غياب‭ ‬سياسة‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭:‬ حالة‭ ‬عديمي‭ ‬الجنسية

salam wa kalam website logo
trending شائع
نشر في 01 كانون الأول 16 7 دقائق للقراءة
غياب‭ ‬سياسة‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭:‬ حالة‭ ‬عديمي‭ ‬الجنسية
تتعدد‭ ‬أوجه‭ ‬مقاربة‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭ ‬بين‭ ‬السلم‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬تعريفاته‭ ‬في‭ ‬كلا‭ ‬الصعيدين‭ ‬تختلف‭ ‬حسب‭ ‬تأثير‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬منهما‭.
فعلى‭ ‬الصعيد‭ ‬السياسي،‭ ‬يمكن‭ ‬الانطلاق‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرية‭ ‬حيث‭ ‬تبنى‭ ‬بعض‭ ‬السياسات‭ ‬على‭ ‬قمع‭ ‬الحريات‭ ‬والتعبيرات‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية،‭ ‬وإخضاعها‭ ‬لشروط‭ ‬وأهواء‭ ‬واتجاهات‭ ‬ومصالح‭ ‬الدولة،‭ ‬وعلى‭ ‬إقصاء‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬بعض‭ ‬الحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬أو‭ ‬السياسية،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اعطاء‭ ‬أي‭ ‬اعتبار‭ ‬لحقوق‭ ‬الانسان‭ ‬التي‭ ‬ترافقه‭ ‬منذ‭ ‬ولادته،‭ ‬والتي‭ ‬أكدتها‭ ‬المعاهدات‭ ‬والمواثيق‭ ‬الدولية،‭ ‬ومنها‭ ‬حرية‭ ‬التعبير‭ ‬وحرية‭ ‬إبداء‭ ‬الرأي،‭ ‬والحق‭ ‬بالحصول‭ ‬على‭ ‬جنسية‭. ‬أما‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فإن‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬نبذ‭ ‬التهميش‭ ‬والعنف‭ ‬والإكراه،‭ ‬والقبول‭ ‬بالتنوع‭ ‬والاختلاف،‭ ‬والتعامل‭ ‬بشكل‭ ‬سلمي‭ ‬وحضاري‭ ‬مع‭ ‬الأشخاص‭ ‬المختلفين،‭ ‬والمساواة‭ ‬بين‭ ‬جميع‭ ‬المقيمين‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الدولة‭ ‬سواء‭ ‬كانوا‭ ‬مواطنين‭ ‬ام‭ ‬أجانب‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بدون‭ ‬جنسية‭.‬
ومن‭ ‬هنا‭ ‬تنطلق‭ ‬علاقة‭ ‬طردية‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬مفاهيم‭ ‬الاستقرار‭ ‬السياسي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬ومفهوم‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭. ‬فالسلم‭ ‬الأهلي‭ ‬هو‭ ‬الحجر‭ ‬الأساس‭ ‬لبناء‭ ‬دولة‭ ‬مستقرة‭ ‬سياسياً‭ ‬واجتماعياً،‭ ‬وقابلة‭ ‬للتقدّم‭ ‬والتطوّر،‭ ‬تكون‭ ‬كل‭ ‬أطياف‭ ‬المجتمع‭ ‬فيها‭ ‬مشاركة‭ ‬في‭ ‬القرارت‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والاجتماعية،‭ ‬وفي‭ ‬ضع‭ ‬الخطط‭ ‬الوطنية‭.‬
وبناء‭ ‬عليه،‭ ‬تنطلق‭ ‬أيضاً‭ ‬علاقة‭ ‬عضوية‭ ‬وثيقة‭ ‬بين‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭ ‬وغياب‭ ‬التهميش‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله‭.‬
وإذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ ‬اللبناني،‭ ‬لوجدنا‭ ‬أن‭ ‬فئات‭ ‬متعددة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ - ‬منها‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬المثليون‭ ‬الجنسيون،‭ ‬أطفال‭ ‬الشوارع،‭ ‬السجناء‭ ‬السابقون،‭ ‬النساء‭ ‬المعنّفات‭ - ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬التهميش‭ ‬على‭ ‬المستويات‭ ‬السياسية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية‭ ‬أو‭ ‬القانونية،‭ ‬ما‭ ‬يضع‭ ‬مفهوم‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭ ‬تحت‭ ‬المجهر‭. ‬فكيف‭ ‬يمكن‭ ‬لدولة‭ ‬قسم‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المقيمين‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬مهمشون‭ ‬ومستبعدون‭ ‬من‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬ممارسة‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تؤسس‭ ‬كيان‭ ‬الفرد‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬أن‭ ‬تبني‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭ ‬أو‭ ‬تحقّقه؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬لمجتمع‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬توازنات‭ ‬هشّة،‭ ‬وينبذ‭ ‬الاختلاف‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقل‭ ‬يخاف‭ ‬منه،‭ ‬أن‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭ ‬الحقيقي؟‭ ‬
ففي‭ ‬لبنان،‭ ‬تبنى‭ ‬المشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬‮«‬الوطنية‮»‬‭ ‬على‭ ‬الانتماء‭ ‬الطائفي‭ ‬أو‭ ‬المذهبي‭ ‬أو‭ ‬الفئوي‭ ‬أو‭ ‬الولاء‭ ‬للزعيم،‭ ‬وكل‭ ‬من‭ ‬هو‭ ‬غريب‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬الانتماء‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬مكاناً‭ ‬فعلياً‭ ‬في‭ ‬الكيانات‭ ‬القائمة‭ ‬ضمنه،‭ ‬إذ‭ ‬أنه‭ ‬ينتمي‭ ‬إلى‭ ‬الكيان‭ ‬المبني‭ ‬على‭ ‬طائفته‭ ‬أو‭ ‬مذهبه،‭ ‬هذا‭ ‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬الفروقات‭ ‬بين‭ ‬المواطنين‭ ‬أنفسهم،‭ ‬وهي‭ ‬فروقات‭ ‬تخلق‭ ‬بذاتها‭ ‬شرخاً‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬مفهوم‭ ‬حقيقي‭ ‬للسلم‭ ‬الأهلي‭. ‬
ويوجد‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬اليوم،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬اللبنانيين،‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬اللاجئين‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬بحثاً‭ ‬عن‭ ‬الأمان‭ ‬والحياة‭ ‬الكريمة‭. ‬هؤلاء‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬تمييز‭ ‬اجتماعي‭ ‬ونظرة‭ ‬سلبية‭ ‬ودونية‭ ‬تتفاقم‭ ‬وتتعاظم‭ ‬مع‭ ‬تزايد‭ ‬أعدادهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬عدم‭ ‬تنظيم‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬لتدفقهم‭ ‬إلى‭ ‬أراضيها‭. ‬وسياسة‭ ‬اللاسياسة‭ ‬التي‭ ‬تعاطت‭ ‬بها‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الظاهرة‭ ‬لغاية‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬انعكاس‭ ‬للضعف‭ ‬والهشاشة‭ ‬في‭ ‬نظامها‭ ‬ككل‭. ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التعاطي‭ ‬هو‭ ‬عرضة‭ ‬لكل‭ ‬الأهواء‭ ‬السياسية‭ ‬والتوازنات‭ ‬الطائفية‭ ‬والديمغرافية‭ ‬التي‭ ‬تطفو‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬عند‭ ‬كل‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬توفير‭ ‬أدنى‭ ‬الحقوق‭ ‬للاجئين‭. ‬وأكثر‭ ‬من‭ ‬هذا،‭ ‬أصبح‭ ‬هؤلاء‭ ‬يستخدمون‭ ‬كذريعة‭ ‬لحرمان‭ ‬اللبنانيين‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الحقوق،‭ ‬وأبسط‭ ‬الأمثلة‭ ‬ما‭ ‬صار‭ ‬الحديث‭ ‬عنه‭ ‬حول‭ ‬التخوف‭ ‬من‭ ‬إعطاء‭ ‬المرأة‭ ‬اللبنانية‭ ‬الحق‭ ‬بمنح‭ ‬الجنسية‭ ‬لعائلتها‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬شأن‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬يفتح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬منح‭ ‬هذه‭ ‬الجنسية‭ ‬لمئات‭ ‬آلاف‭ ‬اللاجئين،‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬أردنا‭ ‬أن‭ ‬نعطيها‭ ‬هذا‭ ‬الحق‭ ‬فلنستثن‭ ‬المتزوجة‭ ‬من‭ ‬لاجئ‭ ‬سوري‭ ‬أو‭ ‬فلسطيني‭! ‬أي‭ ‬تهميش‭ ‬هو‭ ‬هذا؟‭ ‬للاجئ‭ ‬أو‭ ‬للمرأة‭ ‬اللبنانية‭ ‬أو‭ ‬للاثنين‭ ‬معاً؟
والتهميش‭ ‬يطال‭ ‬أيضاً‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬وضعهم‭ ‬القانوني‭ ‬وإمكانية‭ ‬العيش‭ ‬بحرية‭ ‬وأمان‭. ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬سياسة‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬تتجه‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭ ‬إلى‭ ‬التضييق‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬اللاجئين‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬وعلى‭ ‬شرعية‭ ‬وجودهم‭ ‬فيه‭. ‬وهذه‭ ‬السياسة‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تؤدي‭ ‬بالكثيرين‭ ‬إلى‭ ‬اعتماد‭ ‬الدخول‭ ‬غير‭ ‬الشرعي،‭ ‬أو‭ ‬التهريب‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬لاإنسانية،‭ ‬وإلى‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬اللاشرعية‭ ‬بسبب‭ ‬شروط‭ ‬الإقامة‭ ‬وكلفتها‭. ‬وها‭ ‬هم‭ ‬ينضمون‭ ‬إلى‭ ‬الفئات‭ ‬المهمشة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تشارك‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬وتضطر‭ ‬إلى‭ ‬الاختباء‭ ‬والعيش‭ ‬في‭ ‬الخوف‭ ‬والتهميش‭. ‬
فضلاً‭ ‬عن‭ ‬هؤلاء،‭ ‬إذا‭ ‬نظرنا‭ ‬إلى‭ ‬أفراد‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬منذ‭ ‬عشرات‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬صفة‭ ‬المواطن‭ ‬لأنهم‭ ‬لا‭ ‬يحوزون‭ ‬أي‭ ‬جنسية،‭ ‬فهنا‭ ‬حدّث‭ ‬ولا‭ ‬حرج‭. ‬فهؤلاء‭ ‬يتعرضون‭ ‬لكل‭ ‬أشكال‭ ‬التمييز‭ ‬والنبذ‭ ‬والإقصاء،‭ ‬إذ‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بالمقوّمات‭ ‬التي‭ ‬تسمح‭ ‬لهم‭ ‬بالانصهار‭ ‬في‭ ‬النسيج‭ ‬الذي‭ ‬تبنى‭ ‬عليه‭ ‬المشاركة‭ ‬ضمن‭ ‬التركيبة‭ ‬الفئوية،‭ ‬ما‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تهميشهم‭ ‬وإقصائهم‭ ‬عن‭ ‬الشأن‭ ‬العام‭ ‬وعن‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم‭ ‬والمطالبة‭ ‬بها‭ ‬حتى،‭ ‬حيث‭ ‬تنعدم‭ ‬مقاربة‭ ‬الحقوق‭ ‬والمشاركة‭ ‬تحت‭ ‬ضغط‭ ‬التهميش‭ ‬والتمييز‭.‬
فالأشخاص‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحملون‭ ‬أي‭ ‬جنسية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬والمعروفون‭ ‬بـ‭ ‬‮«‬مكتومي‭ ‬القيد‮»‬‭ ‬و‮«‬قيد‭ ‬الدرس‮»‬،‭ ‬هم‭ ‬أشخاص‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬فئة‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬منسية‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تدرج‭ ‬موضوع‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬انعدام‭ ‬الجنسية‭ ‬يوماً‭ ‬على‭ ‬أجنداتها‭ ‬السياسية‭. ‬هذا‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬انعدام‭ ‬الجنسية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬قديم‭ ‬قدم‭ ‬نشأة‭ ‬الجنسية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الغالبية‭ ‬الساحقة‭ ‬من‭ ‬عديمي‭ ‬الجنسية‭ ‬يرتبطون‭ ‬بلبنان‭ ‬بروابط‭ ‬متينة‭ ‬ووثيقة‭ ‬ليس‭ ‬أقلها‭ ‬الولادة‭ ‬فيه،‭ ‬أو‭ ‬لأصول‭ ‬يحملون‭ ‬جنسيته،‭ ‬أو‭ ‬كانوا‭ ‬موجودين‭ ‬فيه‭ ‬عندما‭ ‬وجدت‭ ‬الدولة‭ ‬وجنسيتها‭ ‬فيه،‭ ‬أو‭ ‬مولودون‭ ‬لأمهات‭ ‬يحملن‭ ‬جنسيته‭.‬‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬بقيت‭ ‬قضيتهم‭ ‬غائبة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬السياسات‭ ‬والحكومات،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬عن‭ ‬أجندات‭ ‬وأولويات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭. ‬وهل‭ ‬من‭ ‬تهميش‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬هذا؟‭ ‬
ويفاقم‭ ‬هذا‭ ‬التهميش‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬مسعى‭ ‬لتطوير‭ ‬السياسات‭ ‬أو‭ ‬القوانين‭ ‬أو‭ ‬الاجراءات،‭ ‬في‭ ‬حال‭ ‬وجوده،‭ ‬يبقى‭ ‬محصوراً‭ ‬باللبنانيين،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يشمل‭ ‬كافة‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬الذين‭ ‬يتساوون‭ ‬مع‭ ‬الأولين‭ ‬في‭ ‬الواجبات‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مفروضاً‭ ‬عليهم‭ ‬واجبات‭ ‬إضافية‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬اعتبارهم‭ ‬‮«‬مواطنين‮»‬‭ ‬بالمفهوم‭ ‬الضيّق‭ ‬للكلمة‭ ‬الذي‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬هو‭ ‬المعتمد‭ ‬في‭ ‬لبنان‭. ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬الضيّق‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مطبّقاً‭ ‬حتى‭ ‬بين‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬يحملون‭ ‬الجنسية‭ ‬اللبنانية،‭ ‬حيث‭ ‬أن‭ ‬اللبناني‭ ‬لا‭ ‬يتمتع‭ ‬بحقوق‭ ‬المشاركة‭ ‬السياسية‭ ‬والمدنية‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬قيده‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬إقامته‭ ‬الفعلية‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬مدة‭ ‬هذه‭ ‬الإقامة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬وجوب‭ ‬انتمائه‭ ‬إلى‭ ‬الفئة‭ ‬الطائفية‭ ‬الغالبة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المكان،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬التركيبة‭ ‬الطائفية‭ ‬السياسية‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تهميش‭ ‬كل‭ ‬الأفرقاء‭ ‬الآخرين‭. ‬في‭ ‬وقت‭ ‬أن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬اعتمدت‭ ‬مفهوماً‭ ‬واسعاً‭ ‬للمواطن‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬الإقامة‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬الواجبات‭ ‬وفي‭ ‬الحياة‭ ‬العامة،‭ ‬بغضّ‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬حيازة‭ ‬جنسية‭ ‬البلد‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬القيد‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬هذه‭ ‬الإقامة‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬حال‭ ‬اللبناني‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬وإداري‭ ‬غابر‭ ‬مرّ‭ ‬عليه‭ ‬الزمن،‭ ‬فكيف‭ ‬بحال‭ ‬المقيم‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬هذه‭ ‬الجنسية؟‭ ‬وهل‭ ‬يمكن‭ ‬تصوّر‭ ‬نظام‭ ‬أو‭ ‬سياسة‭ ‬أكثر‭ ‬تهميشاً‭ ‬من‭ ‬هذا؟‭ ‬
أضف‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬التهميش‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تولِ‭ ‬موضوع‭ ‬انعدام‭ ‬الجنسية‭ ‬الأولوية‭ ‬يوماً،‭ ‬لم‭ ‬تقم‭ ‬بالمصادقة‭ ‬على‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تضمن‭ ‬حقوق‭ ‬عديمي‭ ‬الجنسية،‭ ‬ولم‭ ‬تقم‭ ‬بوضع‭ ‬السياسات‭ ‬أو‭ ‬الأطر‭ ‬القانونية‭ ‬التي‭ ‬توفر‭ ‬لهم‭ ‬الحماية‭ ‬والحقوق‭. ‬حيث‭ ‬يعتبر‭ ‬هؤلاء‭ ‬بحكم‭ ‬غير‭ ‬الموجودين‭ ‬أمام‭ ‬القانون،‭ ‬ويفتقرون إلى أي وضع قانوني أو وثائق تعرّف‭ ‬بهم،‭ ‬ويحرمون‭ ‬من‭ ‬إمكانية‭ ‬ممارسة‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬الأساسية‭. ‬وغياب إطار الحماية القانونية والحقوق‭ ‬هذا‭ ‬يجعلهم‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬هش‭ ‬وعرضة‭ ‬للاستغلال‭ ‬والانتهاكات‭ ‬الخطيرة،‭ ‬فيمكن‭ ‬تصنيفهم‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬فئة‭ ‬سكّانية‭ ‬معرّضة للخطر‭ ‬ومهمّشة للغاية‭.‬
عديمو‭ ‬الجنسية‭ ‬بنتيجة‭ ‬حرمانهم‭ ‬من‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الحقوق‭ ‬ينتمون‭ ‬إلى‭ ‬فئات‭ ‬اجتماعية‭ ‬محرومة‭ ‬اقتصادياً،‭ ‬إذ‭ ‬أنهم‭ ‬لا‭ ‬يستطيعون‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬ومنها‭ ‬المهن‭ ‬الحرة‭ ‬وبالطبع‭ ‬الوظيفة‭ ‬العامة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬إن‭ ‬الكثيرين‭ ‬منهم‭ ‬يفتقرون‭ ‬إلى‭ ‬المحفّزات‭ ‬التي‭ ‬تدفعهم‭ ‬إلى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬إمكانات‭ ‬تطوير‭ ‬مستواهم‭ ‬المعيشي‭ ‬والتعليمي‭ ‬والاجتماعي‭. ‬وهذا‭ ‬الأمر‭ ‬يساهم‭ ‬في‭ ‬تهميشهم‭ ‬أكثر‭ ‬فأكثر‭.‬
ولا‭ ‬يتوقف‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬السياسات‭ ‬الرسمية‭ ‬أو‭ ‬تجاهل‭ ‬الدولة،‭ ‬بل‭ ‬يتعداه‭ ‬إلى‭ ‬تهميش‭ ‬وتمييز‭ ‬اجتماعي،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬المجتمع‭ ‬والرأي‭ ‬العام‭ ‬إما‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬بوجودهم،‭ ‬أو‭ ‬ينظر‭ ‬إليهم‭ ‬نظرة‭ ‬سلبية‭ ‬حاصراً‭ ‬إياهم‭ ‬ضمن‭ ‬فئة‭ ‬‮«‬من‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يشكّلوا‭ ‬خطراً‭ ‬على‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬لأنهم‭ ‬مهملون‭ ‬ومتروكون‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الدولة،‭ ‬وعرضة‭ ‬للاستقطاب‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحركات‭ ‬الإرهابية‭ ‬أو‭ ‬المتطرفة‭ ‬أو‭ ‬أقله‭ ‬عرضة‭ ‬للانحراف‮»‬‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التخوف‭ ‬قد‭ ‬يصيب‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬البعض،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬يعتبر‭ ‬ناقوس‭ ‬خطر‭ ‬على‭ ‬صانعي‭ ‬السياسات‭ ‬والمجتمع‭ ‬التنبّه‭ ‬له‭ ‬لانتشال‭ ‬بعض‭ ‬أفراده‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المخاطر،‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يجوز‭ ‬أن‭ ‬يختصر‭ ‬كل‭ ‬التعاطي‭ ‬المجتمعي‭ ‬مع‭ ‬عديمي‭ ‬الجنسية‭. ‬بل‭ ‬على‭ ‬المجتمع‭ ‬أن‭ ‬يوفّر‭ ‬البيئة‭ ‬الحاضنة‭ ‬لهؤلاء،‭ ‬وأن‭ ‬يوفّر‭ ‬لهم‭ ‬إمكانات‭ ‬رفع‭ ‬الصوت‭ ‬والمطالبة‭ ‬بالحقوق‭ ‬وبالخروج‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬التهميش،‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬تهميشهم‭.‬
تحدّثنا‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬فئتين‭ ‬من‭ ‬‮«‬المهمشين‮»‬‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬نتيجة‭ ‬السياسة‭ ‬وتعاطي‭ ‬المجتمع‭. ‬لكن‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬التأكيد‭ ‬أن‭ ‬هاتين‭ ‬الفئتين‭ ‬ليستا‭ ‬يتيمتين،‭ ‬بل‭ ‬ينضم‭ ‬إلى‭ ‬أفرادهما‭ ‬آخرون‭ ‬كثر‭ ‬يعانون‭ ‬أشكالاً‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬التهميش‭ ‬والإقصاء،‭ ‬لا‭ ‬تسع‭ ‬هذه‭ ‬الصفحات‭ ‬لعرض‭ ‬وضعهم،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تهميش‭ ‬الفئات‭ ‬التي‭ ‬عرضنا‭ ‬لها‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬أقصى‭ ‬الدرجات،‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬النكران‭. ‬
وعود‭ ‬إلى‭ ‬بدء،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭ ‬يرتكز‭ ‬في‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬غياب‭ ‬التهميش،‭ ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬المجتمع‭ ‬اللبناني‭ ‬يضم‭ ‬فئات‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يقال‭ ‬فيها‭ ‬إنها‭ ‬مهمّشة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات،‭ ‬فكيف‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يبني‭ ‬السلم‭ ‬الأهلي‭ ‬ويدعّمه؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نتكلم‭ ‬عن‭ ‬سلم‭ ‬أهلي‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سياسة‭ ‬تمعن‭ ‬في‭ ‬التهميش‭ ‬وتعمّق‭ ‬دعائمه‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬حد‭ ‬له؟‭ ‬

برنا‭ ‬حبيب ‭* ‬منسقة‭ ‬مشروع‭ ‬إنعدام‭ ‬الجنسية‭ ‬في‭ ‬جمعية‭ ‬‮«‬روّاد‭ ‬الحقوق‮»‬
سميرة‭ ‬طراد ‭** ‬مديرة‭ ‬جمعية‭ ‬‮«‬روّاد‭ ‬الحقوق‮»

A+
A-
share
كانون الأول 2016
الأكثر مشاهدة هذا الشهر
14 شباط 2025 بقلم نور مرزوق، صحافية
14 شباط 2025
بقلم نور مرزوق، صحافية
تحميل المزيد