هذا ما عبّرت عنه طالبة لبنانية في عكّار في حديثها عن اللاجئين السوريين في مدرستها. وتضيف الطالبة اللبنانية نفسها أن تصوّرها عن السوريين قبل سنوات قليلة كان مختلفاً تماماً عنه اليوم، فقد كان تصوّراً سلبيّاً تكوّن بفعل ما كانت تسمعه في منزلها ومن أفراد أسرتها.
أتى ذكر هذا التغيير في النظرة في دراسة نوعية أجرتها منظمة «انترناشيونال ألرت» (International Alert) صيف 2015، وهي منظمة دولية لبناء السلام لها فرع في لبنان. جمعت الدراسة البيانات من منطقتين إحداهما ريفية (عكار)، والأخرى حَضَرية (برج حمود)، وقد تشكّلت المجموعة من 99 طالباً(ة) لبنانياً(ة) ولاجئاً(ة) سورياً(ة) تتراوح أعمارهم بين 10 و15 سنة، كما شملت أهلهم ومعلميهم في المنطقتين، هذا فضلاً عن مديري المدارس وممثلين/ات لجمعيات أهلية في المناطق ذاتها. وكان هدف الدراسة فهم التأثيرات التي ينتجها النظام المدرسي، سواء المختلط السوري-اللبناني منه أم المفصول بحسب الجنسيات، على التصوّرات والعلاقات بين الطلاب السوريين واللبنانيين.
ووجدت الدراسة أن مستوى التماسك تحسّن في الدوامات الصباحيّة في المدارس الرسميّة، فتبيّن أن الطلاب السوريين واللبنانيين في الدوامات الصباحيّة تجمعهم علاقات أفضل ونظرة إيجابية عن بعضهم البعض، وكانوا قادرين على مكافحة الصوّر النمطية عن الآخر. وللأسف، كان للطلاب الذين لا يحضرون الصفوف المختلطة نظرات سلبيّة عن الآخر، وكانوا أكثر تأثّراً بالتمثيلات السلبيّة للآخر.
في الدوامات الصباحيّة، قال الطلاب اللبنانيون الذين أُجريت المقابلات معهم إنّهم كانوا قد سمعوا كلاماً مثل «السوريون يخطفون اللبنانيين ويغتصبونهم»، ومع الوقت، وبفضل التفاعل المتزايد مع الطلاب السوريين في المدرسة، تغيّرت آراؤهم. وتشير الدراسة إلى أن الطلاب اللبنانيين كفّوا عن مناداة الطلاب السوريين بجنسيتهم، وكأنّ هويتهم تنحصر بجنسيتهم السورية. وسمح هذا التواصل اليومي بين زملاء الصف اللبنانيين والسوريين بتكوين تصوّراتهم الخاصة والتشكيك في صحّة الصوّر النمطية السلبيّة نتيجة تفاعلهم المنتظم.
وتوصّلت الدراسة إلى استنتاج مماثل في ما يتعلّق بالأثر الإيجابي للتدريس المختلط بعد مقابلة بعض الطلاب اللاجئين السوريين في عكّار وبرج حمود، وسؤالهم عن انطباعاتهم عن اللبنانيين، فوصف الطلاب السوريون زملاءهم اللبنانيين بأنهم «يقدّمون الدعم ويد العون». وأشار البعض إلى أن بعض الأصدقاء أو الجيران اللبنانيين المقرّبين يدافعون عنهم وعن أسرهم ضدّ أي مواجهات معادية. وبالرغم مما سبق ذكره من أن كلا الطرفين السوري واللبناني تحدّث عن صداقات داخل المدرسة، أظهرت الدراسة أنه في معظم الحالات لا يتجاوز هذا الأمر جدران المؤسسة التعليمية، ولم يذكر إلا عدداً قليلاً من الطلاب رؤية أصدقاء من الجنسية الأخرى خارج المدرسة أو خلال عطل الأعياد.
أما في الصفوف المنفصلة التي يحضر فيها الطلاب السوريون الصفوف في فترة ما بعد الظهر، فأتت التصوّرات والعلاقات أقل إيجابيّة أعرب الطلاب السوريون المسجّلون في الدوام المسائي في المدارس الرسميّة في المناطق ذاتها عن امتعاضهم من اللبنانيين، حتى أن عدداً قليلاً قال إنه يضمر الضغينة لهم. فذكروا أنهم سمعوا شتائمَ من بعض اللبنانيين لم يسمعوها قبل ذلك قط. وأعرب البعض أيضاً عن تخوّفهم من اللبنانيين عموماً لأنه بحسب الطلاب السوريين، يستطيع اللبنانيون في حال وقوع أي حادثة الدفاع عن أنفسهم باللجوء إلى الشرطة التي قد تردّ بمداهمة منازل السوريين وتخويف أسرهم.
عند وصولهم إلى لبنان، كان هؤلاء الطلاب يعتقدون أن اللبنانيين «طيبوا القلب»، ولكنهم اكتشفوا، بحسب قولهم، أن ذلك عارٍ من الصحة. واعتبروا أن الطلاب اللبنانيين ينظرون إليهم نظرة ازدراء قائلين أن «اللبنانيين يعتبروننا خدماً عندهم». وذكر بعض السوريون أنهم لا يعرفون لماذا لا يحبّهم اللبنانيون، فيما فسّر آخرون هذا السلوك بشعور اللبنانيين بـ «أننا استولينا على بلادهم»، وفسّروا موقف اللبنانيين باعتقادهم أن السوريين استولوا على حقوقهم ويتلقّون مساعدات كان اللبنانيون أولى بها. لقد توصّلوا إلى الاستنتاج هذا لأن الشباب اللبناني يقول لهم صراحة «أنتم دمّرتم بلادنا».
وفي الواقع أكّد الطلاب اللبنانيون الذين أجريت المقابلات معهم والذين يحضرون صفوفاً ليس فيها أي طلاب سوريين، هذا الوضع بوصفهم اللاجئين السوريين بـ«القذرين» و«المجرمين»، واعتبروهم السبب الرئيسي للخراب الذي لحق بالمناطق التي يلتجئون إليها.
ومن أصل حوالي 160 ألف طالب من اللاجئين السوريين الملتحقين بالتعليم النظامي، تتراوح أعمارهن بين 3-17 سنة (يناير/كانون الثاني 2016)، يحضر 60 % منهم الدوامات المسائيّة في المدارس الرسميّة. وكانت وزارة التربية والتعليم العالي قد أطلقت الدوام المسائي للصفوف في ديسمبر/كانون الأول 2014 لخدمة غير اللبنانيين حصراً، وبالتحديد اللاجئين السوريين والعراقيين في المقام الأول لتلبية الطلب المتزايد. بالإضافة إلى ذلك، كانت الوزارة قد برّرت قرارها بالاستناد إلى الفروقات في المستويات التعليمية بين اللاجئين الملتحقين حديثاً واللبنانيين. واعتُبر هذا الترتيب مفيداً للمعلمين للتكيّف مع الاحتياجات الدراسية للطلاب السوريين اللاجئين. ومن بين الأسباب الأخرى التي تقدّم بها بعض مدراء المدارس والإداريون الذين استُطلعوا لدراسة أجريت في العام 2014، هي اعتبار الفصل بحسب الجنسيات حمايةً للطلاب السوريين اللاجئين من المضايقات والتمييز، أو تفادياً لتعريضهم لخلفيات اللبنانيين الاجتماعية والاقتصادية المختلفة.
وبالرغم من أن إطار دراسة منظمة «انترناشيونال الرت» حول نظرة الطلاب السوريين واللبنانيين لبعضهم البعض محدود بعض الشيئ، تبقى النتائج مهمّة وتتطلّب المزيد من التحقيق ليس في العلاقة بين الأطفال اللبنانيين والسوريين ومجتمعهم وحسب، بل أيضاً في نوع التربية والبيئة التعليمية التي نسعى إلى تعزيزها في النظام التعليمي اللبناني.
وتشير دراسات من حول العالم إلى الصلة بين الفصل في النظام المدرسي والتوترات والنزاعات بين المجموعات، من دون أن تزعم هذه الدراسات أنها علاقة سببية واضحة. فهذا ما كانت عليه الحال في البوسنة والهرسك وغواتيمالا وموزامبيق وأيرلندا الشمالية ورواندا وسريلانكا، وهي جميعها بلدان تعكس الهياكل المؤسسية فيها الانقسامات السياسية والاجتماعية التي تقسم المجتمع بأكمله، وتساهم في تعميق الانقسامات الموجودة، تماماً كما هي الحال في لبنان.
على مدى السنوات الـ 25 الماضية، لم ينفكّ لبنان يناضل في جهوده الرامية إلى تحسين النظام التعليمي فيه وخصوصاً بطرق من شأنها أن تسهم في تحقيق التماسك الاجتماعي والمصالحة في بلاد ترزح تحت وطأة سنوات الحرب الأهلية الطويلة وتداعياتها حتى الآن. إن الدعم المقدَّم للطلاب السوريين في التعليم النظامي يوفّر للبنان فرصة ذهبية للاستفادة من الموارد المالية الواردة لتحسين النظام التعليمي الرسمي لكافة الطلاب، سوريين كانوا أم لبنانيين. والأهم من ذلك، يفتح احتضان التنوّع داخل الصفوف وتنمية بيئة متعدّدة الثقافات في المدرسة فرصاً للطلاب اللبنانيين لاكتشاف وتنمية التعاطف والقدرة على مكافحة الصور النمطية، وهما مهارتان ضروريتان لتعزيز علاقات مجتمعية إيجابية تساهم في تمهيد الطريق الوعر نحو المصالحة الوطنية.
(نص مترجم من الإنكليزية)
زينة عبلا* باحثة في مجال التنمية
مزنة المصري** باحثة ومستشارة