وقد صرّحت السيّدة لينا داعوق أويري، أستاذة مساعدة في السلوك التنظيمي في كلية العليان للأعمال في الجامعة الأميركية في بيروت وأم لولدَين في حديث مع صحيفة «النهار»: «هذا سيعلّم أطفالنا ما لن يتعلّموه في الصفّ المدرسي». وأضافت داعوق أويري، وهي متزوّجة من رجل فنلندي "أنا أم لولدَين غير لبنانيين ليس لديهما الحقّ في الجنسية اللبنانية، على الرغم من أنّهما ولدا وتربَّيا في لبنان".
لم تكن السيدة داعوق أويري الوحيدة المطالبة بحقّها في منح الجنسية لأولادها وزوجها. فلقد انضمّت أيضاً إلى الإحتجاج سيلفانا غندور باروا، وهي أم لطفلين، ومتزوّجة من رجل فرنسي. وقالت «أنا هنا من أجل حقوق طفلَيْ. كلاهما صغير، ولديهما الكثير من الأسئلة في هذه المرحلة من حياتهما. لقد أصبحا يشكّكان في كل شيء».
ولكن الحقّ في الجنسية لم يكن السبب الوحيد الذي دفع كلّ من السيّدتين داعوق أويري وغندور باروا إلى الاحتجاج. فهما تشكّلان جزء من دائرة أوسع من الأهل الذين كانوا ينضمّون في كلّ صباح إلى الإعتصامات ويشاركون في مبادرات التنظيف، فضلاً عن مبادرة «Storytelling and Arts N’ Crafts» التي تهدف، من خلال الأنشطة الترفيهيّة والتقنيّات التي ترتكز على مفهوم الوطنية، إلى زرع حسّ المواطنة في نفوس الأطفال.
«هذه المبادرات هي تجارب تعليميّة هامّة جداً للأطفال. ومن الضروري أن يسمح الأهل لأولادهم بالمشاركة في الثورة لأنّ هذه هي الثورة التي ستشكّل مستقبلهم» تقول السيدة داعوق أويري، التي شاركت في تنظيم عدّة صفوف للأطفال.
ومع ذلك، لا يتمتّع جميع الأهل بالرفاهية للمشاركة في «الخيمة»، كما هي معروفة الآن، لكنّ هذا لا يردعهم عن الحضور مع أطفالهم والتوجّه إلى الساحة الأقرب إليهم.
وقالت فاطمة الديراني، 38 عاماً، أمّ لثلاثة أولاد، في حديث لـ«النهار» «إنها المرّة الأولى التي أسمع فيها عن خيمة مخصّصة لنشاطات الأطفال، وأتمنّى لو كان لدينا مثل هذه الخيمة في طرابلس». وأضافت «لكن ذلك لن يمنعني من اصطحاب أولادي معي كل يوم إلى [الإعتصامات]، ومن شرح ما هو بالضبط ما نناضل من أجله». وتعترف الديراني بأنّ تفسير الثورة لأولادها «ليس بالأمر السهل»، لكن الرغبة في استيعابهم لوضعها كانت أقوى من الرغبة في «تركهم كما هم، من دون أدنى فكرة عمّا يحدث حولهم». وأشارت أنّ ابنها أحمد، الذي هو في السابعة من عمره، كانت لديه بعض الأسئلة الأساسية التي وجدت صعوبة في الإجابة عليها. «سألني أسئلة مثل «ما هي الثورة؟» و«ما الذي نناضل من أجله؟» و«لماذا لا يمكننا السباحة في البحر؟» وكان من الصعب الإجابة عن كلّ تلك الأسئلة».
في الواقع، إنّ معظم الأهل تقريباً الذين تحدّثت إليهم جريدة «النهار» أكّدوا أهمّية استخدام الألعاب والتقنيّات الخاصّة لإيصال مفهوم الثورة لأبنائهم.
فقد استعانت فاتن مرعشلي، أمّ لولد عمره 17 عاماً ويعاني من مرض التوحّد، بالرسوم البيانية والكرتون لتشرح لإبنها ماهيّة الإحتجاجات. وقالت مرعشلي، التي اصطحبت ابنها خصيصاً إلى الثورة، لجريدة «النهار»: «حتّى لو كان محمود [ابني] يعاني من التوحّد، فهذا لا يعني أنّه لا يمكنه تصوّر ما هي الثورة».
«عندما يقف الناس دفاعاً عن حقوقهم، فإنّهم يعلّمون أطفالهم من دون وعي أن يفعلوا الشيء نفسه، وهذا أمرٌ جميل». قالت داعوق أويري.
لقد شارك طلاب المدارس والجامعات أيضاً في الإعتصامات. وإذا كان الأطفال بحاجة لتوجيه في تفسير معنى الثورة، فمن المؤكّد أنّ طلاب المدارس قد أمسكوا بزمام الأمور، حيث خرجوا إلى الشوارع وساروا مع طلاب الجامعات الأكبر سناً من جامعةٍ إلى أخرى، مردِّدين شعارات مناهضة للفساد والحكومة.
أحمد فلّاح، طالب في الصف السادس والبالغ 13 عاماً، قال أنّه يجب على والده العمل في وظيفتين حتّى يتمكّن من الحصول على التعليم، وهو أمر «ليس عادلاً». أضاف: «يعمل أبي كثيرًا وبالكاد [المدراء] يدفعون له». «لماذا عليه أن يعمل جاهداً لتعليمي؟ فالتعليم يجب أن يكون مجاناً».
وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ التعليم الإبتدائي مجاني وإلزامي في المدارس الحكوميّة بموجب القانون في لبنان. علي، طالب آخر بالغ من العمر 14 عاماً، اشتكى من الفرق الملحوظ في نوعيّة التعليم بين المدارس الحكوميّة والخاصّة. وقال لـ«النهار»: «أنا أدرس حالياً في مدرسة رسميّة. أسمع دائماً أنّ المدارس الخاصّة أفضل. لماذا يجب أن يكون الوضع هكذا؟ فالمدارس الرسميّة تابعة للدولة ويجب أن تكون أقوى».
رانيا، البالغة من العمر 16 عاماً والمقيمة في صيدا، والتي لم ترغب في أن تُعرف باسمها الحقيقي، قالت لـ«النهار» أنّ طلاب الصفّ العاشر والحادي عشر والثاني عشر اجتمعوا الأربعاء خارج مدرستها في الساعة 7:30 صباحاً وتوجّهوا إلى منطقة الإعتصام الرئيسية في المدينة، أي ساحة إيليّا». وأضافت «نزلنا إلى الشارع لكي نحقّق مستقبلاً أفضل لأنّ معظمنا يتخرّج من دون أيّ فرص عمل، ويجبر على مغادرة البلاد».
وقد عبّر العديد من أصدقاء رانيا عن مشاعرها بحماسة من خلال مسيرات في كلّ أنحاء لبنان، وتأثّرت البلاد بهتافاتهم وشعاراتهم. وهتفوا «ثورة! ثورة! ثورة!»
أمّا بالنسبة إلى طلاب الجامعات، فتمحورت مطالبهم حول إيجاد عمل في بلد لديه أعلى معدّلات التوظيف البطالة في العالم العربي. وقال قصي، البالغ من العمر 20 عاماً بغضب «كلّ ما نطلبه هو حقّ الحصول على عمل لائق بعد التخرّج». وأضاف «لدينا الحقّ في مستقبل آمن حيث يمكننا مساعدة عائلاتنا ولا أن نكون عبئاً عليهم».
لقيت صرخات الطلاب آذاناً صاغية، حيث وصفت العديد من وسائل الإعلام اعتصامهم الذي استمرّ يومين على أنّه واحد من أكبر التظاهرات الطلابية في تاريخ لبنان.