٍ لا أملك جنسيّته. أخاف أن يؤثّر هذا على حلمي بأن أصبح، حين أكبر، محامية. وانخرطتُ في هذا النشاط كي أصبح أقوى وأتمكّن من تخطّي مخاوفي». رامز (17 عاماً) تحدّث عن مخدّرات في المدارس وقال «فليحمونا من تجّار المخدّرات. لا نشعر بأمان. فليقبضوا عليهم وليُطبّقوا القانون على الجميع». أحمد (13 عاماً) تحدّث عن تلوّث البحر «ورمي البلاستيك في البحر فيأكله السمك ما يعرّضنا كأطفال إلى أمراض. ولتتحمّل البلديّات ووزارة البيئة والمحافظ المسؤوليّة. ولينظِّفوا البحر».
الشكوى من الحقيبة المدرسيّة الثقيلة والمنهاج الدراسي المكثّف المرهق تكرّرت على ألسنة الأطفال الذين حدّدوا المسؤولية: «وزير التربية هو المسؤول. فليُصدر قرارا يستبدل فيه الكتب الثقيلة بوسائل تكنولوجيّة حديثة مثل الآي باد». وفي هذا الإطار علّق علي (12 عاماً): «الدوام طويل والفرصة قصيرة والحقيبة ثقيلة».
هؤلاء الصغار اقتحموا بهمومهم أماكن ما كان الكبار ليُفكّروا بها. حكوا عن معاناة الكثيرين منهم. ثمّة أطفال في المدارس يتنمّرون ويسخرون من أطفال آخرين. وهناك أساتذة يؤذون مشاعر الأطفال بأسلوبهم. وهناك أهالي لا يعرفون كيف يتعاملون مع إبنٍ كسول أو إبنة خجولة تتلعثم ولا تجرؤ على الإختلاط بآخرين. الأطفال حكَوا عن هذه المشكلات التي لا يتنبه لها كثير من الكبار.
الأطفال يملكون أحاسيساً وأفكاراً لا يقولونها، أو يعبّرون عنها، بألسنتهم بل تكون في خواطرهم. مبادرة اليونيسف نجحت في كسرِ الطوّق الذي يحوط بكثير من هذه الأفكار المحقّة والإفراج عن أفكار وطروحات ورؤى أطفال يفترض أن يكبروا ويتولوا زمام إدارة البلد والمؤسسات بعد حين. كما سلّطت الضوء أمام المسؤولين المحليّين على فئةٍ من الناس طالما نسوها أو غفلوا أخذها في الحسبان أثناء تخطيطهم وتنفيذهم للمشاريع والقوانين في نطاقهم الإداريّ.
علي (10 سنوات) يُرتّبُ أوراقه ويقرأ مطلباً باسمهِ وباسمِ أطفالٍ من عمره: «نريد طرقات معبّدة، وباصات تقلّنا الى المدارس، وحمّامات نظيفة في مدارسنا. وهذه مسؤولية وزارة التربية ووزارة الصحّة». ويعطي الكلام الى لين (11 سنة) لتقول: «هناك عنفٌ يلحق بنا. نخشى من حالات خطف قد تطالنا. فليتدخّل «البوليس». وتعطي لين الكلام إلى سعد (13 سنة) لينقل مطلباً إضافياً: «أوقات الفرص في المدارس قصيرة جداً. نريد فسحة أكبر، ووقت أطول، لنلعب ونأكل ونتسلّى ونحن ندرس ونتعلّم ونكبر». سابين من جهّتها تقول «نريد أرصفة نمشي عليها وحدائق عامّة، وهذه مسؤولية البلديات». لارا حكت عن مشكلة الطلاق «أكثر من يتأثّر بطلاقِ الوالدين هم الأطفال ويفترض أن تكون المحاكم المذهبيّة أكثر عدالة وتصغي الى رأي الطفل». طلبات الأطفال كثيرة وبعضها بسيط جداً: «نريد أماكن آمنة نلعب فيها، وهواء نظيف نتنشّقه، وضجيج أقلّ من حولنا». هي مطالب جدّ بسيطة لأطفالٍ يفترض أن يفرحوا ويتعلموا ويترعرعوا في بيئات آمنة.
لا تتوقّف المبادرة عند هذه الحدود. فالأطفال الذين يتمتّعون بمواصفات لفتت كل من أصغوا لمطالبهم أتبعوها بحلول، وفي هذا الإطار تقول كلارا «نظامنا التربوي لا يواكب العصر. فلتُطوّر وزارة التربية هذا النظام وهذا المنهاج». الأطفال ذوو الإحتياجات الخاصّة والإرادات الصلبة بحاجة إلى أن يندمجوا هم أيضاً مع الأطفال الآخرين، والأطفال المشاركين طالبوا مراراً وتكراراً «فلتُجهّز كلّ التسهيلات اللوجستية ليكونوا معنا ونكون معهم». والطفل نور يحاول أن يتكلّم بلسانِ الأطفال اللاجئين من الجنسية السورية «حقّ هؤلاء الأطفال الذين التجأوا الى لبنان أن يتعلّموا ويتفاعلوا مع كل الآخرين». هي حلولٌ من الأطفال لمشاكل يعاني منها الأطفال. هو حقّهم في التعبير والمشاركة والطرح والإبتكار وفي جعل المسؤول يتحمّل مسؤولياته.
جميلٌ جداً أن يتشارك كلّ هؤلاء الأطفال في البحثِ عن حلول لمشاكل أطفال آخرين. جميلٌ جداً أن نسمعهم ونراهم ونتابع كلّ هذا النبض والأمل في عيونهم وفي قلوبهم وهم يتبعون المشاكل الكامنة بحلولٍ ورجاء.
أطفالٌ من المحافظات كلِّها: من بيروت، وجبل لبنان، ولبنان الشمالي، ولبنان الجنوبي، والبقاع، والهرمل، والنبطية. تشاركوا، بإرادات فولاذية، في تصويب أمور كثيرة بإعلانهم بأملٍ هائل: هذا يضرّ بنا، وهذا يحمينا وهذا يزرع فينا الأمان.
هم أطفال يستحقّون أن يُتوَّجوا قادة 2019. هم أطفال يتجاوزون يوميًّا كثير من التحدّيات التي تُعيق حقّهم في الفرح والتعبير، وفي اللعب، والتسلية، والتعلّم، والقول، والتعبير. الأطفال- القادة نجحوا في ذكرى مرور ثلاثين عام على إعلان إتفاقية حقوق الطفل، في التعبير وفي إرساء خارطة طريق.