في عام 2015، حظي دور الأماكن العامة باعتراف غير مسبوق من خلال إدراج مقصد في خطة أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، وهو المقصد 7 من الهدف 11، الذي يلتزم بـ «توفير سبل استفادة الجميع من مساحات خضراء وأماكن عامة، آمنة وشاملة للجميع ويمكن الوصول إليها، ولا سيّما بالنسبة إلى لنساء والأطفال وكبار السنّ والأشخاص ذوي الإعاقة».
ويمكن أن تضطلع الأماكن العامة بأدوار مختلفة، وبالإمكان استخدامها من قبل جميع شرائح السكان بطرق متنوّعة. ورغم ذلك، غالباً ما يشار إليها باسم «غرفة معيشة الرجل الفقير» وذلك بسبب أهميّتها الخاصّة للفئات المهمّشة والضعيفة، ولا سيّما الأطفال. ومع أنّها مفتوحة ومتاحة للجمبع من الناحية النظريّة، إلّا أنّ معظم هذه الأماكن العامّة ينتهي به المطاف ليغدو مكاناً للتمييز، وعدم الأمان، والاستبعاد، خصوصاً بالنسبة إلى الفئات الأكثر ضعفاً مثل الأطفال.
فهل تؤدّي الأماكن العامة حالياً دوراً مهمّاً في تشجيع الإدماج، لا سيّما بالنسبة إلى الفئات الأكثر ضعفًا مثل الأطفال؟ وهل يمكن أن يدعم تصميم المساحات العامة وتنظيم استخدامها Placemaking تعزيز تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل؟
تصميم المساحات العامة وتنظيم استخدامها فلسفة وعملية في آن معاً:
يعتبر تصميم المساحات العامة وتنظيم استخدامها نهجاً تشاركياً في تخطيط الأماكن العامّة وتصميمها وإدارتها. إنه ينطوي على معاينة مكانٍ ما بدقّة، ومراقبة الأشخاص الذين يعيشون ويعملون ويلعبون فيه، والاستماع إليهم، كلّ ذلك في محاولةٍ لاكتشاف حاجاتهم وتطلّعاتهم. وتستخدم هذه المعلومات لاحقاً لوضع رؤية مشتركة للمكان بهدف إنشاء مساحة عامّة مناسبة تعزّز رفاهيّة المجتمع والادماج الاجتماعي.
وتكمن الإجابة عن السؤال حول كيفية مساهمة تصميم المساحات العامة وتنظيم استخدامها في تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل في كيفية إضفائه بعداً عمليّاً على المبادئ العامة الأربعة:
1 - عدم التمييز
وفقاً لما ورد في البند 1 من المادة 2: «تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضّحة في هذه الإتفاقية وتضمنها لكلّ طفل يخضع لولايتها دون أيّ نوع من أنواع التمييز، بغضّ النظر عن عنصر الطفل، أو والديه، أو الوصي القانوني عليه، أو لونهم، أو جنسهم، أو لغتهم، أو دينهم، أو رأيهم السياسي أو غيره، أو أصلهم القومي، أو الإثني، أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أيّ وضع آخر».
إنّ تصميم المساحات العامة وتنظيم استخدامها يخلقان أماكن شاملة تهدف إلى الحدّ من التمييز والتوتّرات الاجتماعية بين المجتمعات المحليّة المنعزلة. ومفهوم الأماكن العامة الشاملة لا يعني فقط تصميم مكان يمكن أن يشمل مختلف فئات المجتمع المحلّي، بل يعني أيضاً كيفية إشراك هذه المجموعات في تخطيط وتصميم هذه المساحات بطرق تؤدّي إلى الإدماج الاجتماعي.
2 - مصالح الطفل الفضلى
يحتاج الأطفال إلى دعمٍ خاص لكي يتمكّنوا من التمتّع بكامل حقوقهم حسبما نصّ عليه البند 1 من المادة 3: «في جميع الإجراءات التي تتعلّق بالأطفال، سواءً قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامّة أو الخاصّة، أو المحاكم، أو السلطات الإدارية، أو الهيئات التشريعية، يولّى الاعتبار الأوّل لمصالح الطفل الفضلى».
إنّ تصميم المساحات العامة وتنظيم استخدامها يعزّزان الحكم الرشيد، ويزيدان وعي السلطات والمجتمعات المحليّة حول أهميّة ضمان مشاركة جميع فئات المجتمع، ولا سيّما الفئات الأكثر ضعفاً مثل الأطفال. وهو يساهم في التواصل بين الجهات الفاعلة المحليّة ويشجّعها على العمل الجماعي من أجل مصلحة الطفل الفضلى، وحقّه في الحصول على أماكن آمنة و ملائمة للأطفال داخل المدينة.
3 - الحقّ في البقاء والنمو
وهو الأكثر ارتباطاً بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للطفل، وقد نصّ عليه البند 2 من المادة 6 كما يلي: «تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حدّ ممكن بقاء الطفل ونموّه».
ويقوم تصميم المساحات العامة وتنظيم استخدامها بتسليط الضوء على أهميّة الأماكن العامة كمحرّك للتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويعزّز السلامة والأمن ويعطي الأفضليّة للتفاعل الاجتماعي. وهو يشجّع الأماكن العامة الجيّدة التي تحصّن الصحّة الجسديّة والعقليّة للأطفال من خلال تشجيع النشاط الجسدي، وتخفيف التوتّر وتوفير بيئة مريحة.
4 - آراء الطفل
لقد صيغ هذا المبدأ في البند 1 من المادة 12 التّي تنصّ على أن «تكفل الدول الأطراف في هذه الاتفاقية للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حقّ التعبير عن تلك الآراء بحُريّة في جميع المسائل التي تمسّ الطفل، وتولّى آراء الطفل الاعتبار الواجب وفقاً لسنّ الطفل ونضجه».
وكنهج محوره الإنسان، ينطوي تصميم المساحات العامة وتنظيم استخدامها على الرصد، والاستماع، وطرح الأسئلة على الناس لاكتشاف الاحاجات والتطلّعات. وغالباً ما يكون الأطفال المشاركين الرئيسيين في المجتمع المحليّ ضمن عملية تصميم المساحات العامة، وبالتالي فإنهم يساهمون بشكلٍ كبير في تصوّر الأماكن العامة. فالأطفال يميلون بطبيعة الحال إلى التعبير بصورة أفضل عن آرائهم واهتماماتهم في ما يتعلّق بالأماكن العامة، وبالتالي فإنّ الإصغاء إلى آرائهم واحترامها أمرٌ أساسي ومنطقي.
إنّ تجربة تصميم المساحات العامة وتنظيم استخدامها لإحياء الأماكن العامة كعملية تعاونية للمجتمع المحلّي، يسمحان بتجسيد إتفاقية حقوق الطفل ضمن حيّز مادي يمكن فيه تنفيذها، والأهمّ من ذلك تعزيز الإدماج الاجتماعي. ويعتبر تطوير فرص الوصول إلى الأماكن العامة الجيّدة لأضعف سكان المناطق الحضرية، أداةً قوية لتعزيز المساواة ودعم الإدماج ومكافحة التمييز.