منذ الهجرات الأولى بسبب ضيق الموارد أو المناخ، إلى الهجرات اللاحقة بسبب تحسين ظروف العيش، إلى الهجرات القسرية بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية، كانت الجموع البشرية تنتقل من مكان إلى مكان، وتندمج أو تعيد تأسيس حضارات. والأمثلة في التاريخ كثيرة لدرجة أنها تشكّل فعلياً كل التاريخ البشري. لكن وفي سياق ظهور الدولة القومية التي رسمت حدوداً، وقسّمت العالم إلى ساكن مواطن ووافد، أو مواطن ومهاجر، أو مواطن ولاجىء، ظهرت مشكلة اللاجئين بوصفهم مجموعة طارئة على المجموعة المقيمة في أحسن الأحوال، وفي أسوأها عبئاً كبيراً ومصدراً للمتاعب، وفئة أدنى من المستقرين الذين ينعمون بحقوقهم كمواطنين. هذه المشكلة التي لا يزيد عمرها عن قرن ونصف القرن في أبعد الأحوال، لم تصل إلى شكلها المؤسس إلا عقب الحرب العالمية الثانية مع الهجرات الكبيرة التي تمت في أوروبا ومنها إلى الخارج، والتي استدعت نشوء نظام عالمي جديد يُعنى بهذه الفئة من البشر أطلق عليه اسم نظام المساعدات الانسانية الدولي. هذا النظام يعتبر أساساً أن هذه الهجرة القسرية هي هجرة مؤقتة، وأن الاندماج أو عدمه في الدول المضيفة هو مسألة سيادية مرتبطة بالحدود الجغرافية المتفق عليها دولياً لهذه الدول، وأن دور هذا النظام هو توفير الحد الأدنى من سبل العيش أو (الحقوق) الأساسية للفرد. وهنا تتركز المشكلة أساساً. فنظام المساعدات الإنسانية الدولي الذي يقدم نفسه على أنه نظام إنساني بحت، أي بمعنى ما (حيادي) غير مسيّس، يجد نفسه غارقاً في تجاذبات سياسية بالكاد هو قادر على أن يتعامل مع بعضها ويفشل في أخرى كثيرة؛ ابتداء من حقوق الإقامة، إلى حقوق العمل، إلى الحق بالتنقل والحركة وسواها من الحقوق الكثيرة المرتبطة بشكل أو بآخر بالمفهوم السيادي للدولة المضيفة الذي هو في جوهره سياسي.
من هنا، يسلّط الضوء عادة على مشكلة اللاجئين بوصفهم مجموعة تستحق (المساعدات)، أو ضمان بعض الحقوق في أحسن الأحوال كما أسلفنا، أو مجموعة تشكل عبئاً كبيراً وأزمة اقتصادية /ديمغرافية/ أخلاقية تحتاج إلى حل. وفي جميع الأحوال، لا ينظر إلى اللاجئين بوصفهم بشراً متساوين ضمن شرعة حقوق الإنسان يمكن أن يشكلوا إضافة لا عبئاً، ومورداً لا أزمة.
أزمة اللاجئين هي أزمة سياسية خُلقت بسبب ظرف وإطار سياسي تاريخي محدد، ولا يمكن حلها من دون الأخذ بالاعتبار هذا البعد التاريخي السياسي حيث يكون الاندماج حقاً مثلما هو حق العودة، ويكون الاستقرار حقاً مثلما هو حق التنقل، وأن حقوق الانسان (أي إنسان) أساسية مثلما هي حقوق المواطن.